"يقوم النظام الدستوري للمملكة على أساس فصل السلط وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية المواطنة والتشاركية، وعلى مبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة"1، بناء على هذه الفقرة الواضحة من الدستور قدّر وقرّر وزير الوظيفة العمومية في المغرب ضرورة محاسبة المسؤولين الصغار في قطاع التعليم ومعاقبتهم بحرمانهم من عطلتهم السنوية، ويتعلق الأمر بمديري المؤسسات التعليمية الابتدائية والثانوية والأساتذة العاملين بهذه المؤسسات دون غيرهم من موظفي القطاع ومسؤوليه، ودون غيرهم من باقي موظفي الإدارات العمومية ممن ينتسبون إلى الوظيفة العمومية بشكل عام، والموظفين السامين والمسؤولين الكبار في البلاد. وقد بنى السيد الوزير قراره "الحكيم" على مبررات ومسوغات أساسها عدد الناجحين من المتعلمين الذين يسهر هؤلاء الأساتذة والمديرون على تأطيرهم والذين لم تبلغ نسبة نجاحهم مائة في المائة، وفي حدود علمنا فإنه لا وجود لنص قانوني يشترط تحقيق نسبة معينة من نجاح المتعلمين مقابل التمتع بالحق في العطلة إلا ما كان من قياس مخل على ما قام به ملك البلاد في حق بعض الوزراء الذين تعرف قطاعاتهم تعثرات أكبر من أن يغض عنها الطرف وإلا فإن القطاعات الحكومية كلها تعاني اختلالات وتعثرات مزمنة تجعل أغلب مناطق البلاد في غليان صامت، تنفجر من حين إلى آخر منطقة من جهات المملكة التي تستوي في المعاناة والآلام والكمد، وتختلف في طبيعة الهموم والمشاكل والاختلالات الاجتماعية والاقتصادية والحقوقية. وإذا كان قياس الوزير صحيحا –وهو ليس كذلك- وجب مراجعة وافتحاص نتائج ومحصلات كل المسؤولين وفي كل القطاعات ومقارنتها إلى نسبة 100 في 100 في النجاح وتحقيق الأهداف المسطرة، وحتما ستكون النتائج بعيدة عن نسبة الكمال التي يستند إليها السيد الوزير، بل ستتسم هذه النتائج بالكارثية، ومنه وجب تطبيق مسطرة المحاسبة والمعاقبة على القطاعات العمومية كلها دون انتقائية توحي بالانتقامية في حق قطاع التربية والتعليم والذي تسلط عليه أضواء النقد والتجريح والتبخيس من جهود العاملين فيه من صغار الموظفين ومستضعفيهم كلما أفحمت التقارير الدولية المسؤولين وكذبت زيف تصريحاتهم وفشل إصلاحاتهم المزعومة. استناد إلى قياس السيد الوزير وتطبيقا لمنهجيته في ربط المسؤولية بالمحاسبة، وتنزيلا لمقتضيات الدستور الجديد، وبناء على خطاب العرش ليوليوز 2017 "فإن برامج التنمية البشرية والترابية...، لا تشرفنا، وتبقى دون طموحنا وذلك راجع بالأساس، في الكثير من الميادين، إلى ضعف العمل المشترك، وغياب البعد الوطني والإستراتيجي، والتنافر بدل التناسق والالتقائية، والتبخيس والتماطل، بدل المبادرة والعمل الملموس"1، وهذا يدل على أن المعدل المحصل من نسبة النجاح في برامج التنمية البشرية والترابية لا يرقى طبعا إلى درجة الكمال (100 %)، وقياسا على منهجية السيد الوزير وجب معاقبة المسؤولين عن هذه البرامج من صاحب أعلى رتبة إلى أدناها، فلم غض السيد الوزير الطرف على قطاع التنمية البشرية والترابية؟ ومن المفارقات الواضحة أن السيد الوزير قد هرب إلى الأمام بمهاجمة قطاع التربية والتعليم، وغض طرفه وطوى كشحا عن الإدارة العمومية التي جاء تقييمها في الخطاب الملكي سلبيا حتى وصفها بالعبارة الآتية: "... ، وخصوصا الإدارة العمومية، التي تعاني من ضعف الحكامة ، ومن قلة المردودية ... إن من بين المشاكل التي تعيق تقدم المغرب، هو ضعف الإدارة العمومية، سواء من حيث الحكامة، أو مستوى النجاعة أو جودة الخدمات، التي تقدمها للمواطنين. وعلى سبيل المثال، فإن المراكز الجهوية للاستثمار تعد، باستثناء مركز أو اثنين، مشكلة وعائقا أمام عملية الاستثمار"3، ألم يكن حريا بالسيد الوزير أن ينطلق من تطبيق منهجيته على هذا القطاع الذي يعاني منه المواطنون يوميا ويئنون مما ينخره من فساد وغياب للشفافية والنزاهة واحترام كرامة وانسانية المواطنين، وبالمقابل يفيض بيروقراطية ومحسوبية وزبونية ورشوة وغيرها من أمراض غياب الضمير الإنساني والحس الوطني وقيمة الأمانة وسوء عاقبة الخيانة. هل يفعل السيد الوزير ما يفعله في حق أسرة التعليم ولسان حاله يردد منطق عنترة بن شداد "... وكنت أعتمد الضعيف الجبان فأضربه الضربة الهائلة يطير لها قلب الشجاع فأثني عليه فأقتله"4، غير أنني أشك أن يكون قصد الوزير تطبيق هذا المنطق، لأن المنطق السائد في بلادنا هو ضرب الضعيف من أجل التغطية عن القوي، وإلا فإن المنطق الأسلم هو أن يعمد السيد الوزير إلى القوي يعاقبه فيطير لذلك قلب الضعيف والأضعف فيرعوي ويرتد اعتبارا بما حصل لمن هو أقوى منه وأكثر تمكينا. أرجو أن يكون هذا الهجوم الذي شنه السيد الوزير على قطاع التربية والتعليم غير مقصود لذاته، وبدون نية مبيتة وأحكام مسبقة، وأن يكون مجرد محاولة صادقة لخدمة المنظومة التربوية في البلاد وتفعيلا أمينا لأحكام الدستور الجديد، وتغطية على جهات أخرى وحماية لها من الفضيحة، وأن لا تكون الهجمة استعداء لأسرة التعليم وتبخيسا لجهودها وتشكيكا في صدق نيتها وإخلاصها للوطن وأبنائه، وصبرها وتحملها لظروف العمل القاسية وتراجع الشروط الضرورية للعمل والقيام بالواجب، وبالرغم من كل ما تقدم فإننا لا ننفي وجود فئة قليلة تنتمي إلى أسرة التعليم ولكنها لا تخلص لهذا القطاع، وتبغيه العنت والهلاك أو أنها على الأقل لا يهمها كثيرا أمر التعليم بقدر ما تهمها مصالحها. 1- دستور المملكة المغربية 2011، الباب الأول، الفصل الأول. 2- خطاب العرش ليوليوز 2017. 3- خطاب العرش ليوليوز 2017. 4- الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني، ج8، ص: 251.