من تابع، اليوم، تغطية قنوات قطر الرياضية لحدث توقيع البرازيلي نيمار لفائدة فريق باري سان جرمان الفرنسي/ القطري سيدرك إلى أيّ حد أن ما حدث يتعدى بكثير حدود الكرة.. فكان ينقص فقط أن يعلن القطريون هذا اليوم عيدا وطنيا بعطلة مؤدى عنها. عيد انتصار سلطة المال على متعة الكرة، واندحار قيم الروح الرياضية، وخرق قواعد اللعب النظيف. أدرك الفتى البرازيلي أن الاستمرار مع الفريق الكاطالوني بات يشكل له عائقا على مستوى الآمال الشخصية؛ فمهما حقق الفريق الإسباني من إنجازات جماعية، فإن كل العوائد الفردية ستذهب حتما إلى ''حاكم'' برشلونة الفعلي (الأرجنتيني ميسي).. في حين سيبقى البرازيلي مجرد رقم ولاعب من بين باقي اللاعبين؛ وهو ما يجعل من الاستحالة تحقيق الأمجاد الفردية في الفريق الكاطالوني. دون أن ننسى طبعا أن البرازيلي هو بمثابة سفير للبرازيليين، ومحط آمالهم في صراع التفوق الكروي ضد الأرجنتينيين؛ وهو ما يجعل من الاستحالة تحقق نفس الطموحات البرازيلية والأرجنتينية القومية والفردية في فريق واحد. إدراك البرازيلي لحقيقة أن وجوده في كاطالونيا لن يكون مفيدا على الصعيد الفردي ورغبته في البحث عن مجد شخصي في مكان آخر قوبل بحاجز ضخم اسمه الشرط الجزائي: 222 مليون أورو. الواحد ينطح الآخر. الفرق التي يمكن أن يحقق فيها البرازيلي مطامحه لا تستطيع المغامرة بدفع هذه القيمة المرتفعة؛ ليس لأنها لا تملك المال، وإنما لأنها لا ترغب في تضخيم سعر انتقالات لاعبي الكرة، وربما لا تريد إفساد اللعبة بتضخيم القيمة السوقية للاعبين؛ وهو ما سيؤثر سلبا على الرياضة، ويلقي بها في متاهات المال فضلا عن ضرورة الالتزام بقواعد اللعب النظيف؛ ذلك سيفتح أبواب جهنم على الفرق الأوروبية، حيث يصبح بإمكان أي ملياردير، وهنا الخوف من المال الخليجي السائب، أن يشتري فريقا من الدرجة الثالثة الفرنسية مثلا، فيحوله بين عشية وضحاها إلى أكبر فريق في أوروبا ما قد يقلب تاريخ وحاضر الكرة الأوروبية ومستقبلها رأسا على عقب.. وحدهم القطريون، ملاك نادي باري سان جرمان، كانوا قادرين على تخليص البرازيلي من ورطته وفتح أبواب الإنجازات الشخصية أمامه؛ ذلك أن من استطاع حشد أشهر لاعبي العالم عبر التاريخ للترويج للملف القطري عبر سلطة المال والضغط على المصوتين لمنح دولة صغيرة بحجم مدينة في أوروبا وبدون ملاعب جاهزة ومجهولة في مجال الكرة شرف تنظيم تظاهرة بحجم كأس العالم وترك ملفات دول جاهزة لاحتضان المنافسة بملاعبها المشيدة الضخمة وبنياتها التحتية والفندقية، بإمكانه تدبير صفقة انتقال لاعب مهما كان ثمنه غاليا والأساليب... منح تنظيم كأس العالم شكل سابقة في التاريخ ومثل دليلا قاطعا على قدرة المال على توجيه الكرة والرياضة عموما. من قام بذلك كله يستطيع الإفلات من قواعد اللعب النظيف المفروضة من لدن الاتحاد الأوروبي عبر شراء الذمم بالأموال الطائلة، خاصة أن قضية البرازيلي بالنسبة إلى القطريين باتت قضية ذات أبعاد سياسية وجزءا من صراع ليّ الأذرع ضد باقي ''الأشقاء'' الخليجيين. القطريون وهم يعقدون صفقة بهذا الحجم تتعدى ما هو رياضي ليسوا بالغباء الذي نعتقد، فلا شك في أنهم سيحصلون على بعض العوائد القليلة لكن بثمن باهض جدا. ولا شك في أن البرازيلي قد وجد بقرة حلوبا. ولعله يفكر هو ومن معه من المستشارين بطريقة مختلفة خاصة، وأنه يدرك كما يدرك الجميع أن الأهداف التي بسببها خرج من كاطالونييا لن تتحقق مع فريق يأتي في الدرجة الثانية أوروبيا وفي دوري يحتل الرتبة السادسة أوروبيا ولا يملك فرصا حقيقة للظفر بدوري الأبطال. فهذا لا يغيب عن البرازيلي وجيشه من المستشارين؛ فلعله استغل تهافت القطريين وسخاءهم لدفع المال للتخلص من الشرط الجزائي الموجود في عقده مع الفريق الكاطالوني والذي يستحيل أن يدفعه أيّ فريق أوروبي آخر من الفرق، التي يمكن عمليا أن تتحقق فيها طموحات البرازيلي الفردية. بالنتيجة، لقد وفر القطريون للبرازيلي خروجا آمنا؛ لكن باري سان جيرمان لن يكون سوى محطة قصيرة للبرازيلي في انتظار الالتحاق بفريق أوروبي يحقق فيه الأمجاد وبثمن أقل، خاصة مع إصراره على أن لا يتضمن عقده مع القطريين أي شرط جزائي. * كاتب وأستاذ باحث [email protected]