القنبلة الموقوتة التي تهدد السلم الاجتماعي أسئلة كثيرة هي ومتشعبة تستحكم بذهنك وتسرح بك في تأملات لامتناهية وصدى حناجر الأطر العليا والمجازين وغيرهم من خريجي الجامعات والمعاهد تكتنف شارع محمد الخامس بالرباط قبالة مجلس النواب مطالبة بحقها في الشغل والعيش الكريم. أسئلة تدفعك لأن ترفع سقف تنبؤاتك عن مستقبل ومصير السلم الاجتماعي الهش بالمغرب الذي بدأ يترنح ويتخلل من قواعده وربما سيتهاوى وشيكا نتيجة تقاعس الدولة على حل مشكلة التشغيل وأيضا نتيجة سياستها النخبوية في التشغيل رغم علمها أن التشغيل هو حق مكفول للجميع سواء حملة الشواهد أو حملة السواعد.. وأيضا أسئلة تجرك للحديث مباشرة وبكل شفافية ووضوح عن أية آفاق مأمولة ننتظرها من تعليم يحبس أنفاسه الأخيرة وفي رمقه الأخير رغم توفير جميع الإمكانيات المادية الهائلة التي تم تخصيصها لإخراجه من موته السريري، فكيف يمكن الحديث عن تعليم لا يساهم إلا في تفريخ المزيد من المعطلين و المهمشين! وكيف يمكن الحديث عن تعليم طالما تغنى بأنه معمل لإنتاج العبقرية المغربية ليتبين فيما بعد أنه تعليم طبقي، سكولائي واجتراري، وربما تعليم دولة افريقية كموزابيق قد يكون أفضل حالا من تعليمنا المتعثر. هذه الأسئلة المستفزة وغيرها من الأسئلة المؤجلة مثلما تحتاج إلى أجوبة شافية تحتاج إلى تشخيص إكلينيكي جريء ونزيه لوضع اليد على مكمن الخلل فلربما نتدارك الانجرار إلى الانهيار الذي يحيط بهذا الوطن الغالي من جميع النواحي، ولعل أول الغيث قطرة ماء كما يقال فإن أول شيء يجب أن نعتمده في هذا التشخيص هو اعتماد دينامية المكاشفة بما تعنيه المكاشفة البحث عن المصداقية و لاشيء غير المصداقية كطريق لإزالة الغشاوة عن العيون وتبصير الناس على عيوبهم وأخطائهم، وعليه وحتى نكون منطقيين ألم تنتهج الدولة سياسة الضرب من وراء الظهر من خلال ضرب طرف بطرف آخر! ألم تستهدف السياسة التعليمية المتهورة نظام الإجازة القديم ذي الأربع سنوات و ماكان يحيط به من امتحانات قاسية وسلم تنقيط مجحف و استبدالها بنظام الإجازة الجديد ذي ثلاث سنوات مع تسهيل التسجيل بالماستر. هذا الماستر البعبع الذي اصطنعه وفبركه وأخرجه إلى الوجود رجال المخابرات في التعليم المغربي للإجهاز على حملة الإجازة القديمة ونفيهم من الوجود وطمسهم من خارطة التشغيل، ولاشك أن هذا النفي المنظم والدفن القانوني لنظام الإجازة القديم ومن خلاله أداء صلاة الجنازة على المجازين القدماء ونفض اليد عنهم والانبراء لتشغيل حملة شهادة الماستر وما فوقها رغم ما يحيط بهذه الشواهد من مصداقية بحثية وإضافات إبداعية عن طريق الإدماج ودون مباراة قد يشكل حالة من الاحتقان والضيم و الحكرة لدى المجازين الذين لن يقفوا مكتوفي الأيادي- أمام تحقيق مطالبهم المشروعة للاستفادة مثلهم مثل أي حامل لأية شهادة مهما كان نوعها وفصلها من حقه في الشغل والحياة الكريمة، وأيضا للاستفادة من نصيبه من اقتصاد الريع-جامدين بل أنهم سوف يصعدون نضالاتهم وذلك عبر خيارين، أولهما الانضمام إلى المجموعات النضالية للمعطلين والقيام بكل الأشكال النضالية السلمية لانتزاع مطالبهم المشروعة سواء الاعتصامات أمام الوزارات الوصية بالعاصمة الرباط أو العمالات والبلديات والجماعات الحضرية والمدنية على الصعيد الإقليمي و الجهوي، وثانيهما الانضمام إلى خيار حركة 20 فبراير التي أصبحت تستقطب المزيد من المعطلين لإيمانهم بأنها الحركة الشعبية التقدمية الوحيدة التي يمكنها أن ترفع من سقف مطالبهم الاجتماعية والاقتصادية و بالتالي أن تضع على المحك الحقيقي مجمل السياسات اللاديمقراطية و اللاشعبية التي انتهجتها الحكومات المتعاقبة على حكم مغرب ما بعد الاستقلال وخاصة في ميدان التشغيل والذي اتصف بالنخبوية والوصولية و الزبونية بحيث نجد استفادة واحتكار أسر بعينها للمناصب السامية للدولة بل وتوارثها المناصب وكأنها ملك لها، و أيضا من الأشياء المثيرة للاستغراب هو انتهاج الحكومات المتعاقبة لسياسة التسويف وذلك بتباكيها على أنها لاتمتلك العصا السحرية لفك معضلة التشغيل، لكن الملاحظ أنه في عز الأزمة المالية التي تعصف بالاقتصاد العالمي وتحسبا من جرثومة الثورة التي تطال العالم العربي والإسلامي والمغرب بالطبع ليس بمنأى عنها، هاهي حكومتنا الموقرة تجد الحل فجأة فتفتح أبواب التوظيف أمام أصحاب الشواهد العليا دون أن تعلم أنها ارتكبت تمييزا فضيعا ضد المجازين القدماء و معظم خريجي الجامعات والمعاهد، وهذا ما يضع علامة استفهام ألا وهو كيف استطاعت الحكومة في رمشة عين أن تؤمن الآلاف من الوظائف لأصحاب السلاليم الكبيرة والرواتب السمينة في حين أنها غير قادرة على تأمين وظائف متوسطة وصغيرة إلى ما هم دون هذه السلاليم، الشيء الذي يعيد إلى الاعتبار على أن الدولة تمتلك من الإمكانيات والموارد الهائلة ما يجعلها قادرة على فك معضلة التشغيل ولكن إصرارها على عدم تلبية المطالب المشروعة لجميع شرائح المجتمع المغربي في الشغل والكرامة لن يزيد إلا في تأجيج الوضع الاجتماعي الذي على مايبدو أنه في هذه الأيام على صفيح من نار.... [email protected]