للمرة الثانية على التوالي اختار عاهل البلاد أن يتطرق لأعطاب الإدارة العمومية، كانت البداية مع خطاب افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان خلال خطاب العرش يوم السبت، ورغم أن الخطاب الأخير تطرق إلى مجموعة من المواضيع إلا أني سأقتصر على معالجة موضوع الموظف العمومي على أمل الرجوع إلى باقي مواضيع الخطاب -التي لا تقل أهمية- في مناسبات لاحقة. من يتمعن في الخطابات الملكية وما تتطرق إليه من مواضيع ذات راهنية سيعرف أن الملك دق آخر مسمار في نعش الإدارة المغربية بدءا بالمسؤول وانتهاء بالموظف البسيط. - هل من العدل جعل الإدارة العمومية شماعة لتعليق جميع مشاكل الوطن والمواطنين - لماذا ينفر الناس من القطاع الخاص رغم مغرياته؟ للإجابة عن هذه التساؤلات سأستعير مقتطفات من الخطاب الملكي وأحاول التعليق عليها على أمل الخروج بخلاصة ترضي جميع الأطراف. - المقتطف الأول: (وتزداد هذه المفارقات حدة، بين القطاع الخاص، الذي يتميز بالنجاعة والتنافسية، بفضل نموذج التسيير، القائم على آليات المتابعة والمراقبة والتحفيز، وبين القطاع العام، وخصوصا الإدارة العمومية، التي تعاني من ضعف الحكامة، ومن قلة المردودية...). صحيح أن هناك مفارقات بين القطاعين الخاص والعام نظرا لخصوصية كل واحد منهما على حدة، فإن كان الأول يتحكم فيه الهاجس التجاري أي منطق الربح والخسارة، فإن الثاني يغلب عليه الطابع الإداري والاجتماعي الصرف، وبالتالي فلا مجال المقارنة بين قطاعات تخضع غالبا إن لم نقل يوميا للمتابعة والمراقبة باعتبارها قطاعات منتجة، وعلى النقيض من ذلك تماما نجد الموظف العمومي مستثنى من أهم شيء في مساره المهني ألا وهو التحفيز المادي والمعنوي وكذا التكوين المستمر، وغيرها من الأمور التي تدفع الموظفين إلى بذل مزيد من الجهد للارتقاء، مع استثناء بعض القطاعات العمومية المحظوظة وهي قليلة ومعدودة على رؤوس الأصابيع. - المقتطف الثاني: (فالقطاع الخاص يجلب أفضل الأطر المكونة في بلادنا والتي تساهم اليوم في تسيير أكبر الشركات الدولية بالمغرب، والمقاولات الصغرى والمتوسطة الوطنية...) أعتقد أنه لأمر مردود عندما نستثني بعض القطاعات العمومية أو شبه العمومية من التوفر على أحسن الكفاءات، وخاصة المرافق العامة ذات الصبغة التجارية والاقتصادية، التي تدر على خزينة الدولة أموالا طائلة تساعد على تقليص عجز الميزانية العامة للدولة، وسنكون اقترفنا جريمة نكراء في حق الكفاءات المغربية، خاصة إذا علمنا أن نسبة كبيرة من هذه الأطر تبدأ مشوارها في القطاع العام؛ لكن لسبب من الأسباب -التي تم ذكرها- هناك من يلجأ إلى القطاع الخاص "المهيكل" لإتمام مشواره المهني وأكل الثمار التي جناها من خلال تجربته في القطاع العام . - المقتطف الثالث: (أما الموظفون العموميون، فالعديد منهم لا يتوفرون على ما يكفي من الكفاءة، ولا على الطموح اللازم ، ولا تحركهم دائما روح المسؤولية...). عندما نقول أن موظفا ولج إلى الوظيفة العمومية لا يتوفر على كفاءة، وخاصة بعد تعديل قانون الوظيفة العمومية وقد مر من ثلاث مراحل على الأقل؛ بدءا بالانتقاء الأولي لملفات المترشحين، وبعدها اجتياز اختبار كتابي، وبعدها اجتياز اختبار شفهي، يليه تدريب لمدة معينة حسب بعض الاختصاصات؛ وبعد كل هذه المراحل نتحدث عن انعدام الكفاءة، فهذا أمر لا يستقيم لأن المراحل التي مر منها المترشح لولوج الوظيفة ليست باليسيرة ولا مفروشة بالورود. أما مسألة الطموح فتبقى مسألة نسبية، فكيف يمكن الحديث عنها إذا كان نفس الدبلوم في الوظيفة العمومية يمكن أن يجلب لصاحبه أضعاف ما سيتقاضاه إذا اختار القطاع الخاص المهيكل؛ بل هناك مهندسين في تخصصات علمية دقيقة اختاروا القطاع العام على مضض ويقومون بأعمال مكتبية بسيطة يمكن أن يقوم بها أعوان خدمة فقط دون مجهود فكري يذكر؛ فقط من أجل كسب لقمة عيش مضمونة قد لا يجدها كذلك في القطاع الخاص. في الختام تجدر الإشارة إلى أن النسيج الاقتصادي ببلادنا تغلب عليه المقاولات الصغرى جدا والصغيرة؛ والكل يعرف ظروف وخصوصيات اشتغال هاته المقاولات كانعدام التأمين و التغطية الصحية وعدم احترام توقيت العمل وعدم التعويض عن الساعات الإضافية، ناهيك عن أنه قطاع غير مهيكل في غالبيته، مستعد للتخلي عن الأجراء والمستخدمين في أية لحظة دون خوف من القانون. *إطار وباحث في القانون [email protected]