لا يمكن لأحد ضيوف درب مولاي الشريف أن ينكر تعرضه لإساءة المعاملة أو التعذيب، مهما كانت المدة التي قضاها هناك، لأن سوء المعاملة والتعذيب هو النهج والأسلوب المتبع بالدرب ومن قال غير ذلك فهو كاذب. لا يستطيع العقل السليم أن يتصور مقدار الألم الذي لحق بضيوف درب مولاي الشريف...كان الوضع فظيعا لدرجة أن مختلف ضيوفه حملوا ومازالوا يحملون علامات مرورهم من جحيمه، علاوة على الإصابات الجسدية، مازالوا يعانون رواسب عصبية وفزيولوجية، ومنها حالات وصلت لدرجة من الخطورة المقلقة جدا. تنكيل إهانات على الدوام تجعل المرء يتمنى الموت من جراء الآلام النفسية والروحية والجسدية. كان التعذيب بالدرب يرتكز على التعذيب النفسي والمعنوي والتعذيب المادي والجسدي..السب والشتم والانتهاكات والتجريد من الملابس مما يمكنه أن يضيع قيمة الإنسان أمام نفسه ويشعر كأن لا قيمة له بتاتا..الإهانات المفرطة التي كان من شأنها أن تهز كيانه وتزلزله..الضرب المبرح والكي و " التعليق أو التعلاق" بمختلف الأساليب وفي مختلف الوضعيات والصدمات الكهربائية والركل والرفس والصفع والسوط ( الكرافاش) والتجويع والحرمان من النوم والخنق " بالشيفون" النتن وبالمياه القذرة وبعض مواد النظافة (أحيانا الكريزيل). كان الجلادون يتفنون في التعذيب الجسدي، الضرب بواسطة العصبة..إذ اكتسب جلادو الدرب مهارات خاصة وقسوة فاقت الحدود في هذا المجال...لذا فلا عجب أن يفقد بعض ضيوف درب مولا ي الشريف حياتهم تحت التعذيب ومن جرائه، فسوء المعاملة والتعذيب هما طرفا معادلة الوسيلة المستعملة لانتزاع الاعترافات بالقوة أو لتزكية التهم المفبركة رغم أن التعذيب كان دائما يعتبر جريمة بموجب القانون. كان كل واحد منا ينتظر اللحظة الرهيبة، لحظة المناداة إلى التحقيق، وكان هذا عذابا في حد ذاته، فعذاب انتظار التعذيب عذاب رهيب يكون أحيانا أقسى من التعذيب في ذاته..يظل المرء يفكر في العذاب الذي ينتظره في التحقيق...يحاول أن يتخيل كيف ستتم الحصة المقبلة، وكيف ستمر أطوارها..كان الجميع يفكر في القائمين على درب مولاي الشريف آنذاك، والذين كانوا يفعلون ما بدا لهم دون وازع أو ضمير. وكم تساءلت هل فعلا كان القائمون على أمور البلاد على علم بما يجري ويدور بالدرب آنذاك وبين جدرانه؟ تساءل شغلني لمدة. في النهار والليل، كنت أسمع أصواتا...أصوات ألم تصرخ وتستغيث ..آدميون يئنون...لم أكن أراهم لكنني كنت أسمع أصواتهم واستطعت التعرف على بعضهم، فرغم الحراسة المشددة ورغم حرص " الحجاج" عن " البق ما يزقه" استطعنا إبداع وسائل للتواصل وتمرير المعلومات المختلفة بيننا. هكذا علمت باستشهاد عبد اللطيف زروال من جراء التعذيب، إذ لفظ أنفاسه الأخيرة في الطابق الخامس من مستشفى ابن سينا بالرباط عندما نقل مباشرة من حصة تعذيب..وهكذا ذاع صموده البطولي بالدرب بين كل ضيوفه رغم الحراسة المشددة..فتم تخصيص في المتوسط " سيمي " (حاج) لكل 4 أو 5 من ضيوف الدرب 24 ساعة على 24 ساعة.