على سفح جبل الجوفة، أحد تلال عمان السبعة، قبالة جبل القلعة في قلب العاصمة الأردنية، بني المدرج الروماني الأثري كأشهر المعالم التاريخية والسياحية التي تعج بها المملكة. ويعتبر هذا الصرح التاريخي أحد أكبر الآثار الرومانية المتبقية والمتواجدة في المدينة، إذ إن روعته وهندسته المعمارية وجمالية تصميمه تجعل الزائر يسافر إلى حضارات أخرى، وبالتحديد إلى الحقبة الإغريقية في الأردن، والتي تطلعه على التراث وتقدم العصر الروماني في الطابع الأردني. ويعود تاريخ إنشاء هذه التحفة المعمارية، التي تعد أكثر معالم عمان الخالدة إثارة في أيام فيلادلفيا (مدينة الحب)، الاسم الذي كانت تحمله عمان قديما، إلى القرن الثاني الميلادي، وبالتحديد بين عامي 138 و161 ميلادية، إبان عهد القيصر أنطونيوس بيوس، إذ تؤرخ الكتابات اليونانية المنقوشة على إحدى منصات الأعمدة الموجودة بالموقع إلى أن هذا المدرج بني تخليدا للزيارة التي قام بها الإمبراطور الروماني مادريانوس لعمان فيلادلفيا في القرن الثاني الميلادي (130 ميلادية). ويرى مهتمون أن وقوف الزائر أمام هذا الأثر القديم، الشاهد الحضاري التاريخي عبر العصور والقرون التي مضت ولازال واقفا إلى اليوم بمدرجاته وأعمدته الشامخة، يعود به إلى حقب تاريخية يستلهم منها الكثير، ويشعر من خلالها بقوة الأمم السابقة وعبقريتها وبراعتها في الهندسة والتقنيات المستخدمة في البناء. والمدرج الروماني، الذي بني على شكل نصف دائري من حجارة ضخمة، كانت تقام فيه العروض المسرحية والتمثيليات الدرامية، وحفلات غنائية وموسيقية، إضافة إلى العديد من المهرجانات والمناسبات الثقافية، وذلك للترفيه عن النفس وتسلية المواطنين وخلق أجواء الفرجة، إلى جانب نشر الوعي الثقافي. ولكونه أحد أكبر المسارح الرومانية في العالم، يمكن القول إن المسرح الروماني كان أيضا مسرحا شعبيا، بالنظر إلى آلاف المتفرجين الذين كان يستقطبهم من مختلف الطبقات والفئات. والذي ينظر إلى مدرجات المسرح الروماني يجدها مقسمة إلى أربعة وأربعين صفا، في ثلاث مجموعات رئيسية؛ وتشير الروايات إلى إن مجموعة الصفوف الأولى كانت تستعمل لعلية القوم وكبار الشخصيات (طبقة النبلاء والأشراف)، بينما كانت مجموعات الصفوف الثانية والثالثة مخصصة على التوالي للطبقة الوسطى المقربة من الفئة الحاكمة ثم الطبقة التي تمثل عامة الشعب. ويتكون المسرح، الذي يستوعب نحو ستة آلاف متفرج، من ثلاث طبقات، تفصل بين كل طبقة وأخرى عتبة تقارب في ارتفاعها المترين. كما أن في كل طبقة عددا من المداخل وأقبية كانت تؤدي إلى خارج المدرج، وهذا فقط يجعله أكبر من المسرح الجنوبي في محافظة جرش الأثرية، والذي يتسع إلى ما بين أربعة وخمسة آلاف متفرج. وأمام المنصة التي يعتليها الفنانون والممثلون يتواجد مكان معين في وسط المسرح يستطيع الجمهور المتفرجون من خلال نظام صوتي روماني قديم سماع الصوت الصادر منه بشكل واضح في كافة مدرجات المسرح. وخلف منصة المسرح نجد أيضا غرفا كان ولازال يستعملها الفنانون لتغيير ملابسهم والتحضير للظهور أمام الجمهور. وكان يبلغ علو بناية منصة المسرح الأصلية حوالي ثلاثة طوابق. وإلى جانب هذا المعلم التراثي النادر، تتواجد أمامه ساحة خارجية عادة ما تكون مليئة بالزوار (ساحة الفورم). وتبلغ مساحة كل من المدرج والساحة حوالي 7600 متر مربع. واليوم يجاور المدرج أو المسرح العريق، والذي يرمز إلى حضارة كانت قد سكنت المنطقة، متحفان صغيران، الأول هو متحف الحياة الشعبية، ويحكي تطور حياة سكان الأردن واستعمالهم للأدوات والأثاث على مدى القرن السابق، وخاصة حياة الريف والبادية، فيما المتحف الثاني المتمثل في الأزياء الشعبية فيتناول مواضيع أزياء المدن الأردنية التقليدية والحلي وأدوات التزيين التي تستعملها النساء. ويستقبل المدرج الروماني يوميا العشرات من الزوار والسائحين الأردنيين والأجانب الراغبين في التعرف على أحد أكبر المسارح في الأردن، والذي يعود إلى العهد الروماني. وإلى جانب هذا الصرح التاريخي، ومعه مسرح الأوديون الصغير بجانبه، تحتضن عمان معالم أثرية أخرى أبرزها متمركزة في منطقة وسط البلد، حيث جبل القلعة الذي يضم العديد من المظاهر الأثرية، كالقصر الأموي ومعبد هرقل، ثم سبيل الحوريات الذي يتوسط أسواق المدينة القديمة. وقديما، وحسب المعلومات التاريخية، كان المدرج الروماني الحجري الأثري يجاوره أول ديوان أميري لمؤسس الأردن الملك الراحل عبد الله الأول ابن الحسين، وأول مبنى لرئاسة وزراء أردنية، وقيادة الجيش، ثم أول مكتب للبريد في الأردن، إلى جانب أشهر فندق فخم (فندق فيلادلفيا)، والمدرسة العسبلية الشهيرة آنذاك. ومن فوق المدرج نجد قصر الأمير نايف بن عبد الله، والذي تحول حاليا إلى مركز ثقافي (بيت الشعر). وتشير بعض المراجع إلى عدة تسميات للمدرج، فإلى جانب "المسرح الروماني"، هناك أسماء أخرى ك"درج فرعون"، و"الملعب الروماني"، ثم "ملعب سليمان" الذي يقع على سفح جبل الجوفة. وتتميز عمان بكونها ليست فقط عاصمة للأردن بل أكثر من ذلك من المدن التي تركت فيها حضارات للبشرية آثارا وتراثا خالدا ظلت الحضارات المتعاقبة تنهل من معينه إلى وقتنا الحاضر. * و.م.ع