بعد أول مشاركة فعلية للمغرب في الدورة الأخيرة للاتحاد الإفريقي، احتضنت العاصمة الرباط لقاءً حضره خبراء في مجالي السلم والأمن، أمس الاثنين، لمناقشة موضوع التدبير الذاتي الاستراتيجي للاتحاد الإفريقي، كأول خطوة لضمان الاستقلالية في قراراته وتعاملاته مع الدول العظمى. وأجمع الباحثون في هذا المؤتمر السنوي الأول من نوعه، الذي نظمه مركز الأبحاث والدراسات التابع للمجمع الشريف للفوسفاط، على ضرورة تطبيق قرارات الاتحاد الإفريقي، خصوصاً تلك المتعلقة بضمان تمويل الاتحاد كي لا يبقى معولاً بنسبة أكثر من 70 في المائة على الدعم الخارجي. اللقاء الذي احتضنته العاصمة الرباط، افتتحه محمد دايان، وزير الدولة المكلف بشؤون الدفاع الوطني في جمهورية غينيا، الذي قال إن "التدبير الذاتي الاستراتيجي هو حاجة أساسية لشعوب القارة الإفريقية". وأشار إلى أن القارة الإفريقية تعتبر مستقبل العالم، لكنها تعاني من مشاكل بنيوية تحد من تقدمها وتعيق وصولها إلى تحقيق التدبير الذاتي الاستراتيجي. وأورد وزير الدفاع في جمهورية غينيا أن الوضعية في القارة الإفريقية تزداد تعقيداً بسبب الصراعات حول السلطة، التي ساهم فيها فاعلون من داخل القارة وخارجها، وقال إن "هذه الظاهرة مع الأسف لها تأثير كبير على الوضعية السياسية والاقتصادية والاجتماعية للقارة". وشدد على ضرورة ضمان الأمن الجماعي لدول القارة، وتحقيق توزيع عامل للثروات، ومكافحة الإرهاب، عبر البحث عن اعتماد شكل جديد من أشكال السيادة والتمثيل السياسي. وقال إن أي استراتيجية اقتصادية أو أمنية لن تكون ناجحة ما دام الدعم الخارجي يمثل أكثر من 70 في المائة من ميزانية الاتحاد الإفريقي، مؤكدا على ضرورة تطبيق قرار تخصيص ضريبة ب 0,2 في المائة على الصادرات لتمويل أنشطة الاتحاد الإفريقي. واعتبر دايان أن تطبيق القرارات الصادرة عن الاتحاد الإفريقي "يبقى التحدي الكبير لصالح القارة للوصول إلى التدبير الذاتي الاستراتيجي الذي من شأنه أن يساهم في تموقع جيد للاتحاد الإفريقي على المستوى الدولي". من جانبه، عبد الحق باسو، باحث بمركز الأبحاث والدراسات التابع للمجمع الشريف للفوسفاط، وفي تصريح لهسبريس حول رهانات هذا المؤتمر الأول من نوعه، قال إن "هدف تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية كان هو تحقيق الاستقلال لجميع الدول الإفريقية المستعمرة آنذاك. الآن وبعد الاستقلال، يجب المرور إلى المرحلة الثانية، وهي التدبير الذاتي الاستراتيجي؛ لأن الجميع يعرف أن إفريقيا هي مستقبل العالم من ناحية الثروات البحرية والمنجمية". ويرى باسو أنه يتوجب على إفريقيا العمل على أن تكون مستقلة بذاتها، وتعامل القوى العظمى معاملة الند للند، وألا تبقى تلك القارة التي يساعدها الآخرون، والتي لا تتوفر على استقلالية في تدبير أمورها. من جهته، قال الجنرال دوبركاد محمد زناكي أحمد إلي، الأمين العام الدائم لمجموعة الدول الخمسة في منطقة الساحل من موريتانيا، في تصريح لهسبريس، إن "قرار الاتحاد الإفريقي بجمع الأموال من الدول الإفريقية قرار حاسم من شأنه أن يحقق التدبير الذاتي الاستراتيجي". وأضاف أن "ضمان تمويل جيد ومتاح يوضع تحت تصرف الاتحاد الإفريقي سيضمن استقلالية القرار الاستراتيجي لإفريقيا، وهذا سيكون له تأثير حاسم على المنظمة ودول القارة". وأوضح قائلاً: "إذا كان تمويل الاتحاد الإفريقي في أغلبه يأتي من الخارج، فهذا يعني أنها مؤسسة خارجية ولن يكون هناك استقلال استراتيجي. المطلوب جعل إفريقيا تمول اجتماعاتها وأعمالها الأمنية والاقتصادية بأموال إفريقية، وهذا قرار صدر عن الاتحاد ويجب تطبيقه". جدير بالذكر أن الدورة 29 لقمة قادة ودول وحكومات الاتحاد الإفريقي، التي انعقدت بداية الشهر الجاري في أديس أبابا، ومثل فيها الأمير مولاي رشيد الملك محمد السادس، ناقشت الإصلاح الذي قدمه الرئيس الرواندي، بول كاغامي، خلال القمة 27 للاتحاد الإفريقي في يوليوز 2016، وتم تقديم خطوطه العريضة والمصادقة عليها في القمة المنعقدة بالعاصمة الإثيوبية أديس أبيبا في الثامن والعشرين من يناير 2017. ومن شأن هذا الإصلاح الذي يعتبر محوراً ذا أولوية من أجل هيكلة الاتحاد الإفريقي أن يمنح هذا الأخير بعضاً من السيادة المالية والسياسية، لاسيما وأن أزيد من 80 بالمائة من ميزانية الاتحاد رهينة بالمانحين الأجانب؛ وذلك عبر تطبيق مبدأ ضريبة ب0,2 بالمائة على بعض الواردات، سبق وصادق عليه قادة الدول الأفارقة خلال القمة 27 المجتمعة بعاصمة رواندا، كيغالي، في يوليوز 2016، وسميت ب"ضريبة كابيروكا"، على اسم الرئيس السابق للبنك الإفريقي للتنمية الذي كان وراء الاقتراح.