لاتزال المجاعة تحصد مزيدا من الأرواح في منطقة القرن الافريقي الذي تضربه موجة جفاف تهدد بحدوث كارثة إنسانية، في وقت يبدو فيه أن التحرك الدولي يبارح مكانه بسب العجز عن إيجاد التمويل. ويهدد الجفاف الذي يجتاح حالياً القرن الافريقي ويعد الأسوأ منذ ستين سنة، أزيد من 12 مليون شخص في الصومال، كما يهدد كينيا وإثيوبيا وجيبوتي والسودان وأوغندا. وأتت المجاعة على عشرات الآلاف حتى الآن، واضطرت 5ر1 مليون صومالي إلى النزوح داخل بلادهم و800 ألفا إلى بلدان مجاورة مهددة بعض مناطقها بالجوع بسبب الجفاف. وتحدثت الحكومة الأميركية عن وفاة 29 ألف طفل قضوا في الصومال بسبب الجوع خلال الأشهر الثلاثة الماضية، في وقت أعلنت فيه الأممالمتحدة ثلاث مناطق صومالية جديدة مناطق منكوبة بالكارثة التي تهدد 12 مليون إنسان في القرن الأفريقي ثلثهم في هذا البلد، وسط قلق أممي من ضعف تمويل عمليات الإغاثة. وتحتضن كينيا وحدها 400 ألف لاجئ صومالي في مخيم داداب، حيث حذرت الأممالمتحدة من ارتفاع مفزع في معدل وفيات الأطفال. وقالت المنظمة الأممية إن معدل وفيات الأطفال دون الخامسة ارتفع من 2ر1 لكل ألف إلى 8ر1، وهي أرقام لا تتعلق إلا بمن توفوا داخل المرافق الصحية، مما يعني أن هناك على الأرجح وفيات أخرى لم توثق. ورغم وجود مؤشرات على أن المجاعة قد تتجاوز في حجمها تلك التي ضربت إثيوبيا عام 1984 وقضى بسببها مليون شخص، فإن المجتمع الدولي يتأخر في التحرك خلافا للتضامن الدولي الذي سجل قبل نحو ثلاثين عاما، كما يوضحه إرجاءُ اجتماع في أديس أبابا كان يفترض أن يبحث الأزمة. وناشدت الأممالمتحدة المانحين توفير مبلغ 4ر1 مليار دولار إضافية لإنقاذ حياة نحو 12 مليون شخص في القرن الأفريقي يعانون من الجفاف، ولوقف الأزمة قبل أن تتحول إلى كارثة أكبر. وقد ارتفع حجم التمويل المطلوب توفره للقرن الافريقي، بحسب مكتب الأممالمتحدة للشؤون الإنسانية، الى 4ر2 مليار دولار تم تسلم مليار دولار منها. ومن المتوقع أن تتواصل الأزمة لمدة ثلاثة أو أربعة أشهر، ويمكن أن يرتفع عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية بنحو 25 في المائة الأمر الذي سيضع عبئا أكبر على منظمات الأممالمتحدة. وحمّلت الولاياتالمتحدة، التي تعهدت بدفع ربع المبلغ الذي طلبته الأممالمتحدة، حركة الشباب المجاهدين الصومالية مسؤولية تأزيم المجاعة، لكن التنظيم ينفي التهم ويقول إن إعلان المجاعة في الصومال تحركه دوافع سياسية. كما قررت الولاياتالمتحدة قبل أيام السماح بتمويل منظمات دولية أبدت استعدادا لتقديم مساعدات للمتضررين في مناطق تخضع لسيطرة الشباب، على الرغم من أن الجماعة مصنفة أميركيا في خانة الإرهاب. وحذرت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين أول أمس الثلاثاء من أن القتال الدائر حاليا في العاصمة الصومالية مقديشيو قد يعرقل وصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين لها في ظل مخاوف من انتشار المجاعة في جنوب البلاد. ومن جهته، اعتبر البنك الافريقي للتنمية أن المجاعة في القرن الافريقي تعود في جزء منها الى "فشل جماعي في انهاء الحرب في الصومال". وأبرز أن هذه المأساة "اندلعت بسبب أسوأ موجة جفاف منذ 60 عاما، الا أن مردها أيضا يعود الى فشلنا الجماعي في وضع حد للحرب الأهلية في الصومال". ويشهد جزء كبير من الصومال أعمال عنف بعيدا عن أي سيطرة حكومية منذ الانقلاب الذي أدى الى الاطاحة بالرئيس محمد سياد باري عام 1991. وفي إطار الجهود الدولية للتصدي للوضع، عقد تحالف منظمة التعاون الإسلامي للإغاثة اجتماعا في اسطنبول مؤخرا برئاسة الأمين العام للمنظمة أكمل الدين احسان أوغلي خصص لحشد الدعم المادي للمتضررين جراء المجاعة في الصومال ومواجهة الاوضاع المتفاقمة في العديد من الدول الأعضاء، وإطلاق حملة لمساعدة الصومال خلال شهر رمضان الأبرك. وأعلن البنك الدولي من جانبه اليوم الاثنين الماضي عن تقديم 500 مليون دولار لدول القرن الإفريقي لمواجهة موجة الجفاف التي تجتاح المنطقة، يضاف الى 12 مليون دولار خصصت لتقديم "مساعدة فورية للأكثر تضررا من الأزمة". كما عقد مؤخرا بروما الاجتماع الوزاري الطارئ حول القرن الافريقي الذي دعت اليه منظمة الاممالمتحدة للأغذية والزراعة (فاو) بطلب من فرنسا التي تتولى حالياً رئاسة مجموعة العشرين للقضاء على المجاعة. وأعلن المدير العام للفاو جاك ضيوف لدى افتتاح الاجتماع أن الجفاف في القرن الافريقي تسبب في "وضع كارثي يقتضي مساعدة دولية كثيفة وعاجلة"، مشدداً على ضرورة جمع 6ر1 مليار دولار خلال الاشهر الاثني عشر المقبلة و300 مليون دولار خلال الشهرين المقبلين لانقاذ الارواح". ولفت وزير الزراعة الفرنسي برونو لومير خلال الاجتماع المجتمع الدولي الى كونه فشل في ضمان الامن الغذائي داعيا الى اعادة الاستثمار في الزراعة العالمية. وقال محذراً "اذا لم نتخذ الاجراءات الضرورية فإن الجوع سيكون فضيحة القرن".