إن الحياة الخالية من القيود هي أروع حياة. تخيل أنك تقود سيارتك بسرعة 120 كلم/ الساعة، وأنك تخترق مئات من الأميال في الطريق السيار من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب. تخيل أنك اخترت أن تسافر لوحدك حتى تبتع، ولو لأيام معدودة، عن صخب الحياة اليومية وضجيجها الذي لا يطاق. سافر بين الفينة والأخرى، ولا تغرق حتى أذنيك في الروتين. غيّر أفكارك تماما كما تغير ملابسك. بشكل مستمر ومتواصل. ما زلت تقود سيارتك وخيالك جامح لا حدود له. الموسيقى خافتة. جاز، بلوز، بيانو... لا يهم. المهم هو أن ترتاح من الهموم، وتخرج من الروتين القاتل. إن أي شيء يحول بينك وبين قلبك يخلق ألماً لا يطاق. استفت قلبك واستمع لندائه الخفي والعميق. تريد أن تحيا بشكل مختلف وأن لا تحصر نفسك في القوالب الجاهزة والأفكار النمطية؟ هيا! ما المانع؟ قلت لي، ما زلت أذكر يا عزيزي، أنك سألت عشرين شخصا من أصدقائك وأقاربك وزملائك في العمل عن السعادة . ما معنى السعادة؟ ما معاييرها؟ ما هي وصفتها السحرية؟ وجاءت كثير من الإجابات على النحو الآتي : - السعادة هي أن تكون شديد الثراء - السعادة تتلخص في كلمة واحدة: المال - السعادة ثلاث كلمات لا رابع لهن: مال، نفوذ، علاقات - السعادة أن تكون لك زوجة حسناء، طفلان، منزل كبير ومريح وسيارة فارهة... قلت لي، يا عزيزي، إنك صدمت من هذه الإجابات التي تخندق السعادة في الماديات. الماديات فحسب. جن جنونك حين لم تجد شخصا واحدا أشار إلى ملمح غير مادي من ملامح السعادة: التوازن، التناغم بين العقل والبدن والنفس والروح، البساطة، الرضا عن النفس... قررت أن تكتب، يومذاك، نصا يجيب عن السؤال: ما معنى أن أكون سعيدا؟ "إن السعادة بالنسبة إليّ لا تحتاج إلى تعاريف فلسفية أو اضاءات وجودية أو تنقيبات أنطولوجية. سعادتي تتلخص في فكرة واحدة: التناغم مع منظومة القيم، التي أؤمن بها وأطبقها في حياتي اليومية. كيف لي أن أكون سعيدا؟ إن الاعتراف بمشاكلي هو أول خطوة نحو السعادة؛ لأني لا أستطيع أن أحل مشكلة دون أن أواجهها. يقول داروين، عالم الأحياء، إن التكيف والمرونة العاطفية هي سبب بقاء الإنسان وليس الذكاء أو القوة، وأنا أعتقد أن تكيفي مع كل الظروف ورؤيتي الدائمة للنصف الممتلئة من الكأس طريق أيضا نحو الرضا الشخصي والسعادة". إننا جميعاً نتطلع إلى السعادة ونبحث عنها؛ لكن السعادة ليست هدفاً في ذاتها . إنها نتاج عملك لما تحب، وتواصلك مع الآخرين بصدق وعمق. إن السعادة تكمن في أن تكون ذاتك، أن تصنع قراراتك بنفسك، أن تعمل ما تريد لأنك تريده، أن تعيش حياتك مستمتعاً بكل لحظة فيها. إنها تكمن في تحقيقك استقلاليتك عن الآخرين وسماحك للآخرين أن يستمتعوا بحرياتهم، أن تبحث عن الأجمل في نفسك وفي العالم من حولك... إن جزءا كبيرا من السعادة يكمن في راحة البال... وراحة البال هي معرفة أنك قمت بالعمل الذي كان ينبغي عليك القيام به، وأن تغفر لنفسك اللحظات التي لم تكن فيها بالقوة التي كنت تريد أن تكون عليها. والآن بعيدا عن هذه الأفكار النظرية والفلسفية حول السعادة (وقد تروقك أو لا تتفق معها)، خذ ورقة وقلما، وأنجز معي من فضلك التمرين التالي: أرسم دائرة كبيرة وتخيل في أعماقك قبل أن تملأها أنها تمثل الكون، بعبارة أخرى عالمك الداخلي. قسم الدائرة إلى أربعة أجزاء متساوية. هذه الأجزاء هي العقل والبدن والنفس والروح. تصور أن سعادتك هي توازن وتناغم هذه المركبات دون أن يطغى أحدها على الآخر. في الجزء المتعلق بالقلب سطر مجموعة من الإستراتيجيات القابلة للتنفيذ والتي تجعل عقلك سليما، خلاقا ومبدعا. القراءة مثلا، التأمل، حل المشاكل بدل الهروب منها، لعب الشطرنج... في الأجزاء الباقية المرتبطة بالبدن والنفس والروح طبق التمرين نفسه وابحث بكل حزم وجد عن احتياجاتك وأهدافك. اكتب هذه الأهداف بلغة واضحة وبأسلوبك الخاص. رتب بلوغ هذه الأهداف على ثلاثة مستويات زمنية: مدى قصير، متوسط وطويل. أكتب في الأجزاء الأربعة لدائرة السعادة (لنسمها هكذا) كل ما يتبادر إلى ذهنك من أفكار دون رقابة وبكل إبداع. استخرج نسخا عديدة من دائرة سعادتك وعلقها في أمكنتك الشخصية: فوق المكتب، في غرفة النوم، في المطبخ، في شرفة البيت، في مكان العمل... اقرأ دائرة سعادتك بصوت مرتفع مرات ومرات. أغمض عينيك. تنفس بعمق. تخيل أن كل كلمة وقيمة إيجابية من دائرة السعادة تنطبع في أعماقك وتدفع بك حتما نحو الثروة والرضا والنجاح. وأخيرا تذكر جيدا ما قلناه في بداية هذا المقال: إن الحياة الخالية من القيود هي أروع حياة. وتخلصك من القيود (على الأقل الذهنية) سيساعدك حتما على إنجاز وإنجاح تمرين دائرة السعادة. لماذا أنت موجود؟ ماذا تفعل هنا؟ ما هدفك في الحياة؟ وحدك تملك الإجابة عن هذه الأسئلة. شكرا لمطالعتك هذا النص. شكرا لاهتمامك وانتباهك. دمت في رعاية الله، وإلى اللقاء !