يصاب المرء بالدهشة والتقزز وهو يطل من أعلى حافة مولاي إدريس التي تحولت إلى مطرح عشوائي للنفايات ومقبرة للحيوانات النافقة، وإلى مكان للتخلص من مختلف المتلاشيات المنزلية والصناعية، فضلا عن استغلال أزبالها مرعى لمئات الأغنام، التي تعيش وسط هذا المكان، جنبا إلى جنب، مع عشرات الكلاب التي ما إن يقترب "الزائر" من المكان حتى تشرع في النباح وفي التكشير عن أنيابها. حافة مولاي إدريس، أو حفرة مولاي إدريس كما يسميها البعض، تكونت بفعل استغلالها، قبل 12 قرنا من الآن، مقلعا للتربة التي استعملت في بناء مدينة فاس من لدن مؤسسها المولى إدريس الثاني، حيث كانت تستخرج من هذا المكان المادة الأولية الضرورية لبناء المنازل وأسوار المدينة وقصورها القديمة، قبل أن تصبح الحفرة، مع الزحف العمراني، تتوسط أحياء منطقة بندباب التي تعد من بين الأحياء الأعلى كثافة سكانية بالعاصمة الروحية. قاذورات وروائح كريهة وحشرات لم يعد الخوف من انهيار حافة مولاي إدريس لوحده يؤرق السكان الذين تطل العمارات التي يقطنوها على هذه الحافة شديدة الانحدار وذات العمق السحيق؛ بل أصبح يقض مضجعهم تحول الحافة وقعرها إلى مطرح عشوائي لمختلف النفايات التي تنفث مختلف السموم وتفرخ شتى أنواع الحشرات والقوارض، وحتى الأفاعي التي تهدد، في كل لحظة، سلامة الناس. "المواطنون يعانون بشكل حقيقي من هذا الوضع، صحيح أن المواطن هو من يرمي الأزبال هنا؛ لكن على المسؤولين التدخل لإصلاح الوضع"، يقول رضوان العلوي، صاحب محل تجاري يطل على حافة مولاي إدريس، الذي ذكر لهسبريس أن ما يزيد الوضع حدة اشتعال النار بدون انقطاع، خلال المدة الأخيرة، في الأزبال المتجمعة بالمكان؛ وهو ما يعمق، بحسبه، من معاناة الساكنة المجاورة بسبب رائحة الدخان الكريهة، خاصة بأحياء ظهر الخميس وكريان الحجوي ولابيطا وباقي أحياء منطقة بندباب. المتحدث ذاته ذكر أن شركة النظافة تقوم بواجبها بجمع الأزبال من الأحياء بمنطقة بندباب؛ لكن النفايات تتكاثر بشكل متواصل بحافة مولاي إدريس، موردا أن الوقاية المدينة تبادر إلى إخماد النيران التي تندلع في النفايات والمتلاشيات التي يتم التخلص منها في حفرة الحافة، لكن سرعان ما تعاود النيران الاندلاع فيها من جديد؛ وهو ما يحول حياة الناس، يؤكد رضوان، إلى جحيم مع الدخان والروائح الكريهة التي تخنق الأنفاس. عادل، شاب من حي ظهر الخميس، ذكر للجريدة أن الدخان، الذي يتسرب إلى المنازل، تواجهه الساكنة بإغلاق النوافذ والأبواب باستمرار، موردا أن حشرات البعوض و"اشنيولة" تهاجمهم بشكل مستمر وتضاعف من معاناتهم، مضيفا بالقول: "يجب على المسؤولين أن ينظروا إلى حالنا، لأننا متضررون من هذا الوضع، نحن لم نتقدم بشكاية لهم، لأن كل شيء ظاهر للعيان". بدورهم، عبّر بعض الأطفال للجريدة عن سخطهم من وجود هذه الحفرة التي تغطيها الأزبال من كل صوب وحدب، حيث بادر أحدهم بالذكر: "نحس بالاختناق، ونعاني من الأمراض، خاصة الضيقة، بسبب الدخان والروائح النتنة التي تنبعث من أزبال الحافة"، قبل أن يقاطعه طفل آخر قائلا: "دائما نعثر على الأفاعي والعقارب قرب منازلنا مصدرها الحافة، يجب تنظيف المنطقة، نحن كأطفال لا يروقنا الوضع". من جانبه، أكد رشيد الراج، أحد سكان حي لابيطا، أن المسؤولين شرعوا في بناء سور محيط بالحافة قبل أن يتوقفوا عن إتمامه، مضيفا للجريدة بالذكر: "ليست هناك نظافة، والكثير من الحشرات تغزو المكان.. نطالب برفع الضرر عنا.. الكثير من الناس هنا يعانون من أمراض الحساسية"؛ وهو الأمر الذي أكده جاره جلول البريكي، الذي أورد أن المواشي، التي تعتمد على الرعي في حفرة مولاي إدريس، أصبحت تسكن مع الناس، مضيفا: "هذا منكر.. المسؤولون لا يقومون بدورهم". حسين بن الطاهر، أحد سكان حي كريان الحجوي، أوضح أنه "خلال الشهرين الأخيرين عانى الناس من مشكل إحراق العجلات التي يحول دخانها الأسود الكثيف الحي إلى ظلام، والملابس والأغطية في المنازل إلى سواد، كما يمتلئ جوف الإنسان معها بالدخان"، موردا أن حافة مولاي إدريس أصبحت مقبرة لمختلف البهائم النافقة التي يتم كذلك إحراقها بعين المكان، مضيفا بالقول: "تلك الأغنام التي ترعى في الحافة تتغذى على القاذروات.. وكلنا أمرنا لله.. في رمضان عانينا كثيرا، ليس لنا حل، وليس لنا مكان نذهب إليه". الجماعة تبحث عن حل هسبريس نقلت معاناة الساكنة إلى مجلس الجماعة الحضرية لفاس، في شخص محمد الحارثي، نائب عمدة المدينة، الذي أوضح في حديثه مع الجريدة أن مجلس الجماعة قام، خلال انعقاد دورته الأخيرة، بالموافقة على نزع ملكية حفرة مولاي إدريس لأجل المصلحة العامة لفائدة جماعة فاس، مشيرا إلى أن ملكية هذا العقار تعود في الأصل إلى مالكين خواص. وأشار المنتخب ذاته، في تصريح لهسبريس، أن هناك تصورا مبدئيا لدى مجلس جماعة فاس يرتكز على تحويل هذا الفضاء، الذي يمتد على مساحة مهمة، إلى حدائق وملاعب للقرب، مؤكدا أن هذا المقترح يبقى أوليا، "عندما يصبح الوعاء العقاري في ملك الجماعة، آنذاك سنفكر فيما يجب فعله بالتحديد"، يوضح نائب عمدة فاس. يذكر أن حافة مولاي إدريس تحيط بها من جهتها العليا أحياء سكنية، أغلب عماراتها بنيت بشكل عشوائي، ضمنها منازل مهددة بالانهيار، فيما توجد في جهتها المطلة على حي عين قادوس مكتبة المختار السوسي العمومية وسوق النخيل للملابس المستعملة، الأكبر من نوعه بمدينة فاس، فضلا عن مقر الملحقة الإدارية بندباب ومدرسة خالد بن الوليد الابتدائية، وكلها تعاني الأمرين مع الروائح الكريهة المنبعثة من حفرة مولاي إدريس التي تزكم أنوف زبنائها ومرتفقيها.