وأخيرا، يدرك بعض كبار مسؤولينا أن القانون فوق الجميع.. وأن أمامهم احتمال محاكمة فعلية أمام القضاء المغربي والقضاء الجنائي الدولي.. - القضاء المغربي قد يكون أسبق، بعد "الغضبة الملكية"، بسبب تأخير إنجاز مشاريع تنموية في الحسيمة.. والغضبة الملكية تؤشر لتفعيل "ربط المسؤولية بالمحاسبة"، وفق ما ينص عليه الدستور المغربي.. وهذا يعني أن وزراء قد يتم جرهم إلى قفص الاتهام، بتهمة التقصير في واجباتهم.. والحديث عن وزراء مقصرين، قد يشمل بعضا من أعضاء الحكومة "البنكيرانية" السابقة، والحكومة "العثمانية" الحالية.. وفي هذه الحالة تكون الحكومة السابقة مسؤولة رئيسية، نظرا لكون التدشين الملكي لتلك المشاريع قد تم في عهدها، عام 2015.. وقد يكون من متهميها رئيس الحكومة السابقة، اعتبارا لكونه المسؤول الأول.. وسواء في هذه الحالة أو تلك، فإن محاسبة قضائية، داخلية أو دولية، أو هما معا، ستقرص آذان كبار المسؤولين - عندنا - الذين تعودوا على تلقي رواتب عالية، وامتيازات، مقابل عبث ولامبالاة.. والتهمة في الداخل، كما في الخارج، تقود إلى السجن، في حالة إدانة.. والقضاء الدولي معني بالحسيمة، هو الآخر، وتحديدا بالمظاهرات الاحتجاجية التي انتقلت من الحسيمة إلى مختلف جهات البلد.. وفي هذا السياق، يبدو أن "جهاتنا المختصة" تشتغل في اتجاه الدفع بالاحتجاجات الشعبية، وخاصة في الريف، من مظاهرات سلمية إلى مظاهرات عنيفة.. المظاهرات السلمية معترف بها ومكفولة في كل المواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب.. ولا حق للدولة المغربية أن تفض المظاهرات ما دامت سلمية.. ولكن جهات مسؤولة في الدولة تريد، على ما يبدو، الدفع بالسلمية إلى العنف، وإلصاق هذا العنف بالمتظاهرين.. وفي حالة ثبوت العنف من جانب المتظاهرين، يصبح من حق الدولة أن تتدخل لفض المظاهرات.. وربما مهدت لهذا السيناريو بعض الجهات باعتقال كل العناصر القيادية التي كانت تؤطر المتظاهرين (في الحسيمة)، لتجد نفسها في مواجهة شبان غير مؤطرين، أمام قوات نظامية مسلحة لم تتردد في تعنيف المتظاهرين، بالضرب والصفع والركل والهراوات وحتى بالسحل، والقنابل الغازية، متسببة في جرحى وقتيل.. - وتساؤل واسع الانتشار هذه الأيام: أين اختفى القتيل الشاب صلاح الدين الحدادي، وقد كان في مظاهرة سلمية ببني بوعياش؟ داسته سيارة الشرطة في مظاهرة العيد الصغير.. وصورته عدسات المتظاهرين.. وتم نشرها بالمواقع الاجتماعية.. ولم يظهر له أثر.. أين اختفى؟ أو من أخفاه؟ كيف يعقل أن تقتله سيارة شرطة، ثم تختفي جثته؟ هذا لغز لم تكشف عنه الجهات المختصة التي قامت بتعنيف المتظاهرين.. عنف بعض المتظاهرين لم يظهر إلا بعد اعتقال كل قيادات المسيرات السلمية.. عندها انطلقت القوات المسلحة باستفزاز وضرب المتظاهرين، فتحولت المظاهرات إلى ضرب متبادل، فإلى عنف رسمي أكبر وأقوى وأشد.. وهذه "السلمية التي تحولت إلى عنف"، تضاف إلى عناصر أخرى في الملف الذي يتوقع أن يصل إلى العدالة الجنائية الدولية.. إن القانون الدولي يمنع تعنيف التظاهر السلمي باعتباره من حقوق الإنسان، وأيضا من مظاهر الممارسة السياسية الصحيحة.. والآن، وقد حصل العنف الرسمي، وتلاه عنف من قبل بعض المتظاهرين، هذا لا يعفي الدولة من مسؤولية تجاوز القانون الدولي.. والدليل مثبت في شهادات، وأخبار وبرامج فضائيات دولية، وفي تسجيلات منابر وطنية وعالمية، حيث أن صحافيين حضروا إلى الحسيمة، من مختلف بقاع العالم، ونقلوا ما حصل من مظاهرات سلمية عندما كانت لها قيادة، وعلى رأسها ناصر الزفزافي الذي كان يدعو المتظاهرين إلى السلمية، وتجنب الفتنة، وإلى حماية الممتلكات، وإلى كون المظاهرات غير انفصالية، وأن لها فقط مطالب اجتماعية مشروعة، منها التعليم والصحة والتشغيل.. هذه المطالب موثقة، وطنيا ودوليا، بالصوت والصورة.. والمسيرات المنظمة السلمية أيضا موثقة.. وهذا التوثيق يشكل حاجزا أمام كل من يحاول تغطية السلمية بعنف متظاهرين.. إن جهاتنا المسؤولة تحرج بلدنا، وتضعها في موقف قانوني، قد تصل بعض مظاهره إلى المحكمة الجنائية الدولية.. وليس الإعلام الدولي وحده وثق ما حصل، كانت في الحسيمة أيضا وفود من فرنسا وهولاندا وغيرهما، اطلعت في عين المكان على ما حصل من سلمية المظاهرات، عندما كانت للمظهرات قيادة تؤطرها وتذكرها بالسلمية.. وشوهدت في سماء المنطقة، عدة مرات، طائرة عملاقة قيل إنها أمريكية.. فماذا كانت تفعل هذه الطائرة؟ - المواثيق الدولية تضع على المغرب مسؤوليات، من واجبه أن يلتزم بها.. لكن بعض المسؤولين في بلدنا، ورطوا الدولة المغربية في مشكل "المظاهرات السلمية التي حولوها إلى لاسلمية".. هذه ورطة كان من الممكن عدم الوقوع فيها، لو فكروا مليا، واحترموا حقوق الإنسان.. بيد أن في مسؤولينا من لا زالوا يحسبون أنه مسموح لهم بالتفرد بالناس، وانتهاك حقوقهم، أمام أقمار صناعية تصورنا بالليل والنهار.. فما العمل؟ مشكلة المطالب الاجتماعية قد تطورت إلى مشكلة مع القانون الدولي.. ومن منظور القانون الدولي، يعتبر قمع المظاهرات جريمة دولية تستوجب المحاكمة.. ولا تحول أية حصانة، ضد أية شخصية كانت في درجات المسؤولة، دون محاكمتها أمام القضاء الدولي.. وهذا ينطبق على الموظفين والبرلمانيين والوزراء ورئيس الحكومة وغيرهم... وكل المتهمين يقفون أمام المحكمة الجنائية دون أن تكون صفتهم (رئيس الحكومة مثلا) سبباً لتخفيف العقوبة.. وأي موظف حكومي معني بالقانون الدولي، سواء أعطى الأمر أو نفذ الأمر.. كلاهما متهمان أمام القضاء الجنائي الدولي.. ويبقى سؤال: هل نفس الملف يمكن عرضه على محكمتين: مغربية ودولية؟ وسؤال آخر: هل الأمر يتعلق بملف واحد، هو ملف الحسيمة؟ أم في الحسيمة ملفان: المشروع التنموي؟ والاعتداء على مظاهرات سلمية؟ ومهما يكن، فإن عيون القانون الدولي تتربص بمسؤولين مغاربة.. كانوا متعجرفين على حقوق اجتماعية مشروعة، وأوصلتهم اللامبالاة والاندفاع إلى طريق السجن، هنا أو هناك.. أو هما معا.. - القانون الدولي فوق الحميع! [email protected]