أيتها المواطنات، أيها المواطنون: يا فخامة الشعب، يا جلالة الشعب، لولاك لما كنت، منك أستقي قوتي، منك أستقي هيبتي، منك أستقي شرعيتي ووجودي، أيتها المواطنات، أيها المواطنون: إِن من حقكم أن تسألوني وأن تسائلوني عن صمتي عن الأحداث الأليمة والخطيرة التي تعرفها مناطق الريف وإقليم الحسيمة بالأخص. إِن من حقكم علي، بل أكثر من ذلك، إن من واجبكم أن تحاسبوني عن سكوتي، وذلك بمقتضي الدستور الذي يقيد المسؤولية بالمحاسبة، وبمقتضى البيعة التي تربطنا.. إِلا أنكم تجنبتم ذلك، لا خوفا ولا رهبة ولا هلعا مني، ولكن لياقة وعفة واحتراما منكم. ولكن أسجل أنكم أشرتم إلي ذلك بكيفية حضارية وبكياسة ورزانة وحنكة فاقت كل تصور. لقد عبرتم عن ذلك من خلال حراككم السلمي المتمدن والعقلاني، ومن خلال شعاراتكم المعبرة والهادفة، والأهم من ذلك من خلال مطالبكم الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية العادلة . وهكذا كنتم على خلق عظيم. أيتها المواطنات، أيها المواطنون: لقد أخطأت الدولة في حقكم. لقد أخطأ والدي في حقكم. وأعترف اليوم أمامكم بأنني أخطأت في حقكم. إننا طمسنا تاريخكم وكفنا أبطالكم وأردنا طي صفحة ماض دام وأليم بدون قراءته وبدون اعتذار عما ارتكب من جرائم في حق مواطنين عزل وبدون استخلاص العبر . كما أننا لم نعط لمشاكلكم في ميادين التعليم والصحة والشغل والاقتصاد والثقافة والعيش الكريم حقها، ولم نحاسب المسؤولين على عدم القيام بمسؤولياتهم والمفسدين الذين سعوا في هذه الأقاليم فسادا وجورا.. فساد نخر جميع دواليب الدولة برا وبحرا . يا سكان الريف الأماجد.. لقد حان الوقت لمحاسبة أنفسنا. لقد دقت ساعة الحقيقة لجعل حد للأخطاء والتجاوزات والانتهاكات التي ترتكب باسمي وباسم القانون الذي سخره بعض المسؤولين واللوبيات لتحقيق مآربهم ومصالحهم البعيدة عن المصلحة العامة. لقد أوحوا إلي بأن هذا الحراك من فعلة شرذمة من السفهاء المرتزقة في خدمة أجندات أجنبية. جمع من الخارجين على القانون يسعون إلى انفصال الريف عن الوطن الأم، واقتياد البلاد إلي الفتنة والتفكك والإطاحة بالملكية؛ ولذا وجب الحزم والضرب بيد من حديد حتى تبقى كلمتي وكلمة المخزن هي العليا وكلمتكم هي السفلى . لقد أطعموني كذبا وألبسوا الحق بالباطل وكتموا الحق وهم يعلمون. لقد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ وبزغ الحق وتجلى لي أنني أمام مؤامرة يريدون من خلالها رميي ورميكم إلى التهلكة، وذلك من أجل صيانة مصالحهم الضيقة، ضاربين عرض الحائط مصلحة البلاد والعباد. أيتها المواطنات الريفيات، أيها المواطنون الريفيون: "قيل لعمر بن عبد العزيز: يا أمير المؤمنين إن الناس قد تمردت وساءت أخلاقها ولا يقومها إلا السوط؛ فقال: كذبتم، يقومها العدل والحق". وعندما يتخلى الحاكم عن العدل يتخلى الشعب عن الطاعة. إن غياب العدل والحق هو الذي دفع أمي فتيحة وربان الداخلة إلى الانتحار حرقا وتسبب في "طحن" واستشهاد محسن فكري. إن غياب العدل والحق هو الذي أخرج مات آلاف من المواطنات والمواطنين إلى الشارع وفي جميع ربوع المملكة، وحول حراك الريف إلى حراك شعب كاد يكون بكامله . إن غياب العدل والحق هو الذي أنتج "الحكرة"، وما أدراك ما "الحكرة".. "الحكرة" التي تحول الإنسان إلى نكرة، وتسلخه من إنسانيته وكرامته وتهدر حقوقه. أيها الشعب العظيم: لقد قررت أن أوقف جميع المتابعات في حق كل الذين ألقي عليهم القبض في هذه الاحتجاجات والمسيرات السلمية والمشروعة، ولن أعفو عنهم لأنهم لم يرتكبوا أي جنحة أو جريمة. كان بالإمكان أن تترك للقضاء الكلمة الفصل، ولكني أعرف، مثلك، أن المحاكمات لن تكون عادلة. كما أن الذين أخطؤوا أو مارسوا التعذيب والشطط في استعمال السلطة وأهانوا المواطنين وهددوهم بالاغتصاب كما باح به قائد بو افراح لن تشفع لهم لا مناصبهم ولا مراكزهم ولا نصيبهم ولا حسبهم ولا أموالهم ولا قربهم مني. القانون سيصبح عندي مثل الموت لا يستثني أحدا. وأقول لكم ما قاله أبا بكر عندما ولي الخلافة: "أيها الناس إني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله، والقوى فيكم ضعيف حتى أخذ الحق منه إن شاء الله...". أيها الشعب الأبي: إن كرامتك من كرامتي، وأنا مجرد موظف لديك، مؤتمن على مصالحك، وفقا لما رأيته صالحا ونافعا . لقد أصدرت أوامري لكل الوزراء والمسؤولين والموظفين بأنه يمنع على كل واحد منهم ممارسة التجارة حفاظا على مبدأ عدم تنازع المصالح لرعاية المصلحة العامة، كما أن هذا المبدأ سأكون أول من يطبقه على نفسه، لأنه لا يمكن للمسؤول أن يكون موظفا عند الشعب وتاجرا لنفسه في الوقت نفسه. وأخبركم أنني أصدرت أوامري لوزير المالية بمراجعة ميزانيتي وتخفيضها إلى النصف. إننا نريد مجتمعا للتنمية والحقوق والحريات والكرامة والحرية والمساواة. عاش المغرب، عاش الشعب.