يعد الدكتور محمد الشامي قطبا من الأقطاب البارزة للحركة الأمازيغية فهو من مؤسسيها ومن الموقعين على ميثاقها ومن المؤلفين الأوائل للكتاب المدرسي الأمازيغي وصاحب دكتوراه الدولة في اللغة المعيارية. ومحمد الشامي ايضا رئيس إحدى أكبر التنسيقيات الجمعوية امازيغية ويتعلق الامر بكنفدرالية الجمعيات الامازيغية بشمال المغرب. وعضو سابق بالمجلس الاداري للمعهد الملكي للثقافة امازيغية الآن تم إقرار دستور جديد يعترف بالأمازيغية لغة رسمية. ما هو تعليقكم؟ تعليقي هو أن الأمازيغية حق مشروع والمثل يقول: ما ضاع حق وراءه طالب. وترسيم الأمازيغية ما هو إلا بداية لنهضة أمازيغية تلوح في الآفاق. نتمنى أن يكون المغرب رائدا في هذه التجربة الديمقراطية التي أصبحت تداعياتها تظهر بجلاء في دول الحراك الشبابي المغاربي المنتفض. بعض الجمعيات الأمازيغية دعت إلى مقاطعة الاستفتاء. ما هو السبب في نظركم ؟ طبيعي جدا أن تطمح بعض الجمعيات بما فيها الحركة الطلابية والحركة الشبابية إلى ما هو أفضل بناء على ما تطرحه من تغيير طموح مرتفع السقف في إطار الحراك الذي تشهده باقي الحركات الشبابية للشعوب المجاورة. ولهذه المواقف فوائد جمة؛ قد تساعد على الدمقرطة ودعم حرية الرأي وقد تقوم بتشحيم محرك الإصلاحات المنتظرة للرفع من سرعة الوتيرة وهو احتجاج أيضا على بعض اللوبيات السياسية التي تعبث بالمطالب الأمازيغية وتسعى دائما لعرقلتها ولو بالصيغ الملتوية الواردة في الدستور الأخير. منذ خطاب أجدير وما تلاه من مكاسب للأمازيغية كانت الانطلاقة، الآن هناك واقع جديد، مجلس وطني للغات والثقافة المغربية واعتراف بتعابير لغوية جديدة، باعتباركم من اللسانيين كيف تتصور المغرب لغويا بعد إقرار الدستور الجديد ؟ إن تجربة إدراج الأمازيغية بظهير ملكي وما حققته هذه التجربة من مكاسب إيجابية في ظرف وجيز كانت كافية للإعلان عن حمايتها في الدستور الجديد. لذا فسؤالك عن تصوري للمغرب اللغوي بعد الدسترة لا يمكن أن يكون إلا مزدهرا يتسع لكافة مكوناته اللغوية والثقافية وخاصة اللغة الأمازيغية التي هي محمية دستوريا بقانون تنظيمي يحدد مراحل تفعيل ترسيمها في كافة المجالات. وفوق هذا وذاك سيتم إحداث المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية الذي أشرت إليه والذي سيكون من صلاحياته تدبير التعدد اللغوي والثقافي في المغرب والسهر على انسجام السياسة اللغوية والثقافية الوطنية، حيث أكد الفصل الخامس من الدستور على أن مهمة المجلس على وجه الخصوص هو: - حماية وتنمية اللغتين العربية والأمازيغية بما فيها حماية اللهجات المتعلقة بهما. وتجدر الإشارة إلى أن خلق معهد الدراسات الديالكتولوجيا تعنى باللهجات من شأنه أن يطور البحث العلمي المتعلق باللهجات في المغرب ويعطي لنا إيضاحات علمية عما يدعى باللغة الوسطى أو المفهومية التي يتحدث عنها بعض الدارسين ويكتب بها ثلة من الكتاب و المبدعين. ولا غرو أن معهدا من هذا القبيل سيكون قبلة للغات واللهجات الإفريقية التي لا تجد ملاذا لها اليوم إلا في جامعات ومعاهد العواصمالغربية. - وحماية مختلف التعبيرات الثقافية المغربية وخاصة التراث الصحراوي الحساني والتراث الجبلي بالشمال والملحون بأبعاده الوطنية والإقليمية والراي بامتداده المغاربي والتراث الأندلوسي- الغرناطي الغني بالتوشيح والأزجال والتراث العبري اليهودي الضارب في القدم والتراث الإفريقي الكناوي وغيره من أنواع التراث الذي هو نتيجة التمفصل بين شمال إفريقيا وجنوبها. - وهذا المجلس بطبيعة الحال يضم بحكم الدستور كل المؤسسات المعنية بالمجالات اللسانية والثقافية كالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وأكاديمية اللغة العربية التي من المفروض أن تنطلق هي أيضا ومعهد الدراسات الإفريقية وغيرها من المعاهد التي تعنى بالتراث الثقافي واللغوي التي يمكن أن تضاف إلى الساحة اللغوية المغربية كمعهد الدراسات الديالكتولوجيا الذي اقترحته سابقا . - والمجلس أيضا مؤطر بقانون تنظيمي يحدد تركيبته وصلاحياته ومسيرته اللغوية والثقافية. يمكن القول بدون تردد أن ما يخوله الدستور الجديد للوضع اللغوي والثقافي بالمغرب أمر غير مسبوق في محيطه الجغرافي وهو بهذا يؤسس لعهد جديد يحدث فعلا قطيعة تامة مع الإيديولوجية "الوطنية" السابقة. تتكلم بعض الجهات المناوئة للأمازيغية عن غياب لغة أمازيغية معيارية بالتالي لا يمكن ترسيم الأمازيغية ؟ فالمعيرة هو انتقال من مستوى التواصل الشفوي الذي كانت عليه اللغة الأمازيغية إلى مستوى التواصل المكتوب وهذا الانتقال المعياري الموحد شرعت فيه الأمازيغية منذ حوالي عقد من الزمان ولا يبنى مرة واحدة وبعصا سحرية تقول له كن فيكون، بل يبنى بالتدرج وهو الموقف الصائب المتخذ في حقها. وبداية المعيار هو التقعيد والتقنين وتوحيد الاستعمالات التركيبية المكونة لها. شأنها في ذلك شأن كل اللغات التراثية التي وحدت تنوعها.واللغة الأمازيغية واحدة من تلك اللغات التي استوجبت المعيار لضرورة الانتقال إلى المكتوب وأيضا لضرورة تعليمية وإبداعية. ولا يمكن أن تتخلص من مستواها الشفوي بسهولة فهو ملازم لها إلى الأبد ويتجلى في الواقع اللهجي الذي يؤدي دورا هاما في التداول اليومي والتواصل الإعلامي شانها شان كل لغات العالم التي تعيش بمستويين؛ الشفوي والمكتوب ومهما بلغت من التقدم والرقي. وتجدر الإشارة إلى أن اللغة الأمازيغية استفادت من اللسانيات الحديثة لنهج معيارية متدرجة تنفتح على كافة الفروع واللهجات المكونة لها. الشيء الذي لم يطبقه علماء اللغة من قبل، حيث كانت الغلبة لبعض اللهجات دون غيرها لاعتبارات اقتصادية أو سياسية. من هنا لا نرى تلازم المعيار بالترسيم، فالترسيم يسبق المعيار فهو حماية وميز إيجابي لبناء الذات اللغوية ومعيارها الموحد لا العكس لأن الترسيم والحالة هذه موقف سياسي يعطي للغة فرصة التوحيد المعياري وليس موقفا اعتباريا يخول للغة مكانة الترسيم. البعض يتحدث عن عدد لا يحصى من اللهجات المحلية الأمازيغية المتفرقة مما يصعب عملية الترسيم ؟ هذا موقف انطباعي لدى العامة أو من يحذوا حذوها. أما الموقف العلمي هو الموقف اتخذه مختصون في اللسانيات داخل مؤسسة تقوم بالبحث العلمي في الميدان منذ حوالي عقد من الزمان حيث قامت هذه المؤسسة بندوات هامة بشأن اللغة المعيارية ساهم فيها عشرات من المختصين والمبدعين كما كونت لجنا مختصة تنتمي إلى الأقاليم المختلفة. والنتائج المحصل عليها وخاصة ما يتعلق بالتأليف المدرسي يكذب كل الآراء الانطباعية والمواقف الافتراضية التي لم تطلع على التراكم المنجز بهذا الصدد. فريق آخر يرى أن المعضلة ليست في الأمازيغية بل في حرف تيفيناغ، حيث خرج علينا زعيم سياسي يقول للأمازيغ نحن مع أمازيغية لكن بالحرف العربي؟ فالنمطية الخطية للحرف الأمازيغي هي أيضا مرت بمراحل علمية مثلها مثل اللغة الأمازيغية المعيارية، حيث قدم المختصون في إطار المجلس الإداري للمعهد الملكي ثلاثة مشاريع تقنية للدراسة والحسم؛ الحرف العربي والحرف الأمازيغي والحرف اللاتيني وكان الاختيار بعد التداول والدراسة والتصويت لصالح الحرف الأمازيغي المعروف بتيفيناغ. ثم بعد ذلك رفع إلى الدوائر العليا وكان الحسم السياسي لصالح تيفيناغ بالإجماع بعد مشورة الأحزاب السياسية إلا حزبين من ثلاثين ما زالا متشبثين بموقفهما إلى يومنا هذا. فالموقف الديمقراطي كان واضحا من أول وهلة في الرأي المتخذ في المجلس الإداري ثم الحسم السياسي بعد اتفاق الأغلبية الحزبية فالحسم إذن كان بقرار ملكي مستوفيا كل الخطوات العلمية والديمقراطية. ثم وهذا من الأهمية بمكان هو تزكية الموقف الدولي للموقف الوطني حيث اعترفت المنظمة العالمية للمعيرة بمنظومة خطية مغربية تضاف إلى الخطوط العالمية وهذا مكسب كبير للمغرب وبلدان شمال إفريقيا. نعرف القليل عن حرف تيفيناغ ألا يمكن أن تحدثنا عن بعض مزاياه الأساسية؟ هناك كتب كثيرة تتحدث عن خصوصيات هذا الحرف ومزاياه والمقام لايسمح بسرد كل المزايا ولكن أذكر منها واحدة تغنيه عن الباقي وهو أنه حرف صوتي أي أن الأصوات الأمازيغية لها ما يقابلها في الحروف من علامات تترجم نطقها من حيث المخرج والصفة. وهذا نادر في تاريخ اختراع الكتابة. فالكتابة الصينية أو الكتابة الهيروغليفية على سبيل المثال ليستا بالكتابة الصوتية بل هي كتابة تصويرية أي رسوم للأشياء، فكلمة " قمر" مثلا ترسم صورته على شكل هلال ولا تكتب أصواته بعلامات تترجم الأصوات المتلفظ بها من قاف وميم وراء. فصفة الحرف الصوتي لتيفيناغ تكفيه أن يتبوأ المكانة العالمية ضمن الخطوط التراثية – المعاصرة. إضافة إلى أنه حرف يضبط بالحركات وفيه ما يقابل كل المفخمات بما فيه الراء والزاي المفخمتين وما إلى ذلك من الأصوات التي يعجز الحرف العربي أو اللاتيني كتابتها إلا بزيادة علامات إضافية تؤدي المقصود. في نظرك ما هي التحديات التي تواجه الحركة الأمازيغية اليوم؟ التحدي الذي ينبغي أن تنخرط فيه الحركة الأمازيغية حاليا هو تفعيل مقتضيات الدستور المتعلقة بالأمازيغية لأن الأمر يتعلق بالبناء الديمقراطي للمغرب المتعدد ثقافيا وسياسيا. ألا ترى بأن الحركة الأمازيغية خسرت الكثير بسبب انقسامها وتشرذمها؟ أرى بأن الحركة الأمازيغية في عقود قليلة ربحت الكثير وحققت ما لم يحققه الأمازيغ في كامل عزهم، أيام كانت لهم السيادة والحكم على شمال إفريقيا قاطبة. أما ما يتعلق بالانقسام والتشرذم هو في الحقيقة تنوع ولدوا به وهو مكمن قوتهم عليهم أن يستمروا كل من موقعه للنهوض بالأمازيغية وبناء المغرب الديمراطي المنشود. بعض المناضلين الأمازيغ يقولون بأن العمل الجمعوي الأمازيغي استنفذ كل طاقاته والمطلوب اليوم من الأمازيغ الاتجاه نحو إنشاء الأحزاب السياسية؟ الأمازيغ موجودون في كل التنظيمات السياسية والنقابية والحقوقية. الإشكال هو أنهم يعملون لحساب إديولوجيات غيرهم فالذي يفتقدونه فعلا هو ممارسة السياسة بقبعتهم هم وتحت مظلتهم لا بمظلات غيرهم سواء داخل الأحزاب السياسية القائمة أو التي ينوون إنشاءها. آن الأوان كما يقول المثل ليتزوجوا لا ليخطبوا لغيرهم.