يعتبر خطاب الزفزافي الذي نشر على قناة "يوتوب" يوم 28 أبريل 2017 تحت عنوان "الزفزافي يخاطب الملك" خطابا ديماغوجيا بامتياز، نظرا لكثرة المغالطات التي يحملها. ونقف هنا عند نموذجين من المغالطات، نموذج المغالطة التي تجمّد الماضي وتختزله في عوامل تاريخية ثابتة تفسر جميع أحوال الحاضر، ومغالطة تأتي بسياق متناقض، لتفسر سياقا آخر مختلفا عنه، كما تعتمد الدمج بين سياقات متباينة في محاولة لإيجاد روابط وهمية. 1- هناك مغالطة شرطية يأتي بها الخطاب من خلال حجاج مبني على أحداث سابقة تاريخيا، يضعها بوصفها شرطا أساسيا يحدد الواقع الآني، أي بمعنى أن الماضي "الأسود" للمؤسسة المخزنية يختزل علة معاناة شعب الريف، ويفسر عتمة مصير عوائله. كما أن هذه المؤسسة حُنِّطت خارج تأثير الزمن، إذ تتمثل كمؤسسة ظالمة جائرة في خيال المتحدث، وهكذا تم اختزال التهميش الذي تخضع له المنطقة في جبروت المخزن، رغم وجود عوامل اقتصادية واجتماعية متعددة ساهمت في تفاقم الأوضاع. وفي السياق نفسه، يضيف المتحدث بمنطق المغالطة نفسها أن الدولة المخزنية استعمار أسوأ من الاستعمار الإسباني، فقال: إن الاستعمار ملة واحدة، لكنه أضاف أنه في عهد الإسبان، وقبل أن يُسلَّم شعب الريف إلى الدولة المخزنية، كانت هناك معامل وشركات وسوق شغل منتعشة، على حد قوله. هذه المغالطة تتجاهل التحولات التاريخية التي طرأت على جميع المستويات، وتسعى إلى تجميد سيولة الزمن في ثنائيات نمطية، كالتي استخدمها المتحدث في فيديو آخر بين العياشة والأحرار والحرائر. والكثير ممن يرددون هذه الكلمات على صفحاتهم لا يدركون جيدا أبعادها المختلفة، فالأحرار في خطاب الزفزافي هم الذين كسروا طوق العبودية وطاعة السلاطين، فما معنى هذا؟ من يقول عاش الملك فهو "عيّاش"، ومن يرفض حكمه فهو من الأحرار والحرائر! هل هذا خطاب بدائل وحلول أم خطاب فتن؟ كيف لكوادر مسؤولة في الدولة تستخدم كلمة "العيّاشة" على صفحاتها الفايسبوكية بصفة قدحية؟ هل هذا يعني أنها ترى في النظام الملكي نظام عبودية هي الأخرى؟ هل تضم صوتها لصوت الانقلاب على الشرعية التاريخية للملك؟ وللتوضيح فقط، نحن ننتقد الملكية ونظامها السياسي، لكن لا ننفي عنها شرعيتها التاريخية، كما لا تنكرها عليها الحاضنة الاجتماعية والثقافية بالمغرب. 2- مغالطة سياقية: يعلن هذا الخطاب أن له مطالب اجتماعية وحقوقية، لكنه يضعها في قالب أخلاقي، ويتخذها ذريعة لتبرير هجومه على رموز الدولة، فبعد هجومه على ما سماه الاستعمار المخزني، باسم المطالب الاجتماعية، نزع المتحدث الشرعية عن المؤسسة الملكية، بل شكك في النسب الشريف للملك، إذ قال بالحرف: "كيف يعقل أن من يدّعي على نفسه أمير المؤمنين يحاصر شعبا أعزل، هل كان هكذا...يّدعي أنه سبط النبي، هل النبي يحاصر شعبا، متى حاصر النبي شعبا، ومتى حاصر عمر وأبو بكر وعثمان وعلي... متى حاصروا شعبا أعزل، بالله عليكم.. من تستحمرون .. إلى شيوخ البلاط وعلماء الذل والعار...!". كلمة "من يدّعي"، لا تليق حتى بالنكرة، فكيف يستخدمها المتحدث لوصف ملك البلاد؟ أليس هذا انتهاكا لحرمة الرموز الوطنية؟. إن استعمال كلمة "يدّعي" يرمي إلى نزع صفة أمير المؤمنين عن الملك، وكذلك إلى التشكيك في نسبه الشريف؟ بالله عليكم، هل هذا خطاب سياسي عاقل؟ وأين هي مظاهر "الحصار" في الريف؟ هل نحن في غزة؟ يا لها من لغة فلسطين. ولماذا المقارنة بالخلفاء الراشدين؟ هل فعلا كان ذلك تاريخا ذهبيا، كما يحن إليه المتحدث ويفرض علينا هذه المقارنة النمطية الجاهزة، أم كان تاريخا مليئاً بالصراعات الدموية حول السلطة؟ لماذا أخطأ المتحدث في ترتيب تعاقب الخلفاء على الحكم؟. نحن متأكدون أن أغلبية القواعد الشعبية التي انبهرت بخطاب المتحدث انساقت وراء المطالب الاجتماعية، ولم تنتبه إلى أسلوب حجاجه الذي يعتبر سابقة خطيرة في تاريخ الاحتجاج بالمغرب...يبدو أن المتحدث ينفعل إلى درجة أنه يصاب بهيجان عاطفي ويفقد السيطرة على لسانه، فيطلق العنان لأي كلمة تحضره خلال إلقاء خطاباته، تلك زلات لسان ورطته في لقاء وكيل الملك عوض أن يلتقي بالملك. يظل خطاب الزفزافي وثيقة تاريخية تفضح طموحات انفصالية بنكهة دينية، تنزع الشرعية عن النظام السياسي القائم. وهنا تجدر الإشارة إلى أن الريف مع الأسف قد استوطنت أحشاءه أحلام عنصرية انفصالية...هذه هي الحقيقة المرة التي سنكابدها مع مرور الزمن...ذلك لأننا نبني بيوتا ولا نبني أوطانا... ملحوظة: في شهر الغفران والتوبة والصيام، أدخله الله عليكم وعلى جميع المغاربة بالصحة والعافية، نلتمس من ملك البلاد، محمد السادس، أن يعفو عن هذا الشاب ومن معه. وتجدر الإشارة إلى أن ناصر الزفزافي شاب ريفي مندفع لا يزن الكلام جيدا، ويخاطب الجماهير بعفوية، مدافعا بعاطفة جياشة عن حقوق المظلومين والبؤساء من هذا الشعب، ما يجذب الناس نحوه، لكن هذا نفسه قد يحوله إلى لقمة سائغة للاستقطاب من لدن شباب الحراك المُسيّس أو حتى عن طريق الشابكة. ويبدو هذا الشاب شخصية عظامية تتماهى مع أسلافها المجاهدين، وعلى رأسهم عبد الكريم الخطابي. كما أن ناصر التقط معجمه السياسي من الحراك من شباب اليسار والعدل والإحسان وغيرهم من الشباب، ونظرا لعدم خبرته، سقط في العديد من الأخطاء، منها اندفاعه الحماسي يوم الجمعة الماضي لمقاطعة الخطيب. وبالرغم من هذه الأخطاء في خطاب الزفزافي، تظل مطالب الساكنة الاجتماعية مشروعة، ونلتمس لكل من زل لسانه في حق الوطن التوبة والغفران في هذا الشهر الكريم. وكما قالها لنا عبد الإله بنكيران مدوية في ما مضى في حق من سرق ونهب هذا الوطن: "عفى الله عما سلف". وبهذه المناسبة، نلح بشدة على تحرك المجتمع المدني وأحزاب سياسية في هذا الإطار لتحمل مسؤوليتها كاملة بالتدخل في هذا الملف بوساطة فعالة قصد مصالحة حقيقية وتصفية القلوب في هذا الشهر الكريم عبر تنظيم قافلة إلى الحسيمة، تحمل أعلاما مغربية، وتساند السكان رمزيا في مطالبهم الاجتماعية، لكي تنهي هذا الاحتقان الاجتماعي، وتبدد أحلام التطرف والانفصال لدى البعض، خصوصا أن الدولة ملتزمة الآن علنا بتسريع وتيرة تنفيذ المشاريع في آجالها المحددة. * أستاذ بجامعة شعيب الدكالي