بعد الجدل الكبير الذي رافق إعداد الحكومة السابقة لإستراتيجية محاربة الفساد، بسبب المخصصات المالية الكبيرة التي رصدت لها، والتي بلغت 1800 مليار سنيتم، موزعة على ثلاث مراحل، جاء تنزيل مقتضياتها حاملا فقط للشعارات والنوايا. وصادقت حكومة سعد الدين العثماني، على مرسومين تقدم بهما الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بإصلاح الإدارة وبالوظيفة العمومية؛ يتعلق الأول بإحداث اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد، والثاني بتحديد كيفيات تلقي ملاحظات المرتفقين واقتراحاتهم وشكاياتهم وتتبعها ومعالجتها. وبالعودة إلى المشروعين فإن الحكومة اختارت خلالهما أن تعلن شعارات فقط لمحاربة الفساد، من قبيل أن اللجنة المحدثة "ستقدم كل مقترح إلى الحكومة بشأن مجالات مكافحة الفساد ذات الأولوية"، مضيفة أنها ستقوم بمواكبة القطاعات المعنية ببرامج السياسة العمومية المتعلقة بمكافحة الفساد، واتخاذ التدابير اللازمة لضمان التقائية هذه البرامج. ورغم تأكيد المذكرة التقديمية للمرسوم أن "اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد" كآلية للحكامة تتولى تتبع وتنفيذ مختلف التوجهات الإستراتيجية والتدابير والمشاريع والإجراءات الكفيلة بتعزيز النزاهة ونشر قيم التخليق والشفافية، ومواكبة مختلف القطاعات المعنية ببرامج السياسة العمومية المتعلقة بمكافحة الفساد، فإنها لم تحدد طرق فعالة لمحاربة هذه الظاهرة التي تنخر المجتمع المغربي، وتكبد الاقتصاد الوطني نقطتين من النمو سنويا. ويعهد إلى اللجنة، التي يترأسها العثماني، تقديم كل المقترحات الكفيلة بتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد للحكومة، والتداول بشأن كل البرامج والمبادرات التي ترمي إلى مكافحة الفساد واتخاذ التدابير اللازمة لضمان انتقائية تلك البرامج. كما أشار المرسوم إلى إمكانية إحداث لجان موضوعاتية لمساعدة اللجنة في إنجاز مهامها وتنفيذ مختلف البرامج والمشاريع المتعلقة بمكافحة الفساد، سواء تلك المحددة في الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد أو تلك المتخذة في إطار برامج قطاعية. وبخصوص تحديد كيفيات تلقي ملاحظات المرتفقين واقتراحاتهم وشكاياتهم وتتبعها ومعالجتها، فإن المرسوم الحكومي يهدف إلى إرساء منظومة موحدة لتلقي ملاحظات المرتفقين واقتراحاتهم وشكاياتهم وتتبعها ومعالجتها، كإحدى الإجراءات الاستعجالية ضمن البرنامج الحكومي بشأن تعزيز قيم النزاهة والعمل على إصلاح الإدارة وترسيخ الحكامة الجيدة. ويحدد المرسوم مسطرة تلقي الشكاية وتتبعها ومعالجتها والرد عليها، إذ تتلقى الإدارة عن طريق البوابة الوطنية للشكايات ملاحظات المرتفقين بشأن الخدمات العمومية، ويتعين عليها أن تقوم داخل أجل محدد من تاريخ التوصل بالشكاية بمعالجتها والرد عليها. ويشمل مجال تطبيق هذا المرسوم إدارات الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية وكل شخص اعتباري يمارس صلاحيات السلطة العمومية، موضحا أن هذه المسطرة لا تحول دون لجوء المرتفقين إلى ممارسة حقهم في تقديم شكاياتهم مباشرة لمؤسسة الوسيط. وتتبنى الإستراتيجية الحكومية لمحاربة الفساد، التي وضعتها الحكومة السابقة، الحد من الفساد بشكل ملموس في أفق 2025 عبر هدفين أساسيين؛ هما تعزيز ثقة المواطنين في المؤسسات من خلال جعل الفساد في منحى تنازلي بشكل ملموس وبشكل مستمر، وتعزيز ثقة المجتمع الدولي لتحسين تموقع المغرب في التصنيفات الخاصة بالمجال. وسيمتد تنفيذ الإستراتيجية على مدى عشر سنوات، بتكلفة مالية تقدر ب1.8 مليارات درهم، موزعة على ثلاث مراحل؛ كل مرحلة تتضمن مشاريع خاصة بها وتهيئ للمرحلة الموالية، مضيفة أنه سيتم عند انتهاء كل مرحلة إجراء تقييم حول مستوى تقدم إنجاز المشاريع المبرمجة وتحقيق النتائج المسطرة في كل مرحلة بناء على مؤشرات القياس المعتمدة في الإستراتيجية.