طرحت فضيحة التنصت على المكالمات الهاتفية التي هزت الساحة السياسة البريطانية في أعقاب إغلاق صحيفة (نيوز أوف ذي وورلد)، إحدى أكبر المنشورات البريطانية، في الواجهة النقاش حول تواطؤ بين المهنيين في الصحافة والفاعلين السياسيين والأمنيين بالمملكة المتحدة. ومنذ اندلاع هذه القضية، التي هزت الامبراطورية الاعلامية لروبرت مردوخ، خصص المعلقون في وسائل الإعلام والباحثون في أهم المعاهد ومراكز التفكير تحليلات مستفيضة لتفكيك هذه "العلاقة الخطيرة" بين هؤلاء الفاعلين. وتم استعراض العلاقة الخاصة بين مردوخ والمؤسسة البريطانية، من خلال الكشف أحيانا عن الروابط "المشكوك فيها" بين بارون وسائل الاعلام الاسترالي - الأمريكي والمسؤولين السياسيين ورجال الأعمال ومسؤولي الاستخبارات. وقد ظهر حجم هذه العلاقة ومداها بقرار رئيس الوزراء البريطاني دفيد كاميرون قطع الزيارة التي كان يقوم بها إلى جنوب افريقيا والعودة إلى لندن والتوجه إلى البرلمان لمناقشة هذه الفضيحة الإعلامية التي تهدد مستقبله السياسي. واضطر زعيم حزب المحافظين للرد، ومنذ أن كان في بريتوريا، على قائد الشرطة بول ستيفنسون الذي اتهمه لعلاقته باندي ولسون الصحافي السابق ب(نيوز أوف ذي وورلد) الذي عين بها كمسؤول عن التواصل في "داونينغ ستريت". ويبدو أن الفضيحة، التي راح ضحيتها كذلك أشخاص بشرطة سكوتلاند يارد مع استقالة رئيس خلية محاربة الإرهاب جون ييتس، قد تواصل انتشارها. ولا يتردد بعض المراقبين في مقارنة هذا الوضع مع فضيحة "ووترغيت" التي أدت إلى استقالة الرئيس الأمريكي السابق ريتشارد نيكسون سنة 1974. وأبرزت الأخبار التي تم تداولها أمس الثلاثاء العلاقة بين مردوخ وسياسيين بريطانيين آخرين، ضمنهم زعيم المعارضة العمالية إد ميليباند، ووزير المالية الحالي جورج أوزبورن. وعقد هذا الأخير 16 اجتماعا على الأقل مع ممثلي شركات مردوخ، وذلك منذ الانتخابات التشريعية التي جرت في ماي 2010، وسجل عقبها المحافظون عودتهم إلى السلطة بعد سنوات طويلة في موقع المعارضة. ويفضل إد ميليباند التزام الصمت حول العلاقة بين مردوخ ومنافسيه المحافظين من أجل تجنب أي مضايقات قد تضعفه أكثر. من جهة أخرى، أشار بعض المحللين إلى أن مردوخ لا يقوم إلا بجني ثمار الممارسات الارثوذكسية لامبراطوريته الإعلامية التي تستغل أسرار الآخرين. وأشار المحلل بيتر أوبورن في مقال نشر في مجلة "دي سبيكتتور" اليمينية الى استبعاد السياسيين ووسائل الإعلام ربط فضيحة "نيوز أوف دو وورلد" بطموح البارون الاسترالي-الأمريكي في السيطرة على قناة "بي سكاي بي" البريطانية. وفي هذا السياق، تساءل المحلل عما إذا كان مردوخ مؤهلا لاحتلال مركز الصدارة في عالم السياسة والاعلام بالمملكة المتحدة. ويسيطر مردوخ، من خلال شركته "نيوز انترناسيونال"، على "التايمز"، و"الصنداي تايمز" و"الصان"، أي ما يعادل ثلث سوق الصحف البريطانية، ومثل هذا الوضع يجعل الملياردير الأسترالي-الأمريكي الشخص الأبرز في الساحة الاعلامية البريطانية، وهو وضع يعطيه قوة سياسية واقتصادية كبرى. وتساءلت بعض التحليلات، رغم قلتها، عن توقيت هذه الفضيحة، وذهبت الى حد اتهام دوائر مرتبطة بمؤسسات بريطانية تخدم أجندة مردوخ الموالية لأمريكا. وقد أثارت الانتقادات "اللاذعة" التي تعرضت لها مؤسسة مردوخ الاعلامية، من جهة أخرى، نقاشا واسعا حول الممارسات الصحفية لمؤسسات بريطانية محترمة خاصة مؤسسة (بريتيش براود كاستينغ كوربوريشان). ويتساءل المحللون في مجال الصحافة اللندنية في هذا السياق، حول الدواعي التي تدفع منتقدي مردوخ إلى غض الطرف عن مؤسسة (بريتيش براود كاستينغ كوربوريشان) عندما لم تقم هذه الأخيرة بتغطية شاملة للاضطرابات الاجتماعية في اسبانيا واليونان.