التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مجلسا النواب والدولة في ليبيا يستغربان تدخل الخارجية الليبية في لقائهم في المغرب    الرجاء يحقق فوزًا ثمينًا على شباب المحمدية بثلاثية نظيفة    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    جرسيف .. نجاح كبير للنسخة الرابعة للألعاب الوطنية للمجندين    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    اتهامات "بالتحرش باللاعبات".. صن داونز يعلن بدء التحقيق مع مدربه    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    دشنه أخنوش قبل سنة.. أكبر مرآب للسيارات في أكادير كلف 9 ملايير سنتيم لا يشتغل ومتروك للإهمال    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    روسيا تمنع دخول شحنة طماطم مغربية بسبب "أمراض فيروسية خطيرة"    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    أمسية فنية وتربوية لأبناء الأساتذة تنتصر لجدوى الموسيقى في التعليم    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إعدام السلطة القضائية
نشر في هسبريس يوم 17 - 05 - 2017

لا يخفى أن تنفيذ الأحكام القضائية هو الهدف المتوخى من اللجوء إلى القضاء، إذ لا ينفع التكلم بحق لا نفاذ له. كما أن عدم التنفيذ أو التأخير فيه يلحق ضررا جسيما بالمحكوم له، ويؤثر بالتالي على مصداقية الأحكام وعلى ثقة المواطنين في القضاء.
وتكمن أهمية موضوع تنفيذ الأحكام القضائية في كونها أسمى تعبير من كل الأطراف المعنية عن تمجيد القضاء وتكريم السلطة القضائية، وفي الوقت ذاته اعترافا بحقوق المواطنين واحتراما وتكريسا لحقوق الإنسان، طبقا لما أكده عليه الملك محمد السادس خلال ترؤسه لافتتاح أشغال دورة المجلس الأعلى للقضاء يوم 15 دجنبر 1999 حيث قال إنه : "... من البديهي أنه لن يحقق القضاء هذا المبتغى إلا إذا ضمنا لهيئته الحرمة اللازمة والفعالية الضرورية بجعل أحكامه الصادرة باسمنا تستهدف الإنصاف وفورية البت والتنفيذ، وجريان مفعولها على من يعنيهم الأمر". كما أكد في خطابه بمناسبة افتتاح البرلمان في دورة أكتوبر 2016، حيث قال جلالته: "المواطن يشتكي بكثرة من طول وتعقيد المساطر القضائية ومن عدم تنفيذ الاحكام القضائية، وخاصة في مواجهة الإدارة، فمن غير المفهوم لأن تسلب الإدارة للمواطن حقوقه، وهي التي يجب لأن تصونها وتدافع عنها، وكيف لمسؤول أن يعرقل حصوله عليها وقد صدر بشأنها حكم قضائي نهائي؟".
وقد تطور مبدأ تنفيذ الأحكام إلى أن صار مبدأ دستوريا كرسه الفصل 126 من دستور المملكة بتنصيصيه على ما مؤداه: "يجب على الجميع احترام الأحكام النهائية الصادرة عن القضاء".
وفي الواقع، لا قيمة للحماية القضائية بدون تحقق تنفيذ الأحكام النهائية، خاصة منها الصادرة في مواجهة الإدارة. ولا شك في أن مرور ست سنوات على المصادقة على الدستور الجديد لم يحل دون رصد واقع لا يرتفع يتجلى في تسجيل مواقف سلبية في حق الإدارة المطلوب ضدها التنفيذ وتفاوتها بين
- امتناعها الصريح عن التنفيذ،
- إلى تراخيها في التنفيذ،
- مرورا بتنفيذها الناقص لقوة الشيء المقضي به.
وهكذا، أصبحت ظاهرة عدم تنفيذ الأحكام الإدارية تستأهل حلولا ناجعة ومكرسة لمبدأ احترام أحكام القضاء الإداري وضرورة تنفيذها ما دام أن الحماية القضائية لا تكتمل إلا بتمام تنفيذ الأحكام، ولا قيمة لأحكام القضاء إذا لم يتم تنفيذها، لا سيما في ظل تطور القيم والمبادئ الديمقراطية في الدولة القانونية التي تعتبر الإدارة مثلها مثل الأفراد ملتزمة بتنفيذ الأحكام المكتسبة لقوة الشيء المقضي به.
وقد عزز القاضي الإداري دوره في مجال تنفيذ الأحكام الإدارية بناء على نظام وحدة القانون التي تقتضي تطبيق قواعد قانون المسطرة المدنية على الدعوى الإدارية من خلال مقاربة جديدة تعتمد القواعد العامة المتعلقة بالتنفيذ الجبري المسعفة في إجبار الإدارة على التنفيذ، ولا سيما الحجز على أموال الإدارة.
ومن المهم الإشارة إلى أن جريمة المادة 8 مكررة من مشروع القانون المالي لسنة 2017، التي أضافها فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب وتمت المصادقة عليها به، هي مجرد استنساخ للمادة نفسها من القانون المالي لسنة 2015 والتي تم التراجع عنها بضغط المجتمع المدني والحقوقي، ليعاد إرجاعها بنفس منطق الغباء والنصب والاحتيال التشريعي.
وهكذا، فان المادة المذكورة بمنعها الحجز على أموال الدولة والجماعات الترابية تشكل إعداما للسلطة القضائية وانقلابا على الفصل 126 من الدستور واجتهادات القضاء الإداري والعادي وتشكل جريمة تحقير للمقررات القضائية بتنصيصها على ما يلي: "
1 يتعين على الدائنين الحاملين لسندات أو أحكام قضائية تنفيذية نهائية ضد الدولة أو الجماعات الترابية ألا يطالبوا بالأداء إلا أمام مصالح الآمر بالصرف للإدارة المعنية أو الجماعة الترابية المعنية.
2 في حالة ما إذا صدر قرار قضائي اكتسب قوة الشيء المقضي به يدين الدولة أو الجماعات الترابية بأداء مبلغ معين، يتعين على الآمر بالصرف بصرفه داخل أجل 60 يوما ابتداء من تاريخ تبليغ القرار القضائي السالف ذكره، في حدود الاعتمادات المالية المفتوحة بالميزانية، على أن يقوم الآمر بالصرف باتخاذ كل التدابير الضرورية لتوفير الاعتمادات اللازمة لأداء المبلغ المتبقي في ميزانية السنوات اللاحقة.
غير أنه لا يمكن، في أي حال من الأحوال، أن تخضع أموال وممتلكات الدولة والجماعات الترابية للحجز لهذه الغاية.
وعلى النقيض من هذا الانحراف التشريعي الشاذ الذي يخالف ما أقرته مختلف التطبيقات القضائية، سواء العادية منها أو الإدارية على وجه الخصوص، يحرص القاضي الإداري على اعتماد وسيلة الحجز وفقا لشروط معينة من أجل إجبار الإدارة التي لا يخشى إعسارها على تنفيذ الأحكام الصادرة ضدها خلافا لما أقرته المادة 8 من مشروع القانون المالي.
وهكذا، اعتبرت الغرفة الإدارية بمحكمة النقض: "أن المال المحجوز المرصود أصلا لتسديد التعويضات المحكوم بها... يقبل الحجز... وأن مسطرة الحجز لدى الغير تعد وسيلة من وسائل التنفيذ الجبري التي يمكن لكل دائن يتوفر على دين ثابت أو سند تنفيذي، استعمالها طبقا للشروط والمقتضيات الواردة بالفصل 488 وما يليه من قانون المسطرة المدنية... حتى يمكن المجادلة في حجية الشيء المقضي به".
وقد تواترت الاجتهادات القضائية الإدارية على هذا المسلك، مؤكدة على: "أنه إذا كان لا يجوز الحجز على الأموال العامة للدولة والأشخاص الاعتبارية العامة باعتبار أن الحجز والتنفيذ عليه من شأنه أن يعرقل ويعطل وظيفة النفع العام الملقاة على عاتقها، فإنه استثناء من ذلك يجوز الحجز على الأموال الخاصة لأشخاص القانون العام متى كان الحجز بحسب تقدير السلطة القضائية المقررة للحجز ليس من شأنه عرقلة سير المرفق العمومي أو تعطيل خدمات جمهور الناس به أو متى تم رصد الأموال للتنفيذ ولسداد التعويضات المعنية بالأحكام" حتى مع تعلق محل هذا الحجز بمال مودع بين يدي القباضة الجماعية على أموال الجماعة المعنية بالتنفيذ ما دام أن مقتضيات المادة 88 من المرسوم رقم 441-09-2 الصادر بتاريخ 3 يناير 2010 بسن نظام للمحاسبة العمومية للجماعات المحلية ومجموعاتها تجيز إجراء الحجز بين يدي الخزانة أو القباض الجماعيين، دون غيرهما من المؤسسات تحت طائلة البطلان، خلافا للاجتهاد القضائي الذي كان ينفي صفة الغير على القباضة المودع بين يديها مال الجماعة المحجوز عليها ولا يعتد بالتالي بمثل هذا الحجز لمجرد أن المحجوز بين يديه ليس بغير بمفهوم الفصل 488 من قانون المسطرة المدنية.
ومن ثمّ، يمكن القول إن المادة 8 مكررة من مشروع القانون المالي تشكل انتكاسة للدستور ولدولة الحق والقانون وتهديدا حقيقيا وجديا لحصانة الأحكام القضائية ووجوب تنفيذها طبقا للفصل 126 من الدستور وتشكل بحق التفافا على المشروعية وسيادة حكم القانون من خلال الانتقاص من أحكام المحاكم وجعلها هي والعدم سواء وخرق مبدأ المساواة أمام القانون والقضاء؛ لأنه لا يعقل أن تحصل الإدارة ديونها في مواجهة الأفراد بالسرعة والإجبار والإكراه والحجز المباشر على الأرصدة المالية من خلال تقنية الإشعار للغير الحائز، فيما تبقى الإجراءات المتخذة بحقها بطلب من المحكوم لهم حبرا على ورق، فضلا عن أن مشروع قانون المالية غير مختص بتنظيم قواعد التنفيذ الجبري للأحكام، باعتباره قانونا ذا طبيعة مالية، الشيء الذي يستدعي موقفا واضحا وحازما من جميع المختصين وهيئات المجتمع المدني لرد أي انتهاك يمس بمصداقية القضاء وأحكامه ومبدأ صون الأمن القانوني والقضائي، لأن أي إقرار لهذه المادة بمجلس المستشارين يعني اعدام السلطة القضائية وتحقير مقررات القضاء والتشريع لقانون الغاب؛ فالاقتراح إذن هو إغلاق المحاكم وإعفاء القضاة وإعلان قانون وشريعة الغاب.
وتظهر خطورة هذه المادة في أنها جعلت التنفيذ مكنة فقط بيد الإدارة وليس التزاما دستوريا، لأنها جعلته متوقفا فقط على محض إرادتها، وربط التنفيذ بوجود أموال أولا، وثانيا في حدود الاعتمادات المالية المفتوحة بالميزانية، وثالثا بقيام الآمر بالصرف باتخاذ كل التدابير الضرورية لتوفير الاعتمادات اللازمة لأداء المبلغ المتبقي في ميزانية السنوات اللاحقة أي ميزانية القرن المقبل لأنها لم تحدد عدد سنوات التنفيذ.. وهذا لعمري العبث بعينه، بحيث يعكس نظرة دونية للقضاء وإحكامه، فحتى في الأنظمة الأشد ديكتاتورية لن تجرؤ حكومة أو برلمان على مثل هذا المقتضى، لأنه يصادر وجود القضاء وحقوق الإنسان، بتشريعات غبية فيها من الأمية والجهل والحقد على حقوق المواطنين ما ينذر بأشد العواقب، فلا يعقل أن يتم إعفاء سيارات الأغنياء الفارهة من الضريبة، في مقابل إقبار تنفيذ الأحكام على الإدارة وعرقلة حصول بسطاء القوم وفقرائهم على حقوقهم المالية.
ومن المهم البيان أن الاجتهاد القضائي الإداري اعتبر أن وجود صعوبة للإدارة في تنفيذ الحكم الصادر في مواجهتها يشكل ظروفا خاصة بها ولا علاقة لطالب التنفيذ بها، وبالتالي فإنه من واجب الإدارة سلوك الإجراءات اللازمة من أجل تنفيذ هذا الحكم لا أن تعمل على خلق أعذار ومبررات لتعطل عملية التنفيذ ما دام لا يوجد بالملف ما يفيد قيام الإدارة باتخاذ أي إجراء إيجابي يستشف منه عزمها على القيام بعملية التنفيذ؛ وهو ما يجعل إثارتها للصعوبة في التنفيذ المبنية على ظروف تتعلق بها غير مبني على أساس وينم فقط عن وجود تماطل من جانبها لتنفيذ الحكم المستشكل في تنفيذه.
وقد لقد كان من نتائج التكريس الدستوري لمبدأ تنفيذ الأحكام وإقراره لمسؤولية الدولة في تطبيق القوانين أن أصبح الوزراء دستوريا مسؤولين عن تنفيذ السياسة الحكومية كل في القطاع المكلف به، وفي إطار التضامن الحكومي (الفصل 93) تحت إشراف رئيس الحكومة باعتباره صاحب السلطة التنظيمية (الفصل 90).
وإذا كان رئيس الحكومة يمثل الدولة أمام القضاء، فإن عدم توفر ميزانية رئيس الحكومة على اعتمادات مالية من أجل تنفيذ الأحكام يطرح إشكالا حقيقيا في غاية الأهمية والخطورة في الوقت نفسه بالنسبة إلى الأحكام القاضية على الدولة مباشرة بأداء مبالغ مالية، من جهة تحديد الجهة المخاطبة بالتنفيذ، والحساب المالي المرصود له، لا سيما أمام تعاظم دور مؤسسة رئاسة الحكومة واستقلالها عن باقي الوزارات ماليا وإداريا، وتمتعها بالشخصية المعنوية مثلها مثل رئاسة الحكومة.
ومن المهم الإشارة إلى أن عدد ملفات التنفيذ ضد الدولة التي تتطلب حلا عاجلا لمواجهتها صارت مرتفعة جدا بشكل لا يتصور، لا سيما أن المستفيدين من هذه الأحكام ما فتئوا يتقدمون بطلب لتحرير محاضر امتناع في مواجهة الدولة في شخص رئيس الحكومة.
لذلك، يقترح إيجاد حلول عاجلة للتنفيذ، وتوفير ميزانية بهذا الخصوص، لأنه لا قيمة للأحكام بدون تنفيذ، ولا قيمة لدولة الحق والقانون بدون حماية فعالة لحقوق المواطنين بالوصول إليها وتنفيذها بسرعة ويسر وفي أقرب الآجال.
إن محدودية الحلول التي اهتدى إليها القاضي الإداري لإجبار الإدارة على تنفيذ أحكامه والمتميزة هي الأخرى بمرجعية القانون الخاص وعدم اقترانها بآليات قانونية كفيلة بإجبار الإدارة على التنفيذ وتفريعا عن ذلك، فإن أي مقاربة قانونية لإشكالية تنفيذ الأحكام الإدارية والحلول تقتضي :
أولا، إزالة كل أشكال الشطط والتعسف المنافية للشرعية والقانون بالتزام الإدارة صحيح القانون في قراراتها وأعمالها الإدارية والمادية؛
وثانيا، استحضار المرتكزات الدستورية لإشكالية تنفيذ الأحكام الإدارية باعتبارها مدخلا لأي معالجة تشريعية لاحقة:
- أن التنفيذ عملية قانونية وقضائية يستقل بها القضاء الإداري ويختص بها دون غيره، ويحظر تدخل أي جهة كيفما كانت في إجراءاته،
- أن التنفيذ يتضمن في طياته نهاية المنازعة القضائية الإدارية، وأن القاضي الإداري مدعو إلى السير بإجراءاته إلى نهايتها، تقيدا منه بقوة الشيء المقضي به،
- خضوع الجميع إدارة ومواطنين لقوة الشيء المقضي به طبقا لمبدّأ المساواة أمام القانون والقضاء،
- وجوب امتثال الإدارة بقوة القانون لقوة الشيء المقضي به، تحت طائلة إخضاعها لطرق التنفيذ الجبري المتوافقة مع طبيعتها،
- التنفيذ داخل الأجل المعقول، فإذا كانت إجراءات المحاكمة والبت تخضع للأجل المعقول طبقا لما أقره الدستور، فبصفة أولى خضوع التنفيذ لهذه الأحكام تيسيرا على المنفذ له في الحصول على حقه بسرعة،
- عدم جواز فرض أو سلوك إجراءات إدارية أو قضائية تعيق التنفيذ أو تشل فعاليته من خلال الاستشكالات في التنفيذ غير الجدية أو الكيدية،
- عدالة التنفيذ بإجراءات منصفة وفعالة وسريعة، ومرنة وغير مكلفة ماديا ومعنويا للخصوم.
وعلى هذا الأساس، يكون المشرع مدعوا إلى التدخل لسن قواعد قانونية واضحة المعالم تفعيلا للمقتضيات الدستورية المؤكدة على عدم المساس بوقار القضاء الإداري ودعم مصداقية أحكامه، وذلك من خلال:
- إصدار قانون خاص بالإجراءات الإدارية مستقلا عن قانون المسطرة المدنية في أفق إحداث المحكمة العليا الإدارية، وتخصيص باب مستقل بتنفيذ الأحكام الإدارية،
- تفعيل دور مؤسسة قاضي التنفيذ في مجال تنفيذ الأحكام الإدارية مع اضطلاع كل محكمة إدارية بتنفيذ أحكامها، وبواسطة المفوض القضائي المختار في حالة وقوع التنفيذ خارج الدائرة القضائية للمحكمة التي أصدرت الحكم المراد تنفيذه،
- تمكين المنفذ له من اختيار المحكمة المراد التنفيذ في دائرتها بالنظر لوقوع الشيء المحل التنفيذ، وفك الارتباط بين المحكمة المصدرة للحكم وبين جهة التنفيذ،
- التنصيص على المسؤولية الشخصية للموظف العمومي الممتنع عن تنفيذ الأحكام الإدارية بدون وجه حق،
- إقرار مسؤوليته التأديبية،
- إقرار مسؤوليته الجنائية، وفي ذلك تخفيف لأعباء مالية إضافية عن الإدارة عندما يثبت أن سبب الامتناع عن التنفيذ موقف شخصي صرف،
- نشر القرار الإداري التأديبي أو الحكم القاضي بتطبيق جزاءات مالية ضد الممتنع عن تنفيذ حكم إداري، في جريدة وطنية أو أكثر،
- اعتبار الحكم الذي يلزم مالية الإدارة بمثابة أمر بالأداء ملزم لميزانية الإدارة المعنية بالتنفيذ مع وجوب تضمن هذه الميزانية لبند خاص بتنفيذ الأحكام الإدارية.
إن الإدارة ملزمة، قانونا ودستوريا، بالخضوع إراديا وتلقائيا للقاعدة القانونية بمفهومها الواسع ما دام تفعيل مفهوم العدالة الإدارية يستند إلى إجبارية خضوع الإدارة تلقائيا وبحسن نية لمبدأ الشرعية الدستورية، ليس فقط سلبا، بالاستنكاف عن مخالفة ما قرره القضاء؛ بل كذلك إيجابا بالعمل على اتخاذ جميع الإجراءات والتدابير اللازمة لتنفيذ قوة الشيء المقضي به.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.