إنزكان، المدينة التي لا تهدأ في النهار كما في الليل، تشهد حركية تجارية واسعة، بفعل تواجد أسواق عديدة، ضمنها سوق الجملة للخضر والفواكه، في قلب المدينة، ويُصنّف ضمن أكبر الأسواق وأكثرها رواجا في المغرب والجنوب على وجه الخصوص، كما تصل المنتجات المروّجة داخله إلى الأقاليم الصحراوية وتمتدّ حتى إلى بلدان إفريقيا جنوب الصحراء. كما تدبّ حركة الرواج الاقتصادي في أسواق أخرى مشهورة بالمدينة، كسوق "الثلاثاء"، بالإضافة إلى مركّبات تجارية تؤثث المشهد العام وسط إنزكان، دون إغفال أسواق أخرى كسوق المتلاشيات في هوامش هذه المدينة. ولكون إنزكان تلتصق بها ميزة المدينة التجارية، ظهرت في السنوات الماضية مشاريع إنجاز أسواق ومراكز تجارية تبتغي ضمن أهداف إحداثها إعادة إيواء تجار وحرفيّين، وخلق فضاءات تجارية تُخفّف عن المدينة الاختناق المروري والبشري الذي تفرضه حركة الرواج، في النهار كما الليل، في الشوارع الرئيسية المؤدية إلى تلك الفضاءات؛ فضلا عن إيواء الأنشطة التجارية غير المُهيكلة، لكن هذه المشاريع لازالت تعترضها كثير من العقبات قبل فتحها في وجه الحركة التجارية. سوق "الحرية".. مخاض عسير على وعاء عقاري تابع للمجلس الجماعي لإنزكان خرج أخيرا مشروع سوق "الحرية" إلى حيز الوجود في المنطقة الجنوبية الشرقية للمدينة، بعد أن فوّتت الجماعة الترابية عقد الامتياز لشركة خاصّة لمدة تزيد عن 60 سنة، شيّدت أزيد من 1600 محل تجاري بداخله، يتم استغلالها على سبيل الكراء، غير أنه ورغم فتح أبوابه، واكبته عدة احتجاجات واعتصامات، نفّذتها جمعيات للتجار والباعة الجائلين. كما أن المشروع تشوبه عدة اختلالات، كما أورد عبد العزيز قنفود، المحامي بهيئة أكادير، المتتبّع للشّأن المحلي بمدينة إنزكان. وأورد قنفود، في تصريح لهسبريس، أن دفتر التحمّلات الخاص بمشروع سوق "الحرية" جرى تغييره مرات عديدة في عدة دورات استثنائية للمجالس الجماعية المتعاقبة، "ليتناسب ومقاس المستثمر"، وزاد: "والغريب أن وزارة الداخلية عمدت إلى المصادقة عليها، (دفتر 2014 يُدلى به في المنازعة مع التجار وآخر 2015 يُشهَر في المنازعة مع الجماعة) رغم العيوب التي تشوبها، منها تناقض بين هدف المشروع والتنصيص على حق صاحب الامتياز في التصرف فيه وفق رغبته، بالإضافة إلى غياب معايير واضحة للاستفادة من المحلات، إذ استفاد عشرات الأشخاص لا علاقة لهم بالتجارة في المدينة، مع وجود تحايل في دفع تسبيقات الكراء، التي وصلت إلى ملايين السنتيمات، زكّتها السلطات المحلية". وعن الاستفادة، قال خالد المنتاكي، رئيس جمعية الكرامة للباعة الجائلين في مدينة إنزكان، إنها ليست في المستوى المنشود، "فسوق الحرية شبّ على الخروقات وشاب عليها، والتجار دفعوا أمولا طائلة ولم يحصلوا حتى على ورقة تثبت ما دفعوه أو تحفظه لهم؛ ثم جاء دور الباعة المستفيدين مؤخرا من مربعات مخصّصة للخضر والفواكه وسط السوق، إذ تم حشر شخصين في مربع 3/3 أمتار مربعة. غير أن ما ذهب إليه المجلس الجماعي في السماح لمختلف السلع بالمربعات دفع المستثمر إلى التهديد باللجوء إلى القضاء في حالة ما مورست تجارة أخرى في المربعات من غير الخضر والفواكه، وكذلك التجار الذين غرر بهم في المحلات يعارضون الفكرة". وعن مطالب هذه الفئة، التي خاضت سلسلة من الاحتجاجات للمطالبة بنصيبها من سوق "الحرية"، أورد المنتاكي: "مطالبنا لم تتحقق، لأننا كنا نطالب بمربع لكل شخص اعتبارا لصغر مساحته، وكنا نطالب بالاستفادة للجميع، ولكننا فوجئنا بمعايير وضعت رغما عنا. وقد أُقصي الثلثان واستفاد الثلث.. ووعدتنا الجماعة والسلطة المحلية بمشاريع تنموية موازية، لكي نقضي على ظاهرة البيع بالتجوال على جنبات الأسواق وأرصفة الشوارع، لكن بين ما يقال وما يعاش فرق كبير، لاسيما أن رؤية المجلس وحواراته تشوبها الضبابية والغموض مع ضعف في اتخاذ القرار". "أطلس"..السلطة في قفص الاتهام يبدو أن المركز التجاري "أطلس"، الذي يوجد قيد التشييد في إنزكان، ليس أحسن حالا من نظيره "الحرية" من حيث حجم المشاكل التي تعترضه؛ فالمشروع يهدف إلى تشجيع الاستثمار ودعم التنمية المحلية، وتأهيل وهيكلة القطاع التجاري غير المنظم، وتهيئة المنطقة الجنوبية الشرقية للمدينة؛ فضلا عن تمكين التجار والحرفيّين بإنزكان من محلّات تجارية لائقة، بعيدة عن كل أشكال المضاربة والتنافس غير المشروع، بغية حماية حقوقهم وكرامتهم. غير أن للتجار وممثليهم رأي آخر، يذهب في اتجاه اتهام صريح للسلطات الإقليمية بعرقلة استفادة شريحة عريضة من هؤلاء، والزج بهم في غياهب الفقر والتهميش، وإقبار آمالهم ومحاولات إنقاذهم من الأوضاع الصعبة التي يرزحون تحت وطأتها. عبد الله صديق، الكاتب العام للنقابة الوطنية للتّجار والمهنيّين بإنزكان آيت ملول، قال في هذا الصدد لجريدة لهسبريس إنه في سنة 1998 أبرمت اتفاقية مع شركة العمران، من أجل إعطاء الأولوية للتجار (870 تاجرا) في محلات تجارية، بعد أن تم تحويلهم إلى السوق المؤقّت الجديد، الذي تعرض للحريق في سنة 2006، "وبعد ذلك ظهرت عراقيل في المشروع الذي تُشيّده العمران، الذي توقف في ما بعد"، وزاد: "وفي سنة 2012 تم تفويت المشروع إلى نقابتنا، عبر اقتناء الوعاء العقاري التابع لها، ما دفعنا إلى طلب مقاول لأجل أداء تكلفة الوعاء وبناء السوق، على أساس إيواء التجار باحتساب تكلفة البناء. لكن عامل إنزكان الحالي فرض مقاولا آخر، وبالتكلفة التي أرادها (8 ملايير سنتيم)، رغم أننا قدّمنا عروضا لمقاولين آخرين بأقل تكلفة، وفرض شروطا تعجيزية، وقبلنا بها حتى لا يتوقف هذا المشروع الهام". وأردف المتحدث ذاته بأن "المقاول المُعيّن من طرف العامل فرض بدوره مبالغ كبيرة للاستفادة من المحلات"، مضيفا: "كما اكتشفنا تزويرا في الاتفاقية التي أبرمناها سابقا، بما يخدم مصالح شخصية للمقاول، ويضرب الهدف من المشروع في الصميم؛ وبعد ذلك استفادت لائحة أولية ب476 منخرطا، من أصل 870، ومورست التواءات متعدّدة من أجل إقصاء الباقين (396)، الهدف منها استفراد المقاول بها لتفويتها وفق هواه وشروطه؛ وذلك بتواطؤ مفضوح مع السلطات الإقليمية التي نُحمّلها المسؤولية كاملة عما ستؤول إليه الأوضاع مستقبلا، لاسيما بعد استمرار تلاعبات وتجاوزات همّت نقض بنود الاتفاقية وتوصيّات لجنة المتابعة، وعرقلة استفادة المستحقّين". إيواء.. لقمة عيش بصم تجار عديدون على احتجاجات لازال البعض منها متواصلا؛ فبعد سوق الجلود، والمتلاشيات، والباعة الجائلين، خرج حرفيو سوق البلاستيك الفلاحي مؤخّرا في أشكال احتجاجية، كلها تروم التنبيه إلى ما وصفوه ب"قسوة وخطورة القرارات المتخذة في حقهم، ومحاولة إفراغهم بالقوة من سوقهم، بعد تفويت الملك الذي يُمارسون عليه تجارتهم إلى أحد الخواص لإنشاء محطة للخدمات". لكن القاسم المشترك بين كل هؤلاء لا يعدو أن يكون مطالب بأحقيتهم في تلك المشاريع التي ترى النور في المدينة، التي يُساهمون في إنعاش الحركية الاقتصادية بها، وذلك ضمانا للقمة عيش، واستمرارهم في نشاطاتهم التجارية، التي تُعيل مئات الأسر، وتوفر العديد من مناصب الشغل. أسواق تؤهّل اعتبر أحمد أدراق، رئيس الجماعة الترابية لإنزكان، أن المدينة تتوفر على أسواق عديدة، كالسوق اليومي، سوق الثلاثاء، ثلاثاء واكسيمن، سوق الخضر والفواكه..تنضاف إلى أسواق جديدة يجري تشييدها، كسوق السمك وسوق الجملة وغيرهما، وزاد: "وضعت الجماعة إستراتيجية من أجل تهيئة سوق الثلاثاء، والتفكير في بناء طابق ثان. كما يُنتظر فتح أبواب السوق الجديد للخضر والفواكه بالمنطقة الجنوبية للمدينة بتكلفة ناهزت 11 مليار سنتيم، والذي سيُرحّل إليه تجار السوق الحالي؛ فضلا عن تأهيل عدد من الأسواق الصغيرة، "تراست" نموذجا، المعروف بالسويقة". وأضاف رئيس المجلس الجماعي لإنزكان، في تصريح لهسبريس، أنه يُنتظر في غضون أواخر ماي المقبل افتتاح المركز التجاري "أطلس"، وهو المشيّد من طرف الخواص، مذكّرا بأن العديد من الأسواق في مدينة إنزكان، منها التي تحمل تاريخا عريقا، ومنها الجديدة "الحرية، أطلس، سوق السمك، مركز تثمين التمور..."، يُنتظر منها، بعد تأهيلها، احتواء فئات عريضة من التجار والتجارة غير المنظمة، وزاد: "نأمل تجاوز بعضا من الإشكاليات التقنية والإدارية والقانونية، من أجل توفير انتقال سلس إلى سوق الخضر والفواكه الجديد..أتمنى من المهنيين والتجار استيعابها".