مباشرة بعد تعبير بعض النقابات غير المتوفرة على نسبة 6 في المائة من تمثيلية الأجراء، والخارجة بذلك من خانة المركزيات النقابية الأكثر التمثيلية، عن غضبها من اكتفاء سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة، قبيل المصادقة على برنامج حكومته من طرف البرلمان، بفتح قنوات التواصل مع أربع مركزيات نقابية كبرى فقط، وإعلانه في بلاغ رسمي عن خلاصة هذه اللقاءات، طمأن العثماني باقي المركزيات النقابية بكون باب الحوار ما يزال مفتوحا في وجهها، دون أن يكشف عن موعد إجراء هذه الجولة الثانية من اللقاءات. العثماني الذي وجه تطميناته إلى المركزيات النقابية الغاضبة مما اعتبرته "إقصاء"، خلال رده على ملاحظات نواب ومستشاري الأمة بشأن البرنامج الحكومي المصادق عليه أول أمس الأربعاء، قال: "سنستقبل النقابات الأخرى، وهي لا تحمل صفة الأكثر تمثيلية، وسنعقد لقاء أوليا بيننا للتعارف وتبادل وجهات النظر"، قبل أن يضيف أن "أي قرار أو مشروع قانون ستسنه الحكومة، لا بد أن تكون استشارة المركزيات النقابية حاضرة وسنعطيها أهمية". وبعد أن انتقدت مركزية الاتحاد المغربي للشغل، في ردها على البرنامج الحكومي، عدم توجه الحكومة الحالية إلى المصادقة على كل الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالشغل، وعلى رأسها الاتفاقية 87 الخاصة بالحرية النقابية، وإلغاء الفصل 288 من القانون الجنائي الذي يتم بموجبه طرد المضربين عن العمل ومتابعتهم قضائيا، لم يفصل العثماني في هذه النقطة، واكتفى بالقول إن حكومته "تحترم الحريات النقابية"، مؤكدا في جزء آخر من مداخلته أن البرنامج الحكومي لم يتضمن جميع الإجراءات المفصلة بقدر إعلانه عن الخطوط العريضة التي ستعمل عليها الحكومة في السنوات الخمس المقبلة. وعلمت هسبريس من مصادر نقابية أن العثماني سيلتقي في الأيام القليلة القادمة وفدين نقابيين؛ الأول عن المنظمة الديمقراطية للشغل، والثاني عن الفدرالية الديمقراطية للشغل، لبناء علاقة جيدة مع هذين الإطارين اللذين وجها في مناسبات متعددة انتقادات شديدة اللهجة لطريقة سلفه، عبد الإله بنكيران، في تدبير الحوار الاجتماعي. وفي هذا الإطار، يرى علي لطفي، الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للشغل، أن الأولويات التي يجب أن يعالجها العثماني بعد أن حظيت حكومته بثقة البرلمان، هي أولا "مأسسة الحوار الاجتماعي الذي تعطل طيلة السنوات الخمس الماضية، ليصبح بذلك مستندا إلى منهجية واضحة للعمل، عبر لقاءات دورية تعقدها رئاسة الحكومة مع ممثلي المركزيات النقابية". وشدد المسؤول النقابي، في تصريح لهسبريس، على ضرورة تجميد مشروع إصلاح التقاعد بصيغته الحالية المنبثقة عن اللجنة الوطنية لإصلاح أنظمة التقاعد، وفتح حوار جديد مع جميع الأطراف المعنية على ضوء خلاصات عمل اللجنة البرلمانية لتقصي الحقائق بشأن هذه الأنظمة. ودعا لطفي إلى عدم اقتصار الحوار الاجتماعي على المركزيات النقابية و"الباطرونا" فقط، بل توسيعه ليشمل "ممثلي الحركات الاحتجاجية في الشارع، وعلى رأسهم المعطلون والأساتذة المتدربون والممرضون وغيرهم"، إضافة إلى "ممثلي المقاولات الصغرى والمتوسطة والناشئة التي تشكل 95 في المائة من النسيج الاقتصادي، والتي تفتقد إلى صوت لها بين أطراف الحوار الاجتماعي". من جهته، ركز عبد الحميد الفاتيحي، الكاتب العام للفدرالية الديمقراطية للشغل، على العلاقة المؤسساتية بين حكومة العثماني والمركزيات النقابية، وتساءل في تصريح لهسبريس: "نريد أن نعرف هل ستستمر الحكومة الحالية في الجمود نفسه الذي طبع الحوار الاجتماعي خلال الولاية الحكومية السابقة، أم إنها ستستأنف العلاقة الجيدة التي عرفتها الحكومة ما قبل الأخيرة بالنقابات؟". من جهة ثانية، شدد المتحدث على ضرورة "ابتعاد الحكومة عن وضع المركزيات النقابية في خانة الخصوم، ووضع حد للاتجاه الذي مضت فيه الحكومة السابقة حينما كانت تبخس العمل النقابي"، ودعا إلى إصدار إجراءات ملموسة في ما يتعلق بتفعيل الاتفاقات السابقة بين الحكومة والنقابات، ودعم القدرة الشرائية للمأجورين، والإصلاح الشمولي لأنظمة التقاعد.