توفيت الطفلة "إيديا" بداية شهر أبريل 2017، وقد فارقت الحياة بغرفة الإنعاش بالمستشفى الجامعي الحسن الثاني بفاس. وذكر والد الطفلة ايديا، إدريس فخر الدين، في تصريح خاص لموقع القناة الثانية (2M) الإلكتروني أنه "نقل ابنته إلى قسم المستعجلات بالمستشفى الإقليمي بتنغير على وجه السرعة، وأن طبيب المستشفى قام بمعاينتها وضمد جراح رأسها، لكن ونظرا لأن المستشفى لا يتوفر على جهاز "سكانير" للكشف عنها، اكتفى الطبيب بتقديم الإسعافات الأولية للطفلة وأخبرهم أنها تستطيع مغادرة المستشفى في نفس اليوم". وفي المقابل، صرح عبد الرحيم الشعيبي، المدير الجهوي للصحة بجهة درعة تافيلالت، لموقع القناة الثانية (2M) الإلكتروني أن "الطفلة استُقبلت من طرف طبيب المستعجلات بتنغير، وأمر بنقلها إلى الرشيدية على متن سيارة الإسعاف، وأنه وبعد وصول الطفلة إلى مستشفى الرشيدية، قام فريق طبي مكون من أربعة مختصين، في جراحة الأنف والحنجرة والعيون وجهاز التنفس ، بفحصها، فتبين أن إصابتها بليغة وتستدعي نقلها على وجه السرعة إلى فاس، وحدد مستشفى فاس يوم الاثنين على الساعة التاسعة صباحا موعدا لاستقبال الطفلة وفحصها دون أية مماطلة، لكن الأسرة تأخرت في نقل الضحية على الرغم من توفير سيارة إسعاف، ولم تقم الأسرة بنقلها إلى فاس إلى غاية يوم الثلاثاء، فالعائلة مسؤولة عن تدهور الحالة الصحية للطفلة، ولو أن عائلتها وافقت على نقلها في يوم الموعد الذي حدد لهم المستشفى ما كانت الأمور أن تؤول إلى هذه النتيجة المأساوية. فالوزارة لم ترتكب أي خطأ و الأسرة هي التي تأخرت في نقلها". (1). مناقشة المسؤولية المدنية للدولة عن وفاة الطفلة "إيديا" يمكن تأسيس مسؤولية الدولة عن تعويض الضرر اللاحق بالطفلة "إيديا" وذوي حقوقها على الفصل 31 من الدستور المغربي الذي ينص على ما يلي: "تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في: - العلاج والعناية الصحية. - الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية، والتضامن التعاضدي أو المنظم من لدن الدولة". كما يمكن تأسيس مسؤولية الدولة على الفصل 79 من قانون الالتزامات والعقود المغربي (ظهير 9 رمضان 1331 ه/ 12 أغسطس 1913)، وينص هذا الفصل على ما يلي: "الدولة والبلديات مسؤولة عن الأضرار الناتجة مباشرة عن تسيير إدارتها وعن الأخطاء المصلحية لمستخدميها". فمن خلال هذا الفصل، تُسأل الدولة، في رأي الأستاذ الدكتور زيد قدري الترجمان (زيد قدري الترجمان، "المسؤولية المدنية"، مطبعة الداودي، دمشق، 2007، ص 157)، "على أساس الخطأ المباشر faute de service public، وعليه يلزم على المضرور إثبات الضرر اللاحق به وأنه يرجع إلى سوء تنظيم المرفق أو تقصيره في أدائه واجبه، أي يرجع إلى إهمال الإدارة أو تقصيرها في تنظيم شؤون المرفق العام". (2). وفي هذا الصدد، ورد في حيثيات قرار الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) عدد 346 الصادر بتاريخ 16 نونبر 1979 ملف رقم 58186 (منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى بتاريخ 1981، ص: 28-36) ما يلي: "لكن من جهة حيث إنه بالرجوع إلى الفصل 79 المدعى خرقه نجده يقرر مسؤولية الدولة والبلديات في حالتين اثنتين: الأولى: إذا نتجت الأضرار مباشرة عن تسيير إدارتها؛ والثانية: إذا نتجت نتيجة أخطاء مصلحية ارتكبها مستخدموها". ويقول الأستاذ الدكتور أحمد ادريوش (في كتابه: "مسؤولية مرافق الصحة العمومية"، سلسلة المعرفة القانونية، الكتاب السابع، البوكيلي للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 1999): "تنص المادة الثامنة من القانون المحدث للمحاكم الإدارية على أن هذه المحاكم تختص بالبت في دعاوى التعويض عن الأضرار التي تسببها أعمال ونشاطات أشخاص القانون العام، فصيغة هذه المادة لا تتضمن أي إشارة لا من قريب ولا من بعيد لفكرة الخطأ بل إن موجب المسؤولية وفقا لهذا النص هو العمل الضار أو النشاط الضار". (3). وقد يدفع البعض بأن أسرة الطفلة "إيديا" هي التي تأخرت يوما كاملا في نقل الضحية إلى مستشفى فاس عبر سيارة الإسعاف، لكن هذا الدفع هو دفع ظني وليس يقينيا، فاليقيني هنا هو أن مستشفيات تنغير والرشيدية (وجهة درعة تافيلالت بصفة عامة) لا تتوفر على التجهيزات الضرورية التي تتطلبها الإصابات والأمراض الخطيرة، وإلا لما استدعى الأمر نقل الطفلة إلى مدينة فاس، أما الظني فهو كون وصول الطفلة إيديا صباح الإثنين إلى فاس –عبر سيارة الإسعاف- كان سينقذ حياتها. وحتى إذا ثبت تحمل أسرة الطفلة "إيديا" لجزء من المسؤولية عن الضرر الذي لحق الضحية (بسبب تأخرهم يوما كاملا في نقل ابنتهم إلى مستشفى فاس بسيارة الإسعاف)، فإن هذه الحالة تسمى في الفقه: "حالة الخطأ المشترك"، وبناء عليه، يتم تشطير المسؤولية بين الدولة وأسرة الضحية، فتتحمل الدولة جزءا من مبلغ التعويض عن الضرر وتتحمل أسرة الطفلة الضحية الجزء الآخر. كما قد يدفع البعض بأن الدولة لا مسؤولية لها في الضرر الذي لحق الطفلة "إيديا" لأن هذا الضرر ناشئ عن قوة قاهرة تتمثل في عدم مصادقة البرلمان على قانون المالية لسنة 2017 (بما يتضمنه من بنود الإيرادات ونفقات التسيير والاستثمار والتجهيز) مما نتج عنه التأخير في تعميم التجهيزات الضرورية على مستشفيات المملكة؛ فالفصل 95 من قانون الالتزامات والعقود ينص على ما يلي: "لا محل للمسؤولية المدنية في حالة الدفاع الشرعي، أو إذا كان الضرر قد نتج عن حادث فجائي أو قوة قاهرة لم يسبقها أو يصطحبها فعل يؤاخذ به المدعى عليه". لكن يمكن الرد على هذا الدفع بأن حالة القوة القاهرة غير قائمة في واقعة وفاة الطفلة "إيديا"، لأن من شروط قيام القوة القاهرة أن لا يكون بالإمكان توقعها، وأن لا يكون بالإمكان دفعها، إذ ينص الفصل 269 من قانون الالتزامات والعقود على ما يلي: "القوة القاهرة هي كل أمر لا يستطيع الإنسان أن يتوقعه كالظواهر الطبيعية (الفيضانات والجفاف، والعواصف والحرائق والجراد، وغارات العدو وفعل السلطة) ويكون من شأنه أن يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا. ولا يعتبر من قبيل القوة القاهرة الأمر الذي كان من الممكن دفعه، ما لم يقم المدين الدليل على أنه بذل كل العناية لدرئه عن نفسه"، وبقراءة الفصل 75 من الدستور الذي ينص على ما يلي: "إذا لم يتم في نهاية السنة المالية التصويت على قانون المالية أو لم يصدر الأمر بتنفيذه، بسبب إحالته إلى المحكمة الدستورية، تطبيقا للفصل 132 من الدستور، فإن الحكومة تفتح بمرسوم الاعتمادات اللازمة لسير المرافق العمومية، والقيام بالمهام المنوطة بها، على أساس ما هو مقترح في الميزانية المعروضة على الموافقة"، فإنه من الواضح أن الحكومة كان بإمكانها دفع القوة القاهرة (عدم مصادقة البرلمان على مشروع قانون المالية لسنة 2017) وذلك عن طريق فتح –بمرسوم- الاعتمادات اللازمة لسير المستشفيات العمومية في كافة أنحاء المملكة والقيام بمهامها المنوطة بها (تزويد المستشفيات بالأجهزة والمعدات اللازمة لمواجهة الحالات المستعجلة والخطيرة كحالات إصابات الرأس والنزيف). رحم الله الطفلة "إيديا" وأسكنها فسيح جناته. الهوامش: 1-الموقع الإلكتروني للقناة الثانية http://www.2m.ma. 2-زيد قدري الترجمان، "المسؤولية المدنية"، مطبعة الداودي، دمشق، 2007، ص 157. 3-أحمد ادريوش، "مسؤولية مرافق الصحة العمومية"، سلسلة المعرفة القانونية، الكتاب السابع، البوكيلي للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 1999، ص 38.