فقيه ومؤرخ تازي ينتمي إلى قبيلة جزناية الأمازيغية شمال تازة، وهي تعتبر جزءا من تجمع زناتة ، وقد نبغ في تلك القبيلة عدد من الشعراء والفقهاء وأبرزهم أبو العباس أحمد بن شعيب الطبيب الشاعر الذي اشتهر بقريظة الرقيق في الغزل خاصة تجاه جاريته صبح التي عبرعن حزنه العميق بعد رحيلها، وقد توفي بتونس سنة 749 هج، وهناك الفقيه الحيسوبي الناظم عمر الجزنائي الذي عاش خلال أواخر العصر الوطاسي، أما علي الجزنائي فيُكَنَّى أبا الحسن وقد عاش حسب الإخباريين في نفس فترة أوج الدولة المرينية ومعها ظهور تازا كمركز ثقافي هام، إلى جانب المواقع الأخرى كفاس ومراكش وسلا وأغماتوسجلماسة، وتحمل هذه الشخصية العلمية المنحدرة من ناحية تازة مجموعة مفارقات وغرائب، أولى تلك الغرائب أنه لم يُؤرَّخ له وهو المؤرِّخ لمسار مدينة فاس من خلال كتابه المفترض " جني زهرة الآس في بناء مدينة فاس " والذي حققه عبد الوهاب بن منصور، وسنعود إلى بعض من تلك الغرائب بعد أن نسلط على الرجل ما أمكن وما وصلنا عنه من أخبار ملتبسة . يرد في تلك الأخبارالقليلة أنه ذومكانة علمية رفيعة والدليل هو مرافقته لعدد من علماء وفضلاء عصره كأحمد بن عبد المنان وابن آجروم النحوي المشهوروالمؤرخ اسماعيل بن الاحمر، الإخباري الأندلسي الذي عاش ومات بفاس، وإذا كان هذا الأخيرقد ولد سنة 725 هج وتوفي سنة 807 هج فإن معاصره علي الجزنائي قد عاش إذن في نفس الفترة أو ما يقرب منها. بينما اقتصر عبد الله كنون في النبوغ على ذكره مع كتابه في فقرة كتب التراجم والتاريخ والجغرافية خلال العصر المريني وقال عنه " إنه من أهل القرن الثامن ( الهجري)" فهذا المؤرخ إذن لم يُؤَرَّخ له بشكل سليم يحفظ الأدنى من قيمته وموقعه بين الإخباريين ومؤرخي الفترة كابن خلدون وابن الأحمر وابن مرزوق وابن الخطيب . وجاء في أخباره أنه إلى جانب كونه مؤرخا فقد كان شاعرا غير أنه لم يصلنا شيء كثير من شعره، وبالنظر للمعايير الثقافية للفترة فقد كان فقيها أيضا شارك في الفتوى والإقراء وتطريز الحواشي على المدونة وغيرها من أمهات مصادر الفقه المالكي الذي ازدهر خلال العصر المريني . بقي أن نتحدث عن الكتاب الأساس المنسوب لهذا الرجل وهو " جني زهرة الآس في بناء مدينة فاس " ونلاحظ بدءا أن العنوان مسجوع على عادة عناوين المصنفات والمصادرومؤلفات القرون الوسطى وهي ظاهرة مطردة في الثقافة المغربية الكلاسيكية ولا نلحظها إلا نادرا في الشرق العربي خلال هذه الفترات ، ولا تتجاوز عدد صفحاته 117 صفحة من القطع المتوسط، والكتاب كما ذكرنا من تحقيق عبد الوهاب بن منصور، وهو مثلما يحيل عنوانه عبارة عن وصف وتقديم لأخبار تأسيس العاصمة الإدريسية وعدد من رجالاتها وبعض مرافقها الأساس كالمساجد والمدارس القصور والأحياء والقناطر وينقسم الكتاب إلى قسمين أو بابين : - الباب الأول : في ذكر من أسسها من الأدارسة الحسنيين وما جاء من الثناء عليها وعلى سكانها عن العلماء المرضيين . - الباب الثاني : في ذكر من أدارها بالأسواروزاد فيها الزيادات، وذكر جامعيها العتيقين وما انتهت إليه من الدور والأرحي والحمامات. هنا تأتي الغريبة الثانية بالنسبة لهذه الشخصية، فإذا كان من الطبيعي أن يدوِّن إخباري من العصر الوسيط مؤلَّفا حول بناء مدينة فاس و فيما يرجع لتاريخها، ويذكر معالمها والمواطن القريبة والبعيدة منها، فإنه من غير المنطقي أن يكون هذا الإخباري منحدرا من قبيلة ليست بعيدة كل البعد عن فاس ونقصد قبيلة جزناية ناحية تازة والتي لا تبعد إلا ب 120 كلم عن فاس، ولا يذكر أي شيء عن قبيلته أو عن مدينة تازة، والأغرب من هذا كله أن يتحدث المحقق عن تلمسان وتادلة والقيروان وماسة بسوس وشالة ووربة ولا يأتي على ذكر تازا والتي كانت أعرف من نار على علم وخاصة عبر علمائها وفضلائها ومدى مشاركتهم في الحياة الثقافية للعصر المريني الأوسط ( نفس عصر الجزنائي المؤرخ ) وهو الذي شهد باعتراف الباحثين والمؤرخين الثقات ازدهارا ملحوظا ساهمت فيه العديد من المراكز والحواضر ومنها تازة ( ما كتبه على سبيل المثال لا الحصر محمد حجي – الفقيه المنوني – عبد الهادي التازي – هنري تيراس – البوخصيبي – حسن عزوزي – ع الرحمان المودن وغيرهم كثير ) بل لم يذكر ( المحقق لا المؤلف ) تازا إلا في موضعين بالهامش : الأول عند حديثه عن تجمع صنهاجة غدو، حيث يقول ابن منصور في الصفحة 17 " وهي تابعة لقيادة كاف الغار بإقليم تازة " والموضع الثاني عند تعريفه في الصفحة 29 بابراهيم بن عبد الرحمان بن أبي يحيى التسولي التازي السفير لدى غرناطة والذي قام بتمييز الوجهاء والشرفاء وتقديم أعدادهم وأوضاعهم للسلطان المريني أبي الحسن، وعلى هذا النحو نُطرح العديد من علامات الاستفهام حول هذا الكتاب وصاحبه وطريقة تحقيقه ( عن المطبعة الملكية ط 2 سنة 1991) لأننا في الواقع إزاء مفارقة منهجية ومعرفية غير مستساغة أمام أي باحث ولو مبتدئ في مجال تاريخ وأعلام المغرب ومعه المناطق المغربية المختلفة . الغريبة الثالثة ولربما لن تكون الأخيرة، تتمثل في الكتاب الثمين المعروف عند العديدين والذي هو في حكم المفقود ونعني به " تقريب المفازة في تاريخ مدينة تازة " والذي يقول حوله العلامة عبد السلام بن سودة في دليل مؤرخ المغرب الأقصى " لم أدر مؤلفه ذكر لي بعضهم أنه لأبي الحسن علي الجزنائي أصلا الفاسي دارا من رجال المائة الثامنة كان حيا سنة 766 هج موافق 1364 م صاحب " زهرة الآس " ومن جهتي لا أستبعد أن يكون هذا الكتاب التاريخي الضائع حول تازة لأبي الحسن الجزنائي فعلا، أولا لانتسابه إلى منطقة تازا ويستحيل ألا يكتب عنها كما قلنا ولو الشيء القليل وثانيا بحكم ظهور تازة نفسها على مسرح الأحداث والحركة الثقافية خلال هذه الفترة مثلما ذكرنا ومرة أخرى وأخيرة فيستحيل الأمر أمام مؤرخ أخبر عن مدينة فاس ولم يخبر عن أقرب موقع تاريخي وثقافي له ولأسرته وهو تازة والناحية أما كيف فُقِد هذا الكتاب وفي أي زمن فالله تعالى وحده يعلم هذا المصير . يبقى لكتاب الجزنائي قيمة تاريخية لا يرقى إليها الشك وقد حاول بعضهم كابن تاويت التطواني تقريضه من الناحية الأدبية بما طبعه من سجع غير متكلف واقتباس من النص القرآني واستغلال لقواعد الفقه واستعمال التكرار والترادف والاستشهاد بالأبيات الشعرية لبعض معاصريه (وفيهم أناس مغمورون ) أما شعره فأقرب إلى النظم العادي منه إلى الشعر الجيد المطبوع. من نصوص الجزنائي التاريخية : " ...وهذا الإقليم – يقصد بلاد البربر- عند الحكماء كريمُ البقعة، طيب التربة، مُخصِبُ القاعة، كثير العيون والأنهار العذاب، قليل الهوام ذوات السموم، معتدل الهواء في الفصول الأربعة على قدر متقارب من الاعتدال، تتصل فوائده وفواكهه في كل الأزمنة . وأما حكم أرضه فقال أبو الحسن القابسي في شرح موطأ مالك رحمه الله من كتاب الجهاد : اختلف الناس في أرض المغرب هل افتُتِحت عنوةً أو صلحا أو مختلطة على ثلاثة أقوال : الأول الذي يظهر من رواية ابن القاسم عن مالك أنها فُتحت بالسيف عنوة لأنه جعل في المعادن النظرَ للإمام، ولو صح ذلك لم يُجزلأحد بيع شيء منها كأرض مصر وطنجة لأنها افتتحت بالسيف، الثاني قيل صلحا صالحوا عليها أهلَها فإن كان كذلك جاز بيع بعضهم من بعض، الثالث قيل إنها مختلطة هرب بعضهم عن بعض فتركوها، فمن بقي بيده شيء كان له، وهو الصحيح والله أعلم " مقتبس من كتاب " جني زهرة الآس في بناء مدينة فاس " علي الجزنائي ص 6 - 7 تحق ، عبد الوهاب بن منصور. " أما عدوة الأندلس فإنها اُسِّست في يوم الخميس مستهل شهر ربيع الأول سنة اثنتين وتسعين ومئة، أقام الإمام إدريس منها بالموضع المعروف بجرواوة حيث نزل بأخبيته وقِبابه، وابتدأ سورها من جهة القبلة وفتح هناك بابا سماه بباب القبلة ثم مر بين الموضع المعروف الفوارة وموضع زيتون ابن عطية وفتح هناك بابا سماه بباب الفوارة ثم مر بالسور على الموضع المعروف بالمخفية إلى الوادي الكبير إلى برزخ وفتح هناك بابا سماه بباب المخفية كان يقابل باب الفرَج من عدوة القرويين " " جني زهرة الآس ....." ص 24 . " وقد بالغ مولانا أبو الحسن رحمه الله في الإحسان لجميع الشرفاء القُرَباء منهم والبُعداء، وبعث قاضي حضرته الأشهر وعالمه الأكبرإبراهيم بن عبد الرحمان بن أبي يحيى ( التسولي التازي ) رحمه الله تعالى لسائر بلاده مميِّزا لأعيانهم، ومختبِرا لأنسابهم حتى ثَلَج صدره لصميم نسبهم، وصريح حسبهم، واقتدا مولانا المستعين رحمه الله بأبيه المرحوم في بِرِّهم والأنس بقربهم، فنمَّى جرايتهم وقرَّب مكانتهم وقضى حاجتهم، وعلا منازلهم وراعى وسائلهم، وأجرى لهم الأرزاق السنية، وتعهدهم بالصلات المرضية واختار لهم أقربَهم نسبا، وأطهرهم أما وابا، وأنضرهم عودا وأطولهم عمودا، وأجودهم جودا، وأكرمهم جدودا وقدمه رئيسا عليهم ومختبراإليهم وفوض له في أمورهم، صونا لكبير قدرهم " " جني زهرة الآس....." ص 29 .