جلسة حكي جماعية، عبر الفضاء الإلكتروني، توصف الروايات الواردة فيها ب"المخجلة" عن أول واقعة تحرش تعرضت لها مصريات بالشوارع والميادين العامة، عبر هاشتاغ (وسم) على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك. وقررت فتيات وسيدات فتح خزانة أسرارهن وسرد ما وقع لهن من حالات تحرش عبر هاشتاغ "#أول_محاولة_تحرش_كان_عمري" بهدف وقف التحرش الجنسي بالأطفال والنساء في مصر. وجاءت فكرة الهاشتاغ الذي لاقى تفاعلا كبيرا من قبل المدونين والنشطاء بعد واقعة تحرش جماعي ﻹحدى الفتيات بمدينة الزقازيق (بدلتا النيل شمالي مصر) تجمع عشرات الشباب حولها مؤخرا ولم يتركوها إلا بعد مطاردة الشرطة لهم. كما تأتي الفكرة كذلك بعد واقعة اغتصاب رضيعة، لم تتجاوز العامين، على يد عامل، شمالي مصر، نهاية الشهر الماضي، أثارت الرأي العام الذي طالب بإعدام الجاني. الحكايات التي قصتها المتحرش بهن، عبر صفحاتهن على "فيسبوك" جاءت "قاسية" فدائما ما كان الجاني أحد كبار السن أو قريب للفتاة، حتى أن بعض الرجال الذين تفاعلوا مع الهاشتاغ أبدوا تعاطفا معهن واصفين رواياتهن ب "المرعبة". واتفقت رواياتهن عن حوادث العنف الجنسي الموجهة للأطفال مع دراسة حديثة صادرة عن المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية (حكومي) بأن 85% من ضحايا العنف الجنسي بمصر أطفال. ووفقا لتقديرات المجلس القومي لحقوق المرأة (حكومي) فإنه في مصر لا يمر يوم إلا وتتعرض 70% من النسوة للتحرش الجنسي في الشوارع. تروى "ندى حمدي" أول واقعة تحرش تعرضت والتي كانت على يد ابن عمها، الذي يكبرها ب24 سنة، لافتة إلى أنه منذ هذا اليوم ولم تتوقف حوادث التحرش التي تتعرض لها. وتضيف أن الواقعة الثانية، حدثت وهي في العاشرة من عمرها، من أحد جيرانها وصديق والدها البالغ من العمر 55 عامًا، ومرة أخرى من زوج أمها وكانت لا تزال طفلة، وتختم تدوينتها قائلة: "سيب القوس مفتوح" في إشارة لتكرار التعديات عليها. الوقائع الواردة، على فيسبوك - لم يتسن للأناضول التأكد منها- تحمل في طياتها تفاصيل أكثر مأساوية، فبحسب ما قالته فاطمة جمال، كانت أول واقعة تحرش وهي في التاسعة من عمرها، وكان المتحرش في العشرينيات. تقول: "قررت التعامل مع الأمر وأبلغت أسرتي إلا أنهم اتهموني باختلاق قصص". ربما يكون التحرش أقبح إذا قام به المعلم، هكذا قالت رشا شاهين: "كنت حوالي 12 سنة وكنت أرتدي بنطالا ضيقا من الجينز" وكان يأتي للمنزل معلم عجوز بحسب رشا تحرش بها مرارا "حتى صرخت فيه وحضرت والدتي وطلبت منه عدم تكرار الأمر". وكان لبعض المشاهير روايات مع التحرش شاركوها، فروت الكاتبة الصحفية ياسمين الخطيب، أول حادثة تحرش حدثت معها عبر حسابها على فيسبوك الذي يتابعه 378 ألف شخص، ودعت الفتيات للتفاعل مع الوسم، لمواجهة هذه الظاهرة. وتقول إن أول واقعة تحرش حدثت معها كانت على يد طبيب، "وتوالت المحاولات من يومها ومعظمها كانت من أطباء بمستشفيات خاصة". وغلظت مصر في عام 2014، العقوبة على جريمة التحرش الجنسي لتصل إلى الحبس 6 أشهر وغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف جنيه (165 دولارًا)، ولا تزيد على خمسة آلاف جنيه (277 دولارًا أمريكيا). كما توسع القانون في تعريف جريمة التحرش ليشمل "كل من تعرض للغير في مكان عام أو خاص أو مطروق بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية سواء بالإشارة أو بالقول أو بالفعل بأية وسيلة، بما في ذلك وسائل الاتصالات السلكية أو اللاسلكية". وعن الآثار النفسية التي يمكن أن تحدث بسبب التحرش يقول استشاري الطب النفسي، المصري، جمال فرويز، إن الفتيات اللاتي يتعرضن للتحرش، يمكن أن يصبن بحالات اكتئاب لحظية إذا كان الأمر مجرد كلمة. ويضيف ل"الأناضول" أن النساء اللاتي يتعرضن لحالات تحرش أو عنف جنسي قاسٍ، يصبن بحالات هلع دائم أو ما يمكن تسميته بأعراض ما بعد الصدمة، "فلو تعرضت سيدة للتحرش وهي تسير بأحد الشوارع من شخص يقود دراجة نارية مثلا، من الوارد أن تشعر بالخوف وتصدر حركات غير إرادية كلما مرت بجوارها دراجة". ويشير استشاري الطب النفسي إلى أنه يمكن أن تدخل بعض الفتيات اللاتي يتعرضن لحالات وقائع عنف جنسي قاسية لحالة من البكاء الهستيري أو التبول اللاإرادي. ورغم تكرار حوادث العنف الجنسي بمصر، إلا أن فرويز، يرفض وصفها بالظاهرة، مشيرا إلى أن الحكم على فعل بأنه ظاهرة يجب أن يكون ربع المجتمع يفعله بشكل معتاد. ويرجع الخبير في الطب النفسي، تكرار مثل هذه الحوادث لغياب الوازع الديني، والانهيار الأخلاقي، والثقافي، إضافة لتنامي بعض الأفكار المتطرفة بالمجتمع التي تحرم كل شيء. ويشير إلى أن بعض وسائل الإعلام تساهم في انتشار مثل هذه الحوادث السلبية، من خلال تقديم رسائل إعلامية هابطة، تساعد على نشر الأفكار المنحرفة بين الشباب المصريين. وتتفق معه سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس (حكومية) في أن وسائل الإعلام هي السبب الرئيسي في انتشار التحرش الجنسي بشوارع مصر. وتقول ل" الأناضول" إنه منذ ما يقرب من 20 عامًا تقريبا، لم يقدم في الإعلام المصري على اختلاف قنواته برنامج تعليمي أو تربوي ناجح، ولم يقدم أي عمل فني يعلي من قيم الأخلاق. وتضيف أن المؤسسات المعنية برعاية الأطفال والمرأة بمصر لا تقوم بدورها على النحو الكامل، فلم يتدخل البرلمان لوقف أي برنامج أو عمل فني مسيء للمرأة، أو يضر بالأسرة المصرية، رغم وجود 90 امرأة ضمن أعضاء البرلمان المصري من أصل 596. وتشير إلى أن المجلس القومي للمرأة (حكومي) والقومي للطفولة والأمومة (حكومي) أيضا لا يعملان بشكل جيد في الملفات المتعلقة بمكافحة التحرش، والعنف الجنسي الذي تتعرض له السيدات والفتيات. وتوضح خضر أن أساليب مواجهة مثل هذه الظواهر تكمن في اهتمام الأسر ببناتها وألا تترك الأم ابنتها في الشارع وحدها، طالما أنها لا تستطيع الدفاع عن نفسها، وعمل حملات توعية مكثفة تشارك فيها كل المؤسسات المعنية، والرقابة على الرسالة الإعلامية التي تبث في الإعلام المصري. *وكالة الأنباء الأناضول