انطوت مرحلة عبد الإله بنكيران بعد تبادل السلط بينه وبين سعد الدين العثماني الذي يترأس حكومة تشكلت بإرادة ملكية وليس بإرادة حزبية في سياق سياسي مأزوم انبطحت فيه الأحزاب بشكل رهيب، أفقدها الكثير من المناعة والاستقلالية والمصداقية بعد ربط هذه الأحزاب سقف مطالبها بالمشاركة في حكومة العثماني ولو على حساب مناضليها وأجهزتها ومرجعيات أيديولوجياتها. كان منتظرا أن تكون ولادة حكومة العثماني قيصرية، وأن تعرف جل الأحزاب المشاركة فيها هزات داخلية؛ الأمر الذي سيجعل حكومة العثماني والأحزاب المشكلة لها تواجه تحديات داخلية وأخرى خارجية. إذا، ما هي أهم تحديات حكومة العثماني؟ وما هي أصعب مهامها؟ وهل هذه المهام مستحيلة إذا ما توفرت الإرادات؛ وفي مقدمتها ترك رئيس الحكومة يمارس مهامه الدستورية كرئيس للسلطة التنفيذية والسلطة التنظيمية، دون أية رقابة أو وصاية أو ضغوطات؟ وهل سينجح العثماني في مهامه دون دعم حزب العدالة والتنمية وانسجام فريقه الحكومي؟ قبل الإجابة، نؤكد أن حكومة العثماني ستعرف نوعين من التحديات والمهام الصعبة: تحديات ذاتية وتحديات موضوعية. أولا- تحديات ذاتية كيفية مواجهة التصدعات الداخلية لجل الأحزاب المشاركة في الحكومة، ونقصد بها تلك التصدعات التي أصابت الأحزاب سواء قبل تشكيل الحكومة أو أثناءها أو بعد تشكيلها، تجلت في ردود الفعل السلبية لجل أجهزة وهياكل ومناضلي الأحزاب المشاركة في الحكومة وعلى رأسها: حزب رئيس الحكومة السيد العثماني الذي يواجه موجات من السخط والنقد اللاذع من لدن قياديي وأجهزة حزب العدالة والتنمية، لقبول مشاركة الاتحاد الاشتراكي ولفتيت وزيرا للداخلية في حكومته؛ وهو ما جعل مستقبل "البيجيدي" يبقى مفتوحا على كل الاحتمالات. وتدل كل المؤشرات أن حزب العدالة والتنمية قبل 5 أبريل 2017 لن يكون هو حزب العدالة والتنمية ما بعد 5 أبريل 2017، وأن وضعية "البيجيدي" في عهد بنكيران لن تكون الوضعية نفسها لل"بيجيدي" في عهد العثماني، وبأن التكلفة السياسية ستكون مكلفة للحزب في انتخابات 2021 . التصدعات التي عرفها الاتحاد والمتمثلة في ردود الفعل الساخطة ضد إدريس لشكر وكيفية تدبيره لمفاوضات الاستوزار ولمعايير اختياره للوزراء المعينين في حكومة العثماني. والأكيد أن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية قبل 5 أبريل 2017 لن يكون هو الحزب نفسه ما بعد 5 أبريل وسيمر بوضعية صعبة، وهذا ما جسده بلاغ مجموعة من أعضاء المكتب السياسي الذين انتفضوا ضد منهجية لشكر بخصوص تدبير شؤون الحزب. ج- الموقف الرافض لبعض أعضاء المكتب السياسي لحزب الحركة الشعبية لإسقاط وزيرين على الحزب، دون استشارة لعنصر أعضاء المكتب السياسي؛ وهو الأمر الذي خلق تذمرا وسخطا كبيرين عند مناضلي وأجهزة الحزب بالإضافة إلى القيادات الساخطة على آليات اختيار الأمين العام لوزراء الحركة الشعبية في تشكيلة حكومة العثماني، خصوصا أن الكثير من الحركيين فهموا رسالة تعيين محمد حصاد، وزير الداخلية السابق، ضمن الفريق الوزاري للحركة الشعبية في حكومة العثماني . ح- ردود الفعل الساخطة داخل صفوف حزب الاتحاد الدستوري على الأمين العام ساجد الذي خرج منهزما في مفاوضاته في تشكيلة الحكومة؛ وهو ما جعل بعض القيادات داخل الاتحاد تطالب برأسه. ضرورة خلق جو من الثقة والاحترام والانسجام بين أحزاب الأغلبية الحكومية، حيث يتفق العديد من الباحثين على أن أكبر خطر يهدد الحكومة هو مدى نجاح رئيس الحكومة في تثبيت جو من الثقة والاحترام والانسجام بين مكوناتها ومدى قدرته القطع مع ثقافة التوافق والإرضاءات التي تحمل بين طياتها عدة مخاطر تفرض على رئيس الحكومة الانشغال بتدبير أزمات أغلبيته الحكومية للحفاظ على استمرار حكومته على حساب الانشغال كيفية تفعيل البرنامج الحكومي. كيفية تأمين رئيس الحكومة الانسجام بين الأغلبية الحكومية وبين الأغلبية البرلمانية في ظل تدمر عدد من البرلمانيين من زعمائهم من جهة، وفي ظل الحروب الإعلامية التي انطلقت مباشرة بعد تشكيل الحكومة بين الاتحاد الاشتراكي و"البيجيدي" وبين "البيجيدي" والتجمع من جهة أخرى. مدى قدرة رئيس الحكومة حماية "البيجيدي" من صدامه المرتقب مع وزير الداخلية، الذي تقول عدة مصادر إنه فرض على العثماني وبأن مهمته الأساسية هي وضع حد لشعبية "البيجيدي"، خصوصا بعد رحيل بنكيران من قيادة الحزب. ثانيا- تحديات موضوعية كيفية ممارسة رئيس الحكومة السلطة التنفيذية من أهم التحديات التي ستواجه رئيس الحكومة كيفية ممارسته مهامه الدستورية، وهل سيمارسها كاملة وبكيفية صارمة؟ أم أنه سينبطح ويترك قوى خارجية تمارس صلاحياته وتتخذ القرارات مكانه من جهة، ومن جهة أخرى ما هو شكل ومضمون البرنامج الحكومي الذي سيعرضه أمام مجلسي البرلمان مجتمعين وآليات تطبيقه- ف 88 – هذا البرنامج الذي يجب أن يتضمن الخطوط الرئيسية للعمل الذي تنوي الحكومة القيام بها في مختلف مجالات النشاط الوطني، وبالأخص في ميادين السياسة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية والخارجية؛ وهو البرنامج الذي على أساسه تعتبر الحكومة منصبة بعد حصولها على ثقة مجلس النواب بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم، لصالح برنامج الحكومة. وعليه، فكل الانظار تتجه نحو رئيس الحكومة وكيفية ممارسة صلاحياته الدستورية ومدى استقلاليته في اتخاذ القرارات دون الخوف من أي تحكم أو ضغوطات أو تعليمات أو الانبطاح أمام أي جهة أو أي قوى. كيفية تنفيذ رئيس الحكومة البرنامج الحكومي نص الفصل 89 من الدستور على أن تمارس الحكومة السلطة التنفيذية وتعمل تحت سلطة رئيسها لتنفيذ البرنامج الحكومي، ولضمان تنفيذ القوانين والإشراف والوصاية على الإدارات والمؤسسات والمقاولات العمومية، وعلى هذا المستوى يتحمل رئيس الحكومة مسؤولية كبرى في كيفية تنفيذ البرنامج الحكومي وكيفية ممارسة سلطته على كافة وزراءه؛ لكن السؤال الذي يطرح هنا هل يستطيع العثماني ممارسة هاته السلط على كل الوزراء، خصوصا وزراء الداخلية والتعليم ووزراء القطب المالي أي الوزراء المنتمين إلى التجمع الوطني للأحرار؟ ونشير بالمناسبة إلى أنه من أصعب التحديات التي قد تواجه رئيس الحكومة العثماني، هو موضوع البرنامج الحكومي الذي طالب ملك البلاد في خطاب داكار أن يكون واضحا ومقنعا؛ لكن السؤال الذي يطرح –هنا- كيف سيخرج العثماني البرنامج الحكومي من بين 6 برامج حزبية مختلفة إيديولوجيا ومتباعدة فكريا وغير منسجمة سياسيا عرفت قبل الانتخابات وبعدها وقبل تشكيل الحكومة وبعدها مواجهات إعلامية واتهامات وصلت -في بعض الأحيان- إلى التخوين وخدمة اجندات خارجية؟ وهل هناك فعالية حكومية دون انسجام مكوناتها وتوفر إرادة التخلص من الحواجز الإيديولوجية والفكرية التي قد تعرقل أي أجراة للبرنامج الحكومي؟ كيفية ممارسة رئيس الحكومة السلطة التنظيمية منح الدستور في الفصل 90 منه سلطة تنظيمية لرئيس الحكومة، وينتظر الجميع كيفية ممارسة العثماني لهذه السلطة وعلى أي أسس وهل باستطاعته ممارسة سلطته التنظيمية على كل الوزراء في ظل وجود وزراء أقوياء لن يقبلوا لوصاية رئيس الحكومة عليهم لتبعيتهم لقوى نافذة في السلطة. كيفية ممارسة رئيس الحكومة سلطة التعيين في المناصب العليا وفق الفصل 91 أصبح لرئيس الحكومة سلطة التعيين في الوظائف المدنية في الإدارات العمومية، وفي الوظائف السامية وفي المؤسسات والمقاولات العمومية، دون إخلال بأحكام الفصل 49 من هذا الدستور؛ لكن السؤال الذي يطرح -هنا-هل سيلتزم العثماني بمعايير وبمبادئ تكافؤ الفرص والاستحقاق والكفاءة والشفافية بين المرشحين أم أنه يخضع ذلك للمعايير الحزبية والتوافقية وترضية بعض الجهات النافذة؟ من القطاعات التي ستجلب الأنظار هو كيفية تدبير رئيس الحكومة قطاع السياسات العمومية التي تدخل تحت سلطته وفق الفصل 92 من الدستور والقضايا الراهنة المرتبطة بحقوق الإنسان وبالنظام العام في وقت يمر فيه المغرب بأزمة اجتماعية واقتصادية صعبة من حيث انكماش النمو الاقتصادي؛ وهو ما جعل المغرب يحتل الرتبة الأخيرة من بين 141 دولة شملها الشق بمؤشر الرأسمال الاجتماعي الذي يركز على الأمن والصحة ومستوى المعيشة، لذلك ينتظر الرأي العام مشروع قانون المالية ليتأكد هل حكومة العثماني حكومة تجدد أن حكومة استمرار لسياسات الحكومات السابقة التي اكتوى المواطن بسياساتها اللاشعبية. كيفية تدبير رئيس الحكومة السياسات العمومية والسياسات القطاعية برهنت تشكيلة حكومة العثماني على تضخم في الحقائب الوزارية وتداخلها؛ بل إن بعض القطاعات التي أدمجت في أكثر من وزارة أكدت على فشل رئيس الحكومة في الضبط المنطقي لتحديد القطاعات. وإن المتأمل في هذه القطاعات الحكومية سيقف على عدة اختلالات في مهام بعض الاختصاصات، والتي من الممكن التأثير السلبي على الأداء السليم للمهام، خصوصا لكتاب الدولة. كيفية تنفيذ وزراء حكومة العثماني السياسة الحكومية تتجه الأنظار إلى طاقم حكومة العثماني المشكلة من 39 عضوا من بينهم 20 وزيرا و6 وزراء منتدبين، و13 كتاب دولة وكيفية ممارسة هؤلاء الأعضاء مهامهم الحكومية المتعلقة بتنفيذ السياسة الحكومية في كل القطاعات - الفصل93- وكيفية قيامهم بأداء المهام المسندة إليهم من قبل رئيس الحكومة في اطار التضامن الحكومي، خصوصا أن تشكيل حكومة بمنطق 39 عضوا عدد ضخم يمكن وصفه بأحد المخاطر المهددة للحكومة لكونه يعتبر بلقنة داخلية؛ لأنه غير خاضع لأي منطق موضوعي غير منطق إرضاء الأحزاب الستة المكونة للحكومة. إن أعضاء الحكومة أمامهم مسؤولية كبرى في الالتزام بتنفيذ البرنامج الحكومي، وعلى رئيس الحكومة في إطار سلطته أن يفرض على تشكيلته أن تكون حكومة فعالة ومنسجمة، تتلاءم مع البرنامج والأسبقيات بكفاءات مؤهلة، باختصاصات قطاعية مضبوطة وفق ما جاء في الخطاب الملكي بداكار. خلاصة بغض النظر عن التحديات الذاتية والموضوعية التي ستواجه حكومة العثماني، هناك عدة أسئلة تطرح منها: إلى أي حد تشكلت حكومة العثماني وفق ما نص عليه الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى 41 المسيرة الخضراء الذي حدد أسس خارطة الطريق للحكومة؛ وهي: أولا أن لا يكون تشكيل الحكومة مسالة حسابية كتقسيم لغنيمة انتخابية؛ ثانيا أن يكون لها برنامج واضح؛ ثالثا أن تستند في هيكلتها على كفاءات مؤهلة؛ رابعا أن تكون الحكومة جادة ومسؤولة؛ خامسا أن تكون في مستوى هذه المرحلة الحاسمة"؛ سادسا أن تكون في مستوى التحديات المطروحة؛ سابعا أن لا تخذل الحكومة انتظارات الشعب وأن يغلب فكر مكوناتها منطق الولاء للشعب وللوطن. لذلك، نقول إلى أيّ حد سينجح العثماني في طي مرحلة بنكيران بسياسة عمومية شعبية تعيد الثقة إلى المواطن في الأحزاب والحكومة والدولة بعد أن عانى كثيرا من زمن سياسي ردئ وعبثي أساء كثيرا إلى دستور 2011. *جامعة محمد الخامس