يتفق المسلمون والمسيحيون على أن المسيح كلمة الله يقول القرآن: "إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ" (النساء 171). هنا، يدعى المسيح "كلمته"، والهاء تعود على الله طبعا. ثم في آية أخرى نجده يقول: "إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ" (آل عمران 45)، هنا دعي المسيح "كلمة منه"، والهاء أيضا تعود على الله، فالمسيح إذن كلمة الله وكلمة من الله. وفي الحديث أيضا نجد تصريحا مباشرا بأن المسيح كلمة الله، حيث يقول في حديث الشفاعة أن الناس يأتون نبي الله موسى ليطلبوا الشفاعة منه فَيَقُولُ: لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ، اذْهَبُوا إِلَى عِيسَى، كَلِمَةِ اللَّهِ وَرُوحِهِ (صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها). وفي الإنجيل، نجد أيضا أن المسيح هو كلمة الله. يقول الإنجيل برواية يوحنا: "فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ الله" (إنجيل يوحنا 1 الآية 1)، ثم يقول أيضا: "وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا (يعني الكلمة تجسد في شخص المسيح) وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ (إنجيل يوحنا 1 آية 14). دعنا، الآن، نتجاوز فكرة أن الكلمة هو الله. ونركز فقط على مسألة الاتفاق بين القرآن والإنجيل على أن المسيح هو كلمة الله. السؤال المهم: ما معنى المسيح كلمة الله؟ لا يفسر لنا القرآن معنى كون المسيح كلمة الله، ولذلك احتار المفسرون المسلمون في معناها: قال البعض عن الكلمة هي: بشرى الله مريم بعيسى ألقاها إليها (تفسير الطبري للنساء 171)؛ البعض الآخر قال لأنه خلق بكلمة "كن" سمي كلمة الله: عن قتادة قوله (بكلمة منه) قال: قوله "كن" فسماه الله عز وجل كلمته، لأنه كان عن كلمته (تفسير الطبري لسورة آل عمران الآية 45) تفسير ابن كثير يؤكد المعنى نفسه: "يكون وجوده بكلمة من الله، أي يقول له: كن فيكون، وهذا تفسير قوله (مصدقا بكلمة من الله) كما ذكره الجمهور. (تفسير ابن كثير آل عمران 39). وفي تفسير اللباب في علوم الكتاب لمؤلفه بن عادل يقول: وسمي عيسى عليه السلام كلمة قيل: لأنه خلق بكلمة من الله "كن فيكون" من غير واسطة أب فسمي لهذا كلمة. (اللباب في علوم الكتاب ص 2916). هذان المعنيان مرفوضان تماما للأسباب الآتية: لو كان المسيح قد سُمي كلمة الله بسبب بُشرى الله لمريم وكان معنى "كلمة الله" هي بشرى الله فإن أنبياء آخرين تمت البشرى بهم ولم يتم إطلاق لقب كلمة الله عليهم، فها هو إبراهيم يبشره الله بإسحاق، حيث يقول القرآن "وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ" (الصافات 112). ومع ذلك لا نقول عن إسحاق أنه كلمة الله، ولا يمكن لأي مسلم أن يدعي ذلك فهذا لقب خاص بالمسيح وحده ولا شخص غيره. كذلك نجد أن زكريا نادته الملائكة "وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى" (آل عمران 39). ومع ذلك لم يطلق على يحيى لقب كلمة الله. ومن ثمّ، لا يمكن أن يكون معنى كلمة الله أنها بشرى من الله. المعنى الثاني مرفوض أيضا لأن آدم مثلا خلق بكلمة "كن"، ولا نسمي آدم كلمة الله، وأول خنزير خلق في البداية بكلمة "كن" فهل نسمي الخنزير كلمة الله؟ الشيطان أيضا خلق في البداية بكلمة "كن" فهل يمكن أن نقول عن الشيطان أنه كلمة الله؟ لا يمكن، وبالتالي يستحيل أن يكون معنى كلمة الله أنه مخلوق بكلمة كن، لأن العالم كله وجد بكلمة كن كما يصرح بذلك القرآن "بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ" (البقرة 117) فهل الأرض كلمة الله؟ هل السموات كلمة الله؟ لو كان معنى كلمة الله هو المخلوق بكلمة كن لكان العالم كله يسمى كلمة الله لأنه خلق بكلمة بكن، لكننا نجد أن المسيح وحده فقط يدعى كلمة الله ولا أحد غيره على الإطلاق. ما هو معنى كلمة الله، إذن؟ الإنجيل سبق القرآن وتحدث عن المسيح ك"كلمة الله"، وبما أن الإنجيل سابق للقرآن فمن غير المعقول أن نقول أن الأصل عربي فاللاحق يأخذ من السابق، فأصل الكلمة يوناني، وهو اللوغوس Λούος وهو يعني العقل والكلام ومن هذه الكلمة اشتقت العديد من المرادفات اليوم: المنطق اشتق من هذه الكلمة، ولذلك نسميه لوجيك Logic من اللوغوس؛ العلم اشتق من هذه الكلمة ولذلك نجد في نهاية الكثير من المجالات كلمة "لوجيا" مثل الجيولوجيا، التكنولوجيا، البيولوجيا، الفزيولوجيا إلخ، وهي تعني علم فعلم الأحياء يسمى بيو لوجيا وهكذا. وعند الفلاسفة اليونان كان اللوغوس يعني العقل الكوني، حيث تقول الموسوعة البريطانية مثلا: "اللوغوس في علم اللاهوت وفي الفلسفة اليونانية يعني المنطق الإلهي الموجود ضمنا في الكون، ينظمه ويعطيه شكلا ومعنى" (الموسوعة البريطانية Logos). فهذا المنطق أو العلم الإلهي أو الكلام الإلهي نفسه تجسد وأخذ صورة بشرية وصار اسمه المسيح. ولذلك، نجعل الكلمة مذكرا وليس مؤنثا، نقول كلمة الله اسمه المسيح وليس اسمها المسيح، فالكلمة اسم لشخص. وبناء عليه، خاطب الإنجيل الناس حينها بالمفهوم الفلسفي اليوناني الذي كان سائدا بينهم، وكأنه يقول لهم: هذا اللوغوس الإلهي، هذا العقل الإلهي المنظم للكون صار جسدا وحل بيننا وهو المسيح نفسه؛ فالمسيح هو كلمة "كن" نفسها هو المنطق والكلام الإلهي الذي خلقت به كل الكائنات، وهذا المعنى تؤكده اللغة اليونانية والفلسفة اليونانية أيضا. لذلك، يؤكد الإنجيل هذه الحقيقة: فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ... كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ.... وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ (إنجيل يوحنا الإصحاح الأول / الآيات 1 و3 و14). من غير المعقول أن يكون كلمة الله مستحدثا فكلمة الله أزلية بأزلية الله، هل يعقل أن يكون الله موجودا بدون كلمته؟ لذلك، قال الإنجيل "في البدء كان الكلمة" يعني هو البدء لا شيء قبله، وبما أن الكلمة هو الكلام الإلهي نفسه وهو المنطق الإلهي نفسه فمن غير المعقول أن يكون مخلوقا، فكلمة كن تَخلق وليست مخلوقة، كذلك الكلمة خالق وليس مخلوقا، والمنطق الإلهي خالق وليس بمخلوق، والعلم الإلهي خالق وليس بمخلوق، ولذلك قال الإنجيل: "وكان الكلمة الله" إذن بمجرد أن يقول المسلم أن المسيح هو كلمة الله فهو في الحقيقة يقول عنه أنه خالق الكون وأنه هو الله نفسه، ولا تفسير آخر لمعنى كلمة الله. المسيح هو الشخص الوحيد الذي سمي كلمة الله، فهل يعقل أن يُدعى المسيحيون مشركين لمجرد أنهم قالوا إن الكلمة الأزلي خالق وليس بمخلوق؟ *إعلامي مسيحي مغربي