أجواء حماسية ومهيبة في الوقت نفسه عاشها فضاء المسرح الوطنيّ محمد الخامس، مساء اليوم الجمعة بالرباط، حين احتضانه مهرجانا خطابيا حاشدا بمناسبة الذكرى الأربعينية لرحيل الزعيم الاستقلالي محمد بوستة، وسط حضور لافت لزعماء الأحزاب السياسية ووزراء سابقين ومسؤولين في الدولة، إلى جانب رئيس حكومة تصريف الأعمال، عبد الإله بنكيران، والمستشار الملكي عبد اللطيف المنوني، الذي تلا رسالة ملكية موجهة إلى الحضور. ولم يخل الموعد الخطابي، الذي دعا إليه حزب الاستقلال وأسرة المرحوم محمد بوستة، من لقطات حملت في طياتها رسائل سياسية واضحة، أبرزها لقاء بنكيران بالأمين العام ل"حزب الميزان"، حميد شباط، بعد أسابيع من إعلان رئيس الحكومة المعفى تخليه عن الحزب في مشاورات تشكيل الحكومة؛ إذ شوهد شباط وهو يمسك بذراع بنكيران، وهما يلجان قاعة المسرح وسط هتافات رددت نشيد حزب الاستقلال الرسمي. المهرجان جمع أيضا قيادات حزب الاستقلال في اللجنة التنفيذية والمتصارعة حول الأمانة العامة للحزب، فرغم حفاظ الأطراف الاستقلالية على هدوء الأجواء داخل مبنى المسرح، إلا أن دخول شباط وهو يرفع شارات النصر دفع الحاضرين من أنصاره داخل الحزب إلى التفاعل معه عبر ترديد شعارات مؤيدة له، من قبيل "شباط يا رفيق، لازلنا على الطريق"، و"شباط ارتاح ارتاح .. سنواصل الكفاح". مقابل ذلك، استغل الأمين العام لحزب العدالة والتنمية فرصة المهرجان لإطلاق بعض مواقفه المضحكة، التي انطفأ وهجها بعد قرار الملك محمد السادس إعفاءه من الاستمرار في قيادة مشاورات تشكيل الحكومة؛ وذلك حين ذكر أن والدته كانت "استقلالية قحة"، وزاد: "سألها ابني في آخر انتخابات لمن صوتت، فردت عليه: ماشي شغلك!"، مضيفا وسط تصفيقات الحاضرين: "لعلها رحمها الله تعلمت هذه الشطارة من حزب الاستقلال". واستقدم بنكيران مرة أخرى قاموس التراث الديني للتأكيد على قوة شخصية الراحل محمد بوستة، وحسن سيرته، حين أورد مقولة لأحمد بن حنبل، أحد الفقهاء المعروفين في القرون الأولى بعد ظهور الإسلام، ومفادها: "بينا وبينكم الجنائز"، مضيفا: "بيننا وبين المنتفعين والذين يعتبرون الوطن خالصا لهم يستمتعون به كيف يشاؤون ولا يبالون بأهله.. الجنائز.. وهذا ما شاهدناه مع الراحل بوستة والصالحين من قبله". وقال بنكيران: "ليس هناك مغربي إلا ويشعر بأن له حظا في حزب الاستقلال. وليس هناك حزب اليوم إلا ويجد في الاستقلال الوسطية التي لو اتبعناها اليوم بالطريقة التي ينبغي التي لما وقعت مآس كثيرة في البلاد"، قبل أن يخصص جزءا من حديثه للراحل محمد بوستة بقوله: "ليس هناك من شخص وهب نفسه للعمل في الشأن العام ولصالح وطن والمواطنين إلا وجده نفسه أمام أربع خيارات.. إما الثورة أو التغيير الجذري والدخول في متاهات، أو خيار الانبطاح، وإما أن يهمش نفسه في نهاية، أو أن يسير في طريق الاعتدال؛ وهو أصعب طريق اختاره الراحل بوستة". وشهد الموعد الخطابي تلاوة المستشار الملكي عبد اللطيف المنوني لنص رسالة وجهها الملك محمد السادس، اليوم، بمناسبة الذكرى الأربعينية لوفاة بوستة، إذ أكد أن الراحل "يعد واحدا من رجالات الدولة المشهود لهم بالكفاءة وبعد النظر والالتزام بخدمة قضايا الوطن"؛ مضيفا: "المغرب فقد بوفاة المرحوم امحمد بوستة واحدا من رجالات الدولة الكبار، المشهود لهم بالحكمة وبعد النظر، والالتزام بخدمة قضايا الوطن والمواطنين"؛ على أن "الفقيد أبان طيلة مساره الحافل بالعطاء الوطني الصادق عن روح المسؤولية العالية، والتفاني ونكران الذات، في مختلف المهام والمسؤوليات النيابية والحكومية والدبلوماسية التي تقلدها، بكل كفاءة واقتدار". وتوفي الراحل امحمد بوستة يوم 17 فبراير الماضي، عن عمر يناهز 92 عاما؛ فيما حضر شقيق الملك محمد السادس الأمير مولاي رشيد، مرفوقا بولي العهد الأمير الصغير مولاي الحسن، جنازته بالمدينة القديمة وسط مراكش. في مقابل ذلك، أرخت وفاة الزعيم الاستقلالي ظلالها على التصدع الداخلي الذي يعيشه "حزب الميزان"، إذ أعلن قادة في الحزب تشبثهم بما أسموه "وصية المجاهد المشمول بعفو الله امحمد بوستة، الذي أكد قبل وفاته بأيام عدم أهلية حميد شباط لقيادة حزب الاستقلال".