كثر الحديث في الأيام الأخيرة عما اصطلح على نعتهم ب(وكالين رمضان) وتبارى الغيورون على دينهم كما الغيورون على (ديدنهم!!) في رمي تلك المجموعة التي شذت عن الأغلبية (الصائمة) بأقذع النعوت والصفات، بل وصلت الحمية (الدينية) أو (الديدنية!!) ببعضهم إلى استباحة دماء أولائك (الوكالين)، خصوصا حين أضافوا إلى فعل (الأكل!) جريمة المطالبة بتحقيق أهداف سياسية واجتماعية في إطار ما بات يعرف بحركة 20 فبراير!؟ وانساق السواد الأعظم من ذوي النوايا الحسنة وراء ذلك اللغط الذي سد الأفق وحجب الرؤية، فلم يعد الحديث يدور حول المطالب المشروعة أو (غير المشروعة) للحركة، بل بات يتمحور حول سلوكيات بعض مكونات حركة 20 فبراير من أكل ونكاح!! واستطاع الإعلام أن يمرر رسائل ملغومة زادت من حدة تأليب الرأي العام ضد ذلك المكون بهدف عزل الحركة نفسيا وأخلاقيا عن الشعب المغربي تمهيدا للإجهاز عليها. ولم يكن مستغربا أن تتم تصفية الحساب مع تلك الحركة باستخدام أسلحة دينية، فالتاريخ علمنا أن المخزن غالبا ما كان يلجأ إلى تحريك الحماسة الدينية الساذجة لجل المغاربة لمحاصر الخصوم والفتك بهم على وقع التهليل والتكبير. وفي ظل هذا الحراك الاجتماعي، الذي كان من أولى ثماره: مراجعة دستورية، نرى ضرورة إيراد بعض التوضيح حتى لا نردد غدا: أكلت يوم أكل الثور الأبيض!! وأبدأ هذا التوضيح بالقول:إننا اليوم بصدد حراك اجتماعي سياسي ينشد تعاقدا سياسيا يحدد السلط والصلاحيات ويقطع مع عهود السيبة والاستبداد، وهو حراك يستقطب الأحرار من شتى الفئات والشرائح والقناعات والميولات!! وفي أتون معركة التحرر سيكون من الغباء أو من الخيانة الحديث عن الأكل أو الصوم!! من الغباء: لأن القضية في المغرب ليست قضية صوم أو أكل بل القضية أكبر وأعقد، فسياسة الدولة على العموم هي سياسة علمانية تكتفي ب(كليشيهات) الدين عند الضرورة ولتحقيق المزيد من التنويم العقدي!! والقضاء المغربي يعتمد في ترسانته القانونية على المشرع الفرنسي والسويسري ولا علاقة له بالشريعة الإسلامية إلا في قانون الأحوال الشخصية أو في بعض النصوص القانونية المتعلقة بالمعاملات الفردية. والإعلام المغربي، خصوصا المرئي منه (تحلف وتعطي لرقبتك) أنه إعلام دولة من دول أمريكا اللاتينية ولا علاقة له بصوم ولا صلاة ولا زكاة ولا حج!! وقطاع التعليم الذي أريد له أن يجرب الفشل تلوى الآخر على مستوى المواثيق و المناهج لتكريس واقع الضياع التربوي خدمة لأهداف سياسية لا علاقة لها بتعليم ولا تربية! وحين تقوم بإحصاء خمارات مدينتك وحاناتها تجد عددها يفوق بأضعاف مضاعفة عدد المساجد بها. فما جدوى الحديث في ظل هذا الواقع المنكوس عن الأكل في رمضان، أليس هذا الواقع الموبوء هو المسئول عن تفريخ (وكالين رمضان)؟ ألم يكن مسئولا، من قبل، عن تفريخ (وكالين الصلاة) قبل (وكالين رمضان)؟ ألم يكن من الأولى، ونحن نزعم الغيرة الدينية، أن نتحدث عن (وكالين الصلاة) قبل (وكالين رمضان)؟ أم أن المسألة مسألة غوغائية دينية وكفى!! ألا ترون أن سدنة هذا الواقع، باحتكارهم للدين ووصايتهم عليه، يصنعون مناخا ضبابيا وبيئة قلقة تفرز أشخاصا فصاميين. فهم أي أولائك السدنة يستغلون الدين لتأثيث الفضاء العام وبهرجته ويبعدون حقيقته عن الممارسة والتداول، ويتعمدون خلق صراع في نفوس الناشئة لدفها لكراهية الدين والتدين. فأنت، مثلا، ترى أن كل ما حولنا يدفع لممارسة البغاء علنا!؟ وحين يقدم شاب على اختلاس قبلة من صديقته ويبصر به شرطي يمكن أن تعلق به تهمة الإخلال العلني بالحياء، أما السائح الأجنبي فبإمكانه أن ينزع تبان خليلته على مرآى ومسمع من القانون والساهرين عليه، ولا تتريب عليه فهو سائح! والخمارات والحانات مشرعة الأبواب، وحين يريد شرطي أن يلصق بك تهمة السكر العلني فما أيسرها من تهمة! كما يمكن أن توجه لصاحب الخمارة أو الحانة تهمة بيع الخمر للمسلمين، نعم للمسلمين (واضرب راسك مع لحيط ولا نتاحر بالفقسا!)، أما السائح فبإمكانه أن يتناول كؤوس الراح ف(التيراس) وعلى مرآى من السابلة، وحين (يعربط) فقد تتطوع سيارة دورية الأمن نفسها بإيصاله إلى غرفته مع كامل التبجيل والاحترام! أليس هذا واقعا كفيلا بأن يجعلني، وأنا شاب في مقتبل العمر ليس في جعبتي من المعارف الدينية إلا ما حصلته من دروس مفروضة (بزز) على كراسي الدراسة بمعامل يقترب من الصفر، أليس هذا واقعا كفيلا بأن يجعلني آكل الفرائض كلها وليس الصوم وحده!! ومن الخيانة: حين ينبري مجموعة ممن نحسبهم على علماء الدين للتكالب على تلك المجموعة من أبناء الوطن مؤلبين عليها و محرضين مع استعمال اللازمة إياها: وكالين رمضان، وهم أي علماء لايت آخر زمان يدركون أن هؤلاء هم ضحايا وليسوا جناة، ضحايا وضع مربك، احتكر فيه الدين ومورست عليه وصاية مغشوشة، وباسم هذه الوصاية أبعد الدين عن حكم الواقع وصار فقط مشجبا تعلق عليه الإحباطات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وتم تصويره بدهاء إعلامي خطير على أنه مظنة للرجعية والتخلف و مفرخة للإرهاب!! وسأجرؤ على القول: أن طرح فصل الدين عن السياسة بدأ يترسخ كقناعة لدي، نتيجة ما أراه من توظيف سيء للدين واستغلال بشع له! فقد كنت، من قبل، أرى في هذا الطرح إيديولوجية علمانية تتنافى مع عقيدتي الإسلامية! إلا أن الواقع أقنعني بلا جدوى التمسك بهذه القناعة على صحتها في ظل ما نكابده من استغلال ديني باسم الدين، وتقييد رهيب له في تحديد معالم الحاضر والمستقبل، مع إطلاق يد الفتنة في خلقة حالة من اللاوعي الجمعي والشرود عن تبين المسار الصحيح بدعوى الاعتدال ومحاربة الإرهاب. وبدأت أرحب بالعلمانية إذا كانت ستضعني على قدم المساواة في ممارسة عقيدتي مع من احتكروا الفضاء السمعي البصري بالجزء السفلي من الجسد. ودعوني أطرح هذا السؤال: هل ما يجده المسلم من حرية في ممارسته لعقيدته وصيانة لحقوقه هناك في بلاد العلمانية يمكن أن يجد ثلثه هنا حيث تصادر منه معظم هذه الحقوق؟ أبسطها أنه لا يجد منفذا إلى المساجد إلا في أوقات الصلاة، أمام الخمارات والحانات فهي رهن إشارته على مدار الساعة. إذن أرفعوا عنا وصايتكم ودعوا كلا لقناعته، ونحن مطمئنون إلى أن (الزبد فيذهب جفاء، وأن ما ينفع الناس يمكث في الأرض)!؟