إن أي عملية تغيير، خاصة إذا كان هدفها البناء الديمقراطي، لا يمكن أن تكون إلا بالوسائل الديمقراطية وداخل مؤسسات الديمقراطية الكفيلة بتأمين الاجماع أو الاعتراض حول خطوات التغيير هاته، وتحيطها بحزام الأمان من أي اختراق أجنبي، وإلا كانت عمليات نحو تغيير فاشل، بل ودرسا في أضحوكات محصلات ''دوباج'' الديمقراطيات. تلك الديمقراطيات اللحظية التي مبتدؤها حميمية موائد الإطعام ملأ دفء المناسبات الخاصة، بيد أن الديمقراطية منهج يعني الجميع وليس فئة تقاطعت حول مصالح الشخصنة؛ فكل ديمقراطية لا تتغيى التنظيم من داخل المؤسسات كان عرشها نشوة الأوهام! ولنا في دروس الربيع العربي أسوة عبر المزيد من التمحيص! صحيح أن للوسائط الافتراضية أهميتها في العناوين البراقة نحو "التغيير "، إنما تظل معيبة في غياب المزاوجة مع أشكال ووسائط النضال الترابية والتنظيمية بصفة مسترسلة، وإلا اتصف الفاعلون فيها بالانتهازيين الموسميين سراق أحذية النضال؛ لذلك فالتغيير حتما قادم لا محالة، لكن في أي اتجاه؟ وهل للتغيير أن يكون خارج الأدوات الديمقراطية؟ وبعيدا عن المؤسسات الديمقراطية؟ ففي أي مبادرة بعيدة ذلك هو تعسف ورفس على كل التضحيات الجسام التي قدمتها. الديمقراطية ليست لعبة إلكترونية تجنى فيها المكاسب ونحن جالسون على المقاعد الوثيرة في زوايا البيوت الوثيرة، إنما هي رياضة مجهدة بفعل تمارين شاقة في النضال اليومي ترابيا وعلى مستويات متعددة تحتاج إلى تضحيات ودأب وعرق ونزيف في أحيانا كثيرة، تحتاج إلى صدق السريرة لتكون الروح فيها ذات جذب طوعي وليس ابتزاز قهري تساوم فيه احتياجات الناس فتذعن فيه أعناقهم! الديمقراطية أمل غير زائف ولا مغشوش ولا زر أزرق أو أخضر تحت الطلب، بل مطلب يحتاج منا سلامة العقيدة بجدواها وتجلياتها الديمقراطية وسيلة ورسالة نورانية تسهم في إنارة الطريق للأجيال نحو جدوى تقوية المؤسسات دونما إملاءات من الخارج. الديمقراطية حياة مهددة بالسرطنة إن طغت عليها الشخصنة.. الديمقراطية سلوك ومنهج مستمر وليس نزوة عابرة.. الديمقراطية دائما كانت تأتي من ال"تحت" وكل ديمقراطية مستوردة منزلة من أعلى مصيرها آيل للسقوط! الديمقراطية روزنامة عبر ودروس تعطى للمناضلين بكرم العرق المتصبب في الطرقات وفي التفاعلات المستمرة مع المناضلين وفي الاستماع الدائم إلى نبض معاناتهم، وغير ذلك تبقى جذوة زيف التغيير شعارا واهما يزكي شساعة الفجوة بين "الينبغيات" من الشعارات في ظل التعسف على ديمقراطية المؤسسات، وبين التوقعات المبنية على المتمنيات غير الخاضعة لمنطق الاعتراف بعموم الأطراف المعنيين بآلية الديمقراطية دونما تراتبية وفي احترام تام للقوانين والمؤسسات، وإلا سيتضخم صوت السقوط فوق درجة المتوقع لضبابية الرؤية وتعثر المنطلق، ولذلك لابد من جردة حساب واقعية حفظا للجهود المبذولة في دوامة الفراغ الرؤيوي. لنا في تباشير الفجر موعد يكشف زيف الانجذاب للأضواء الكاذبة على قارعة الطريق، وغد يعزز أن طرق التغيير ساحاتها مواقع النضال الترابي والمؤسساتي المسترسل أو التفاعل الفكري معه، وهو كذلك يشكل ساحة كبرى للنضال. وأن أسلوب التغيير ليس خيارا ذاتيا وإنما يقرره الواقع الموضوعي وحقائق ميزان القوى الخاضع للغة الفعل وليس لغة القول أو الرسائل الحالمة أو الواهمة، في إدراك تام بأن أي تغييرعليه أن يحفظ قوة المؤسسات لا حقوق فريق ظل شاردا في كل الجولات والمعارك النضالية مرتديا أدوار المتفرج من أعلى في أحيانا كثيرة. وأن يتم الوعي أن ركوب مركب العصبيات القبلية في المعركة من أجل حفظ المقاعد الأمامية في تقاسم السلطة هو مركب انتهازي وخطير في تمزيق الوحدة المنشودة لتقوية المؤسسة دونما تغليب مصلحة هاته المؤسسة على النزعات الخاصة، وإدراك أن تسويق الوهم المبني على القرب من الدوائر الضيقة للقرار الخارجي حمال أوجه؛ لذلك على ''أصحاب المصالح'' في هاته الرؤية الكف والتوقف على محالفة الأجنبي والاستعانة به في معركة هذه الدوائر من أجل السلطة أو ''النفوذ الديمقراطي''؛ لأن ذلك يطعن في شرعيتها وفي لوثة قيمها المستدرجة لهذا التغيير.