أكبر مشكل على الإطلاق (أكرر: على الإطلاق) يواجه اللغة الأمازيغية حاليا هو صيام المغاربة المتعلمين والمثقفين والصحفيين والمدونين الناطقين بالأمازيغية عن الكتابة والإنتاج بلغتهم الأمازيغية الشعبية في مواضيع الحياة العصرية الساخنة كالسياسة والاقتصاد وشؤون الشعب. وأدعو المفكرين والكتاب المغاربة المهتمين باللغة الأمازيغية، مثل الدكاترة والأساتذة محمد بودهان وأحمد عصيد ورشيد الحاحي ود. إسماعيل العثماني ولحسن أمقران وأحمد أرحموش وعبد السلام خلفي، واللسانيين مثل د. محمد المدلاوي المنبهي ود. محمد سغوال وبودريس بلعيد ود. عبدالله الحلوي وغيرهم من مئات أو آلاف المثقفين والمفكرين والباحثين والصحفيين والنشطاء المغاربة إلى المساهمة في مناقشة هذا المشكل العويص وهذا المعضلة العجيبة وتقديم الحلول العملية. "الصيام عن الكتابة بالأمازيغية" هو مشكل عويص أكبر أضعافا مضاعفة من مشكل الترسيم الأعوج والناقص والماكر للأمازيغية في دستوري المغرب والجزائر، وهو أكبر من مشكل حرف تدريس وترسيم الأمازيغية (تيفيناغ / اللاتيني)، وأكبر من مشكل القانون التنظيمي الماكر، وأكبر من مشكل "سياسة التعريب والفرنسة" التي تتبناها الدولة المغربية منذ 1912. مشكل صيام المغاربة المتعلمين عن الكتابة باللغة الأمازيغية هو أبو مشاكل الأمازيغية بلا منازع. وذلك لأنه مشكل نابع من المتعلمين الناطقين بالأمازيغية أنفسهم وليس من غيرهم. أما المشاكل الأخرى فهي نابعة من جهات أخرى. والمشكل النابع من الذات هو بلا شك أصعب المشاكل على الذات. الدولة لا تجبر حاليا المغاربة المثقفين والمتعلمين والصحفيين والمدونين على الصيام عن الكتابة بالأمازيغية، بل إن عصر الإنترنيت والفيديو الرقمي والتدوين الإلكتروني كان من المفروض أن يكون فرصتهم الذهبية لخلق انفجار في الكتابة والإنتاج بالأمازيغية ولتأسيس مئات مواقع ومنابر الأخبار والتثاقف والترفيه وأشكال التعبير باللغة الأمازيغية. رغم أن الإنترنيت رخيصة التكاليف ومتاحة للشعب ورغم التسهيلات الهائلة التي توفرها في التواصيل ونشر النصوص والفيديوهات والبرمجيات فإننا نرى الحصيلة الأمازيغية على الإنترنيت والإعلام الحر هزيلة جدا وبشكل لا يتناسب مع الثقل الديموغرافي والامتداد الجغرافي للناطقين بالأمازيغية عبر المغرب والعالم الأمازيغي. اللغة الأمازيغية شبه معدومة الوزن على الإنترنيت. لا يوجد أي موقع أمازيغي اللغة يتجدد يوميا باستثناء موقعين حكوميين: النسخة الأمازيغية من موقع وكالة الأنباء الجزائرية الحكومية APS بالحرف اللاتيني وتيفيناغ والعربي، والنسخة الأمازيغية بحرف تيفيناغ لموقع وكالة الأنباء المغربية التابعة للدولة MAP. وخارج ذلك لا يوجد محتوى أمازيغي يوحي بأية ديناميكية تذكر باستثناء بعض المواقع الأمازيغية القبايلية الثقافية المكتوبة بالأمازيغية بالحرف اللاتيني والتي تتجدد أسبوعيا أو شهريا أو فصليا، وبعض المنشورات الأدبية الأمازيغية القبايلية على الإنترنيت بالحرف اللاتيني. يقوم نشطاء ومقاولو الإنترنيت والإعلام الإلكتروني المغاربة (والجزائريون) بتأسيس مواقع إخبارية تتناسل كالفطر، وجزء منها يسمي نفسه بالمواقع أو المنابر الأمازيغية ولكنها لا تحمل من الأمازيغية إلا الاسم، بينما هي مواقع عربية اللغة 100% أو عربية–فرنسية أو فرنسية فقط. كما أن مستوى أداء الشباب المغربي الناطق بالأمازيغية على الإنترنيت في الحضيض. فلا نلاحظ أية مبادرات شبابية إبداعية مجتهدة أو "مشاغبة" على الإنترنيت. لا أحد من الأمازيغ يهتم مثلا بوضع ترجمة أمازيغية مكتوبة subtitles أو دبلجة صوتية مثلا لفيلم أمريكي أو وثائقي، بينما نلاحظ أن تلك المشاغبات الشبابية منتشرة على نطاق واسع لدى شباب البلدان الأخرى. وهناك مواقع بأكملها مخصصة لنشر الترجمات الكتابية subtitles للأفلام الأمريكية واليابانية بمئات لغات العالم من طرف هواة السينما. ولا نجد أي اهتمام أمازيغي بتقنية audiobook أو "الكتاب الصوتي" (تسجيل كتاب أو حكايات أمازيغية بالصوت ووضعها على يوتوب مثلا). كما لا نرى أية مبادرات شبابية أمازيغية مغربية على الإنترنيت لإنتاج أفلام قصيرة أو طويلة أو وثائقيات بالأمازيغية رغم وفرة الكاميرات عالية الدقة Full HD cameras ورخص ثمنها في الأسواق، بينما نلاحظ انفجارا ضخما في البلدان الأخرى في إنتاج أفلام الهواة والوثائقيات بجودة لا بأس بها ينشرونها مجانا كنوع من مراكمة الخبرات أو إثارة انتباه الأستوديوهات والمنتجين أو كهواية. ولا شك في أن بعض الكتاب والمثقفين والصحفيين الناطقين بالأمازيغية يرون أن الأمازيغية غير جاهزة الآن وأنها تحتاج إلى ما يسمونه "المعيرة والتقعيد"، لذلك ينتظرون ويؤجلون الكتابة بالأمازيغية. وقد تعرضت لأسطورة "المعيرة والتقعيد" في مقال سابق بعنوان: "أسطورة التقعيد والمعيرة، وماذا يقصد الإيركام بالأمازيغية المعيار؟" على الصفحة: http://www.hespress.com/writers/340172.html 1) معضلة صيام الأمازيغ عن الكتابة بأمازيغيتهم: "الصيام عن الكتابة بالأمازيغية" هي ظاهرة تتلخص في إحجام الغالبية الساحقة من المتعلمين والمثقفين والصحفيين والمدونين المغاربة الناطقين بالأمازيغية عن الكتابة والإنتاج في مواضيع السياسة والاقتصاد وشؤون الشعب اليومية باللغة الأمازيغية، ولجوءهم دائما وأبدا إلى اللغتين العربية والفرنسية للكتابة في تلك المواضيع. يجب الانتباه إلى أن بضعة دواوين شعرية أو روايات قصيرة بالأمازيغية تصدر من حين لآخر هو شيء خارج عن هذا الموضوع. ما أقصده هنا هو: الكتابة باللغة الأمازيغية في مواضيع خارج "الفولكلور الأمازيغي" و"الثقافوية". المقصود هو: الكتابة بالأمازيغية (أو الإنتاج الفيديوي بالأمازيغية) في مواضيع السياسة والاقتصاد والمجتمع المديني والقروي والتطورات الوطنية الدولية الساخنة ومواضيع الساعة. وحتى لو تمعننا في الإبداعات الأدبية (القليلة) الصادرة بالأمازيغية (بالحرف اللاتيني أو بتيفيناغ) فسنجد أن مواضيعها دائما هي الأمازيغية نفسها وحياة البادية أو بكائيات الأطلال وحياة الشقاء في القرية. الكاتب المغربي لا يكتب بالأمازيغية إلا حول موضوع الأمازيغية نفسه (والأطلال الأمازيغية والفولكلور القروي أو التاريخوي الأمازيغي). أما إذا أراد الكاتب المغربي أن يكتب شيئا عن مواضيع الساعة كالسياسة والاقتصاد فهو "لا يضيع وقته أبدا" في محاولة الكتابة والتدوين بالأمازيغية وإنما يكتب بالعربية أو بالفرنسية فقط. 2) صيام الكاتب والصحفي والمثقف المغربي عن الكتابة بالأمازيغية خوفا من محدودية مقروئية مقاله جغرافيا وديموغرافيا: يبدو أن المتعلم والمثقف والصحفي المغربي الناطق بالأمازيغية ينفر من الكتابة بلغته الأمازيغية لأنه يتخوف من أن مقاله المكتوب بلغته الأمازيغية بلهجتها المحلية سيكون محدود الانتشار وغير مفهوم إلا في مدينته أو إقليمه. أي أنه يتخوف من أي يكون كصب الماء في الرمل: عديم الجدوى أو عديم المردودية. ولكن أليس كافيا أن يقرأ فقط سكان إقليمك ما كتبته بأمازيغيتك المحلية؟ هل من الضروري أن تقرأ وتفهم تامازغا بأسرها مقالك أو كتابك أو موقعك الإلكتروني أو مقطعك الفيديوي أو تدوينتك الفيسبوكية بالأمازيغية؟ ألا تكفيك مدينتك أو إقليمك؟ (هذا كله طبعا إذا افترضنا أن لهجات اللغة الأمازيغية لغات مستقلة تماما عن بعضها البعض، كالألمانية والهولندية والسويدية، وغير قابلة للتفاهم فيما بينها وأن الناطقين بها طرشان يحاولون التحاور. أما الحقيقة فهي أن الريفي أو الأطلسي يستطيع بقليل من التركيز والتمرن أن يفهم ما لا يقل عن 50% أو 60% أو 70% من أمازيغية السوسي، والعكس صحيح. وسهولة فهم النص الأمازيغي المكتوب أعلى بكثير من سهولة فهم النص المسموع لأن القارئ يستطيع تحليل الكلمة بصريا أيضا). المغربي المتعلم أو الصحفي أو المدون الناطق بالأمازيغية الذي درس العربية الفصحى والفرنسية في المدرسة والجامعة قد أخذ انطباعا عن كونهما لغتين إنشائيتين مصقولتين أدبيا يتمكن كل من يكتب بهما من أن يصل إلى أعداد كبيرة من القراء المغاربة والفرنسيين والسنغاليين والسعوديين والغابونيين والمصريين والكونغوليين. لذلك فهو مطمئن إلى أن مقاله (حول موضوع سياسي أو اقتصادي مغربي أو دولي) في الجريدة الفلانية أو الموقع الإلكتروني الفلاني سيكون مقروءا مفهوما لدى الجميع إما بالعربية وإما بالفرنسية (أما الإنجليزية فهي من "الكماليات" الغائبة عن اهتمام وطموح أغلب المغاربة). أما إذا فكر صاحبنا في كتابة مقاله بلغته الأمازيغية ذات الطابع الريفي أو السوسي أو الأطلسي (حول موضوع سياسي أو اقتصادي مغربي أو دولي) فإنه سيتخوف من أن لا أحد سيفهم ما كتبه بأمازيغيته المحلية، أو أن قراءه سينحصرون في مدينة Agadir وما جاورها فقط (إذا كانت لغته سوسية الطابع) أو في مدينة Ennaḍor وما جاورها فقط (إذا كانت لغته ريفية الطابع) أو في مدينة Xnifṛa ونواحيها فحسب (إذا كانت لغته أطلسية الطابع). يتخوف صاحبنا الصحفي أو الكاتب أو المدون المغربي من أن مشكل عدم التفاهم أو ضعف التفاهم بين اللهجات الأمازيغية المتباعدة والمنقطعة جغرافيا (كأمازيغية الريف وسوس المتباعدتين بحوالي 1000 كيلومتر) سيجعل كتابه أو مقاله المكتوب بأمازيغيته المحلية محدود الانتشارية أو منعدم المقروئية خارج مدينته أو منطقته وقليل التأثير على المغرب والعالم. بل ربما يتخوف صاحبنا من أن كتابه أو مقاله السياسي المكتوب بالأمازيغية لن يقرأه أحد حتى في مدينته أو منطقته الناطقة بنفس لهجته الأمازيغية لأن الناس هناك ببساطة لم يتعودوا على قراءة الكتب والمقالات السياسية أو الإخبارية أو الرياضية أو الاقتصادية بلغتهم الأمازيغية المحلية، أو لأن الناس هناك لن يقرأوا الكتاب أو المقال لأنهم لم يتعلموا يوما في المدرسة كيف يقرأون نصا أمازيغيا. كما أن انعدام تدريس الأمازيغية للشباب الثانوي والجامعي وغياب الناطقين بها في مناطق عديدة بالمغرب يجعل صاحبنا يقلق من أن سكان Eṛṛbaṭ أو Fas أو Meknas لن يقرأوا مقاله التحليلي المكتوب بالأمازيغية حول فوز Donald Trump بالرئاسة الأمريكية وانعكاس ذلك على مصالح المغرب وخصوصا مشكل أقاليمنا الجنوبية. وقد يتخوف مثقفنا أو صحفينا المغربي الأمازيغوفوني من أن سكان Meṛṛakec أو Tiṭwan لن يفهموا مقاله المكتوب بالأمازيغية المنتقد لبنكيران أو مقاله المتكهن حول فرص سعد الدين العثماني في تشكيل الحكومة الجديدة. هاجس المقروئية هذا يتحكم ولا شك في قرار المثقف والصحفي والمدون المغربي حول عدم كتابة كتابه أو مقاله السياسي (أو الاقتصادي أو الفكري) باللغة الأمازيغية. وهاجس المقروئية والانتشارية والحسابات الديموغرافية يوجهه إلى الكتابة بالعربية والفرنسية فقط في مواضيع الساعة والمواضيع السياسية والاقتصادية والدولية الساخنة. كاتبنا المغربي لا يقنع بأن يكتب كتابا أو مقالا سياسيا أو اقتصاديا بلغته الأمازيغية الشعبية ليقرأه 4000 مغربي من مدينة Elḥusima الشمالية أو 520 مواطنا من مدينة Ayt Mellul السوسية. لا. فهو لا يرضى بأقل من مليون قارئ. لذلك يتجاهل لغته الأمازيغية ويفضل أن يكتب للناس بالعربية أو بالفرنسية ليختصر على نفسه الطريق ويصل إلى أكبر جمهور ممكن داخل وخارج المغرب. هناك طبعا حل بديل وبسيط وهو أن يكتب الصحفي أو الكاتب كتابه أو مقاله السياسي أو الاقتصادي بالعربية أو الفرنسية ليستجيب إلى حاجته في الوصول إلى عدد كبير من القراء بالمغرب وخارجه، وأن يترجم نفس المقال أو الكتاب إلى أمازيغيته المحلية وينشره مثلا على منبر إنترنيتي آخر أو في طبعة أخرى. ولكن لا نرى شيئا من ذلك. 3) صيام المغربي عن الكتابة بالأمازيغية لأن لا أحد يقرأ بحرف تيفيناغ، ولأن الحرف اللاتيني دخل إلى مجال اللامفكر فيه: بالنسبة لحرف تيفيناغ فالقضية واضحة لا لبس فيها. الجميع يعلم علم اليقين أن لا أحد في المغرب يقرأ هذا الحرف، باستثناء قلة ضئيلة من النشطاء والهواة وجزء صغير من تلاميذ الابتدائي الذين ينسون هذا الحرف بمجرد انتهاء السنتين أو السنوات الثلاث التي درسوا فيها الأمازيغية بحرف تيفيناغ في الابتدائي وانتقالهم إلى الإعدادي والثانوي حيث لا تدرّس الأمازيغية. حرف تيفيناغ يلعب هنا دور مفرمل للأمازيغية. لا يكتب به أحد لأنه لا يقرأه أحد. ولا يقرأه أحد لأنه لا يكتب به أحد. منذ 2003 قيل للمغاربة أن الأمازيغية ستكتب حرف تيفيناغ وليس بالحرف اللاتيني. وأصبح ذلك شبه قانون عرفي. لذلك فهذا "القانون العرفي" يجعل تيفيناغ ركنا من أركان الأمازيغية في ذهنية عامة الناس لا تصح كتابة الأمازيغية إلا به. المثقف أو الكاتب أو الصحفي المغربي لا يكتب كتابا أو مقالا سياسيا ولا اقتصاديا بالأمازيغية بحرف تيفيناغ لأنه متيقن من أن عدد قراء مقاله على الإنترنيت أو كتابه الورقي أو الإلكتروني بحرف تيفيناغ سيكون صفرا أو قريبا من الصفر. الكاتب والمثقف والصحفي يريد أن يصل إلى القراء. تيفيناغ لا يوصله إلى القراء الناطقين بالأمازيغية والمتعاطفين معها فما بالك بمن لا يتحدثها. كنت قد تعرضت لمشكل حرف تدريس وترسيم الأمازيغية في مقالات عديدة على هسبريس بالتفصيل الممل. الحرف اللاتيني هو أفضل حل للأمازيغية يسرع تدريسها في الابتدائي والإعدادي والثانوي ويسرّع ترسيمها وتحويلها إلى لغة صحفية وإعلامية وسياسية واقتصادية نشيطة وحيوية في المجتمع. ويمكن الاطلاع على مقال خاص بموضوع الحرف اللاتيني هنا: http://www.hespress.com/writers/294485.html 4) صيام المثقف والصحفي عن الكتابة بالأمازيغية بسبب كثرة الكلمات الأجنبية في الأمازيغية الشعبية: اللغة التي يتحدثها المغاربة يوميا في الشارع والبيت وعلى التلفزة (الأمازيغية والدارجة) متخمة بالكلمات الأجنبية القادمة من الفرنسية والإسبانية والعربية الفصحى الكتابية. ولكن كثرة الكلمات والمصطلحات الأجنبية في لغة ما لا يغير شيئا من هوية تلك اللغة ما دام نظامها النحوي والصرفي والنطقي (أي هيكلها) ثابتا ومستمرا. فاللغة الإنجليزية تحتوي على حوالي 60% من مجموع كلماتها من أصل لاتيني وإغريقي، ولكن هيكل الإنجليزية النحوي والصرفي والنطقي جرماني صرف ومعجمها الجوهري ما زال جرمانيا لذلك تبقى الإنجليزية جرمانية دائما. لنلاحظ مثلا هذه الجملة الأمازيغية: Yerbeḥ Donald Trump ḍedd i Hillary Clinton di lintixabat tiriyasiyin en Amirika ومعناها: رَبِحَ دونالد ترامب ضد هيلاري كلينتون في الانتخابات الرئاسية الخاصة بأمريكا. هذه الجملة (المكتوبة بالحرف اللاتيني) هي جملة أمازيغية لا غبار عليها، رغم أنها تحتوي على كلمات عربية الأصل وهي: yerbeḥ وḍedd وlintixabat وtiriyasiyin. لماذا هي جملة أمازيغية؟ لأن بنيتها النحوية والصرفية والنطقية أمازيغية. أي: هيكلها أمازيغي. ويمكن أن نكتب نفس تلك الجملة الأمازيغية أعلاه بكلمات أمازيغية صرفة هكذا: Yerna Donald Trump mgal Hillary Clinton di tefranin tiselwiyanin en Amirika حيث أن: Yerna = رَبِحَ / اِنتَصَرَ. mgal = ضِدَّ. di = في. tifranin (صيغتها المبنية: tefranin) = الانتخابات. tiselwiyanin = الرئاسيات. tifranin tiselwiyanin = الانتخابات الرئاسية. ولكن بعض الكلمات التي استخدمناها هنا هي كلمات أدبية أو "أصيلة" قلما يعرفها من لم يصطدم في حياته بقاموس أمازيغي أو بكتاب أمازيغي. كما أن من ولد وعاش في المدينة المغربية (حيث الأمازيغية المحكية هناك رديئة ومهلهلة ومنحطة بالمقارنة مع أمازيغية البادية والقرية المتينة الصلبة) قد لا يفهم إطلاقا كلمة أمازيغية مثل yerna (اِنْتصَرَ) بينما يفهمها ويستعملها من نشأ في البادية المغربية. قراءة النصوص الأمازيغية المكتوبة برصانة ودقة وفصاحة يتطلب من القارئ الأمازيغي أن يكون ذا نصيب محترم من الثقافة اللغوية الأمازيغية ومطلعا على بعض القواميس والكتب الأمازيغية أو أن يكون قد نشأ في محيط أمازيغي صرف في سنوات طفولته وشبابه مع قليل من تعلم القراءة والكتابة الأمازيغية. وهذا غير متوفر لأغلبية المغاربة الذين لم يروا في حياتهم قاموسا أمازيغيا أو كتاب نحو أمازيغي رغم وجود الآلاف منها في المكتبات وعلى الإنترنيت بالمجان. وأي كتاب أو لغة لم يصطدم بهما المغربي في المدرسة فلا وجود لهما بالنسبة له. لهذا فلا بأس من كتابة الأمازيغية كما هي متداولة في المدن رغم كونها مهلهلة ومخلوطة بكلمات غير أمازيغية. فذلك خير من لاشيء. ذلك خير من الجمود التام والشلل الكامل. والكلمات الأمازيغية "الأدبية" و"الأصيلة" و"المنسية" التي لا يعرفها عامة الناس من الأميين (الذي لم يدرسوا الأمازيغية) أو التي فقدها سكان المدن (الذين تدهورت أمازيغيتهم) يمكن إدخالها لاحقا (أو من الآن بالتدريج) مع تصاعد الوعي الشعبي بالكلمات الأمازيغية الأصيلة والمنسية المحفوظة في القواميس والتراث ومع جريان وتدفق اللغة الأمازيغية في الاستعمال الشعبي والسياسي والاقتصادي والإعلامي. وهذه عملية تدريجية تتطلب وقتا. الثمار لا تأتي فور زرع الفلاح للبذور كما نعلم. فنمو البذور وتحولها إلى ثمار يتطلب وقتا (مثلا: 5 شهور) ويتطلب سقيا ومسلسلا بيولوجيا طويلا يمكن تسريعه بالأسمدة والسقي الصناعي. ولكن ماذا لو لم يزرع الفلاح البذور إطلاقا؟! متى ستنمو الثمار؟! لن تنمو أبدا. فبسبب أننا لم نزرع البذور ونرفض باستمرار أن نزرع البذور فقد نجحنا ببراعة في رفع مدة نمو الثمار من 5 شهور إلى ما لانهاية (∞). عدم زرع البذور يجعل الثمار المرغوبة غير قابلة للنمو بشكل لانهائي infinitely. إنتاج مقال أو فيديو وثائقي أو فيلم أو كتاب بلغة أمازيغية تتكون في 50% منها من كلمات غير أمازيغية الأصل (عربية أو فرنسية أو إسبانية أو دارجية) وتتكون في 50% منها من كلمات أمازيغية أصيلة، مثلا، هو شيء لا عيب فيه إطلاقا. ومن المؤكد أنه خير من لاشيء. وهذا لا ينقص من اللغة الأمازيغية شيئا، ما دام النص ذا هيكل أمازيغي وبنية أمازيغية. نحن نفهم النزعة الصفائية اللغوية linguistic purism (بالأمازيغية: tazdugiẓri tutlayant) أو النزعة الحِمائية اللغوية linguistic protectionism (بالأمازيغية: taggaẓiẓri tutlayant) الموجودة لدى أنصار ومحبي الأمازيغية. فهي نزعة طبيعية تماما وموجودة لدى أنصار كل اللغات بلا استثناء، ومن بينها الإنجليزية (مع حركة Anglish لتنقية English من الكلمات غير الجرمانية). "نزعة الصفائية اللغوية" أو "نزعة الحِمائية اللغوية" أو "نزعة النقاء اللغوي" هي نزوع محبي وأنصار لغة معينة إلى منع غزو الكلمات الأجنبية للغتهم، وقيامهم بإزالة الكلمات الأجنبية أو ذات الأصل الأجنبي من لغتهم وتعويض تلك الكلمات الأجنبية بالكلمات الأصيلة المحلية أو القديمة المنسية أو توليد كلمات محلية جديدة من جذور أو كلمات قديمة وأصيلة موجودة في لغتهم المحلية. هذه النزعة النقائية / الصفائية purism طبيعية جدا وتنبع من ميل الإنسان إلى الكمال والإتقان والانسجام والاستقلال الذاتي ونفوره من النقص والرداءة والفوضى والتبعية للأجانب. فاللغة ذات الجذور الأصيلة المتناغمة والكلمات المنسجمة تكون عادة لغة متسقة ومنسجمة مع نفسها ذات جمالية خاصة ومتميزة عن غيرها. وفي حالة الأمازيغية لا يمكن المرور فورا من حالة كثرة الكلمات الأجنبية (الفرنسية، العربية، الإسبانية) في اللغة اليومية إلى حالة النقاء التام أو شبه التام. وإنما يجب البدء باللغة الشعبية المتوفرة كما هي ثم البناء علي ذلك وإصلاحه وتطويره شيئا فشيئا. أما الانتظار وتأجيل استعمال اللغة بذريعة "معيرة وإعداد وتنقية اللغة" فهو الذي يقتل اللغة لأن ذلك ينفي اللغة من العيش في المجتمع ويسجنها في سجن الإصلاحية ويمنعها من تقلد أية وظيفة محترمة في المجتمع. وزيادة على ذلك فلا توجد لغة صافية على وجه الأرض وكل اللغات مختلطة شيئا ما. فمثلا الكلمة الأمازيغية abaw (الفولة) أو ibawen (الفول) جاءت من الكلمة اللاتينية faba (فول، بقول). والكلمة الأمازيغية afullus أو afellus أو afidjus (ديك، فرخ) جاءت من اللاتينية pullus (فرخ، دجاجة). والكلمة الأمازيغية tafirast (الإجاصة) جاءت من الكلمة اللاتينية pirus (شجر الإجاص). والكلمة الأمازيغية taɣawsa [ثاغاوسا] (المسألة، الشيء) جاءت من اللاتينية causa (شيء، مسألة، سبب). والكلمة الأمازيغية akumar (الغرفة، الغرفة العليا في البيت) وikumaren (الغرف العليا) جاءت من الإغريقية kamara (غرفة) أو من اللاتينية camera (غرفة). والكلمة الأمازيغية abekkaḍ [ابكّاض] (الإثم، الخطيئة، الجريمة) جاءت من اللاتينية peccatum (إثم، خطيئة). والكلمة الأمازيغية taẓallit أو taẓadjit جاءت من العربية "الصلاة". والكلمة الأمازيغية والدارجية kacir "كاشير" (المرتديلا) جاءت من العبرية "كوشير / كاشير" ومعناها العبري الأصلي: حلال، لحم أو طعام حلال لدى اليهود. وفي العربية نجد أن كلمة "القصر" جاءت من الكلمة اللاتينية castrum (قلعة). والكلمة العربية "بركان" جاءت من الكلمة اللاتينية Vulcanus (إله النار الروماني) أو من الكلمة الإيطالية vulcano (بركان). والكلمة العربية "إمبراطور" أصلها لاتيني: imperator (قائد). والكلمة العربية "الفلكلور" جاءت من الإنجليزية folklore (حكايات الشعب). والكلمات العربية التالية ذات أصل فارسي: "بستان" (بوستان)، "جاموس" (گاوميش، گاميش)، "عسكر" (لشكر)، "خندق" (كندك)، "أستاذ" (اُستاد)، "دستور" (دَستور)، "إبريق" (آبريز)، "نموذج" (نموده)، "برنامج" (برنامه)، "دهليز" (دهليز)، "دولاب" (دلوآب)، "شطرنج" (شترنگ)، "برزخ" (برزخ)، "مهرجان" (مهرگان)، "فهرس" (فهرست). ويرجح اللساني الجزائري Salem Chaker أن الكلمة الإغريقية القديمة elaia (الزيتون) قد جاءت من الكلمة الأمازيغية الطوارقية القديمة aliw (الزيتون). ثم من تلك الكلمة الإغريقية جاءت الكلمة اللاتينية olea (الزيتون) والكلمة اللاتينية الأخرى oliva (الزيتون). وهذا يعني أن الكلمة الإنجليزية والفرنسية olive (الزيتون) ترجع على الأرجح إلى أصل أمازيغي موغل في القدم هو: aliw (الزيتون). 5) خلاصة عامة لأسباب صيام الصحفي والمثقف المغربي عن الكتابة بالأمازيغية في المواضيع العصرية السياسية والاقتصادية والاجتماعية: - يصوم عن الكتابة بالأمازيغية لأنه يتخوف من تقوقع مقاله أو كتابه في مجال جغرافي لهجي ضيق (الريف أو سوس أو الأطلس)، بينما هو يطمح إلى أن يقرأ كل المغاربة والأجانب مقاله أو كتابه أو أن يشاهد كل المغاربة والأجانب برنامجه الفيديوي، فيتخلى عن الأمازيغية ويكتب بالعربية أو بالفرنسية. - يصوم عن الكتابة بالأمازيغية بحرف تيفيناغ لأنه يعلم أن لا أحد تقريبا يستطيع قراءة مقال أو كتاب بحرف تيفيناغ، ولأن الحرف اللاتيني غير مفكر فيه كحرف لكتابة الأمازيغية وإنما مفكر فيه كحرف لكتابة الفرنسية فقط. - يصوم عن الكتابة بالأمازيغية لأنه لا يريد أن يكتب بأمازيغيته الشعبية المليئة بالكلمات الدخيلة من الفرنسية والعربية والدارجة والإسبانية، ويفضل أن ينتظر حتى يصعد جيل مغربي جديد في المستقبل بعد عقود من الآن، يقرأ ويكتب "أمازيغية معيارية فصحى" شبيهة ب"العربية الفصحى المعيارية". 6) الحلول المقترحة لتشجيع الصائم على الإفطار: - يجب التخلص من فكرة "اللغة الأمازيغية لا تصلح إلا للكتابة حول الأمازيغية". يجب الخروج من قوقعة مواضيع Tamazɣa وTimmuzɣa و"النضال الأمازيغي" والبدء في التدوين والإنتاج بالأمازيغية في مواضيع الناس من سياسة واقتصاد وعلوم وتجارة وسينما وصحة وتغذية. باراكا من الثقافوية. باراكا من "تاتاقافيت" و"تاشيعريت" و"تاميهراجانيت" و"تافولكلوريت". اللغة الأمازيغية تصلح أيضا لمواضيع الطاقة الشمسية وبايرن ميونيخ والكوكب المراكشي والتوعية الصحية واستقلالية القضاء وأطفال الشوارع في القنيطرة Qniṭra ومشاكل الواد الحار في گلميم Gelmim. حتّا هادو ماواضيع فيهوم ما يتگال. - يجب التخلص من فكرة "إما كل شيء أو لاشيء". يجب التخلص من فكرة "إما أمازيغية تيفيناغية معيارية فصيحة فصحى مركزية مصادق عليها بالأختام المخزنية ولّا بْلاش". ويجب التخلص من خرافة أو حلم "الأمازيغية المعيار الفصحى" المتحكم بها مركزيا من طرف لجنة من الحكماء والخبراء. النموذج الفرنسي المركزي السلطوي لن ينفعنا بل النموذج الأنجلوساكسوني هو الأقرب إلينا حيث لا يوجد فيه تحكم مركزي سلطوي في اللغة والتعبير والإعلام. - يجب التخلص من فكرة "إما أن يقرأ مقالي أو كتابي كل المغاربة من طنجة إلى الگويرة ولّا ما لاعبينش، ما كاتبينش". إذا كتبت مقالا سياسيا أو اقتصاديا على الإنترنيت أو نشرت كتابا ورقيا أو إلكترونيا (حول الطبخ أو ريال مدريد أو أي موضوع آخر) بلغتك الأمازيغية الشعبية كما يتحدثها الناس في مدينتك أو إقليمك (بأي حرف يعجبك: اللاتيني، تيفيناغ، العربي) وقرأه 3000 مغربي فقط في منطقة Bni Mellal-Xnifṛa فمقالك أو كتابك ناجح نجاحا باهرا. ليس من الضروري أن يقرأ 70 مليون شخص كتابك العبقري أو مقالك الفاصل. وليس من الضروري أن يشاهد 40 مليون شخص مقطعك الفيديوي على يوتوب. - الحرف اللاتيني هو أفضل حرف لجعل الأمازيغية لغة قادرة للوصول إلى المواطن والمستهلك ورجل الشارع. فهو حرف ألفبائي الطابع يكتب الأمازيغية بالدقة الأعلى. وهو حرف معروف لدى كل المتعلمين المغاربة. وهو الحرف الأقدر على الاشتغال كقاطرة حاملة وناشرة للأمازيغية ومسهلة لتداولها كلغة السياسة والاقتصاد والخبز والمبادرات التعاونية والتغيير الاجتماعي. ويجب كسر احتكار الفرنسية للحرف اللاتيني بالمغرب. من يفضل حرف تيفيناغ فهو أيضا مدعو لاستعماله لكتابة الأمازيغية كلغة للسياسة والاقتصاد والخبز. ومن يفضل كتابة اللغة الأمازيغية بالحرف العربي (رغم عيوبه ونقائصه) فهو أيضا مرحب به وما عليه سوى أن يظهر منتوجه الإعلامي الأمازيغي للمغاربة. - يجب عدم استعجال "النقاء اللغوي" linguistic purism. ورغم أنها نزعة طبيعية لدى أنصار كل اللغات في العالم إلا أنها حاليا ترف فكري لن ينفع الأمازيغية في مجال الإعلام الشعبي الإخباري والترفيهي الموجه إلى القارئ العادي والمشاهد المتوسط. ومع تراكم الإنتاج المعرفي الأمازيغي ستشيع المصطلحات الأمازيغية الجديدة وستعود الكلمات الأمازيغية المنسية المحفوظة في المخطوطات والقواميس القديمة إلى الاستعمال الشعبي والأدبي والعلمي الأمازيغي من جديد. الانطلاق من اللغة الأمازيغية الشعبية اللهجية في الكتابة الصحفية والإلكترونية والإنتاج الإعلامي الفيديوي هو الوسيلة المثلى لجعل الأمازيغية لغة التنمية والدمقرطة والتغيير محليا ثم وطنيا ثم أفريقيا وعالميا. [email protected]