يتساءل حوالي 800 معتقل مغربي بالسجون الليبية عن الوظيفة الحقيقية للسفير المغربي بطرابلس، مولاي المهدي العلوي ، فهؤلاء الذين كان أغلبهم يطمح للانتقال عبر قوارب المهربين إلى جزيرة لامبيدوزا الإيطالية، وجدوا أنفسهم في جحيم يسميه المسؤولون الليبيون مراكز الإيواء، والحال أنها- كما تترجم ذلك الشهادات التي استقيناها من بعض المرحلين - مراكز تعذيب بكل ما تحمل الكلمة من معنى. "" لا شيء في هذه المراكز يشي بأن حراسها ممتلئون بحقوق الإنسان- يقول مصطفى، ل (30 سنة)- فأول شيء فعلته لما حطت بنا الطائرة هو أنني قبلت تراب بلادي، صحيح أنني كنت ناوي نحرگ، لكنني، الآن، أحمد الله أني ما زلت على قيد الحياة، لم أتخيل يوما أن أتحول إلى مجرد شيء لا قيمة له، أوسعنا رجال الأمن الليبي ضربا بالهراوات وأعقاب البنادق والعصي الكهربائية، كنا 11 مغربيا، طلبوا منا أن ننبطح أرضا، وصاروا يدوسون علينا بأحذيتهم العسكرية، وتابع زميله محسن، ع (25 سنة): أشعر أنني ولدت من جديد، رجال الشرطة الليبية غلاظ وأجلاف، ولا يعرفون الرحمة، فأقصى درجات سعادتهم هي حينما تنكسر الهراوات على ظهورنا أو تنكسر الضلوع تحت أحذيتهم، كانوا يضربوننا بدون توقف كأنهم في ساحة تدريب، لقد بكيت مرتين، أولا لأنني كنت أتألم، وثانيا لأن الذين يعذبونني عرب ومسلمون مثلي، استمروا يضربوننا إلى أن استقدموا شاحنات صغيرة حشرنا فيها كالأغنام، ونقلونا إلى بناية يقال لها مكتب النقط الخمس وهناك رأينا الجحيم بأم أعيننا. في هذا المركز السيء السمعة- يقول مراد، ح (31 سنة)- ليس بوسع الموقوف إلا أن يرفع الأكف إلى السماء ليقول: يا ليتني كنت ترابا، طلبوا منا أن نتعرى، أرغمونا على نزع القمصان والبنطلونات، كأننا في سجن أبو غريب،، ولك أن تتصور ما شئت من عبارات الشتم والإهانة والتنكيل ولسع الأنابيب البلاستيكية ضد أجسادنا العارية، لا أكل ولا شرب طيلة أيام قد تصل إلى أربعة، التعذيب والجلوس على الرمال، ممنوع الوقوف، ممنوع رفع الرأس، ممنوع الصراخ، ممنوع المرض، ممنوع الموت،،، الفيلم المرعب الذي ينقله المرحلون المغاربة من السجون الليبية. لم يحرك في نظر هؤلاء السفير المغربي بليبيا الذي يكتفي كلما تعلق الأمر بأحوال السجناء المغاربة بعقد لقاءات روتينية مع الإداريين الليبيين، دون الوصول إلى حل لتسوية الملفات، فالسجون لا تدخل في مجال اهتمام السفير- يقول هؤلاء - والسجناء فئة منسية، منهم من ضاع عقله، ومنهم من دفن في حفرة سرية، وهناك من ينتظر دوره، ومنهم من قضى سنوات بدون أن يسأل عنه أحد، لا قريب ولا بعيد ولا برنامج مختفون ولا وزارة العدل ولا وزارة الخارجية ولا الوزارة المكلفة بالجالية المغربية، يموتون كل يوم في صمت، ولا يأكلون سوى العجائن الغاملة والتمر الفاسد والخبز اليابس،، ولا وقت للاحتجاج! ويصل عدد النزلاء المغاربة بسجون ليبيا (المحكومين والموقوفين) إلى أكثر من 175 معتقلا، من بينهم 22 امرأة، وإذا أضفنا إليهم المحتجزين بمراكز الاعتقال الاحتياطي (مراكز الإيواء) يصل هذا العدد إلى حوالي 800 معتقل يتم ترحيل بعضهم على دفعات صغيرة، أما الباقون، فيأكلهم النسيان أو ينقذهم بعض النزلاء المحسنين بالتصدق عليهم بثمن الغرامة والتذكرة! وحسب عمر حسن الحسناوى، أمين اللجنة الشعبية العامة للعدل بليبيا، يوجد ضمن المعتقلين المغاربة 4 أشخاص أدينوا بالإعدام لارتكابهم جرائم قتل، بينما تهم الأحكام الأخرى جرائم تتعلق بالخصوص بالترويج للمخدرات والسكر وخيانة الأمانة والتعامل بالنقد الأجنبي، لقد سبق لوزير الداخلية الليبي (أمين اللجنة الشعبية العامة للامن العام الليبي)، خلال مباحثات أجراها مع مولاي المهدى العلوي، أن قال إن المغاربة الذين يقضون عقوبات داخل السجون الليبية يعاملون بكل احترام وفقا لما تقتضيه القوانين المعمول بها فى هذا المجال، كما سبق له أن أوضح أن معالجة موضوع المحتجزين بمراكز الإيواء لن تتم إلا عبر تفعيل الاتفاقيات الأمنية الموقعة بين المغرب وليبيا وعقد اجتماعات منتظمة في هذا الاتجاه حتى يتسنى تدارس كافة الحالات، غير أن ما يجري بالسجون الليبية، رغم المجهودات التي تقوم بها جمعية حقوق الانسان التابعة لمؤسسة القذافي الخيرية، أسطع من أن يحجبه غربال، وهو ليس حكرا على المغاربة دون غيرهم من المنحدرين من الجزائر أو تونس أو مصر أو أفارقة جنوب الصحراء الذين يضطرون إلى سلخ أعمارهم داخل الزنازن الرطبة بسبب عدم قدرتهم على أداء الغرامة، أو بسبب النوم العميق الذي تغط فيه سفارات بلدانهم، وهم يوجدون بسجون لعل أشهرها سجن الكلاب (سمي كذلك لأنه مطوق بكلاب الحراسة) وسجن الفلاح وسجن بوسليم وسجن عين زارة (طرابلس) وسجن الكويفية (بنغازي) إضافة إلى مراكز الحجز المؤقتة التي وصفها تقرير لمنظمة هيومن رايتس بمراكز سوء المعاملة والإيذاء، ويعاني المعتقلون هناك من الاكتظاظ الشديد، وتدني ظروف الاعتقال، والمنع من الاتصال بمحامين، وعدم موافاتهم بمعلومات كافية عن ترحيلهم، وضعية النزلاء المغاربة بالسجون الليبية بدأت تحرك اهتمام المرصد المغربي للسجون الذي بدأ يفكر حاليا- حسب النقيب ذ، عبد الرحيم الجامعي، رئيس المرصد- في تجميع جميع المعطيات من أجل طرح هذا الملف على أنظار المسؤولين المغاربة والليبيين، بمن فيهم السفير الليبي بالرباط.