وضع بلاغ الديوان الملكي، الصادر مساء يوم أمس الأربعاء، حدا لتكليف عبد الاله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، بتشكيل الحكومة بعد فوز حزبه بالانتخابات التشريعية ليوم 7 أكتوبر 2016. بلاغ الديوان الملكي أنهى فعليا وعمليا طموح ورغبة بنكيران في ولاية ثانية على رأس حكومة المملكة المغربية. وبما أن بلاغ الديوان الملكي شدّد على تعيين خلف بنكيران من داخل حزب العدالة والتنمية، وبما أن جل المتابعين وكذا رواد شبكات ومواقع التواصل الاجتماعي هبوا مباشرة لتخمين أسماء قيادية من داخل حزب العدالة والتنمية، على شاكلة عبد العزيز الرباح، مصطفى الرميد، سعد الدين العثماني، التي يعتقدون أنها ستنهي أزمة البلوكاج الحكومي، فإني أرى غير ذلك، وهاكم ما يلي: أولا: لا خلاف على أن الملك زاول واحدة من مهامه في احترام تام للدستور، واستنادا إلى الفصل 42 منه. ثانيا: لا شك، من الناحية السياسية وليس الدستورية، أن بنكيران مصدوم من القرار، ومعه باقي أعضاء قيادة الحزب، خصوصا بعد التطمينات الأخيرة التي عبّر عنها بنكيران حول مسار تشكيل الحكومة. ثالثا: تعيين اسم آخر من داخل حزب العدالة والتنمية لا يعني بالضرورة نهاية البلوكاج الحكومي؛ لأن الفرقاء السياسيين الذين رفضوا وضغطوا على بنكيران يمكن أن يفعلوا الشيء نفسه مع خلفه. رابعا: من الصعوبة أن يقبل أي قيادي حزبي في صفوف "إخوان بنكيران" أن يكون بديلا عن "زعيمه"، وإلاّ فإن الحزب مقبل على تصدع داخلي. وعليه فالموضوع بالغ الحساسية والتعقيد؛ حيث سيجد الحزب نفسه مباشرة في مواجهة مع المؤسسة الملكية. خامسا: إذا قرّر حزب العدالة والتنمية "الاعتذار اللبق للملك" عن التكليف الثاني، فإن الحزب سيجد نفسه مباشرة في المعارضة بقيادة عبد الإله بنكيران "النائب البرلماني"، وهنا سيتأكد جليا أن المؤسسة الحزبية – التنظيم- لدى إخوان بنكيران، أكبر وأقوى من الأشخاص، وأن كل ما قيل سابقا سيجد مشروعيته بكون الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية هي التي كانت تتحكم من وراء حجاب في سير المفاوضات وليس الرئيس المكلف من طرف رئيس الدولة. سادسا: اعتذار العدالة والتنمية عن تشكيل الحكومة، ولو باختيار شخصية أخرى بديلا عن الأمين العام للحزب ورئيس الحكومة السابق "سي بنكيران"، سيعمق الأزمة وسيزداد الضغط والطلب مرة أخرى على المضمون والتأويل الدستوري (الفصل 47)، ومن المحتمل جدا، ما دام هذا الفصل العجيب من الدستور ممططا بهذا الشكل، تعيين رئيس الحكومة من حزب الأصالة والمعاصرة، الثاني من حيث النتائج الانتخابية الأخيرة. وإذا بلغنا هذا المستوى المفتوح والتعامل بالغ المرونة مع الفصل 47 من الدستور، فمن الوارد أيضا الوصول إلى الحزب الثالث بعد اعتذار الحزب الثاني، وأعني هنا القوة الثالثة في مجلس النواب التي تتشكل من فريق التجمع الدستوري الذي يقوده عزيز أخنوش. سابعا: من المستبعد جدا تعيين رئيس حكومة غير حزبي. عموما وإجمالا، مهما كان الاسم المعين كبديل عن بنكيران داخل صفوف حزب العدالة والتنمية، والذي سيتكلف بتشكيل الحكومة المقبلة، فإن الأزمة، في رأيي المتواضع، لن تنتهي وستزداد تعقيدا وسيرافقها جدل سياسي ودستوري-قانوني كبير سيستمر طويلا. وبالموازاة مع ذلك، فنحن مقبلون على هزات عديدة في المشهد الحزبي المغربي عموما. * صحافي، كاتب ومحلل سياسي