أمام الصعوبات التي يواجهها عبد الإله بنكيران لتشكيل الحكومة الجديدة، أبدى عدد من الباحثين والإعلاميين والسياسيين آراءهم في ما يتعلق بطبيعة ودلالة الفصل 47 من الدستور الجديد الذي ينص على أن الملك يعين رئيس الحكومة من الحزب الذي يتصدر نتائج الانتخابات التشريعية لمجلس النواب، وانقسمت الآراء إلى خمسة اتجاهات: الاتجاه الأول يعتبر أن المنهجية الديمقراطية واحترام الدستور يقضيان بتمكين بنكيران من تشكيل الحكومة ولو كانت حكومة أقلية، لكون الفصل 47 جد واضح بالتنصيص على أن رئيس الحكومة يعينه الملك من الحزب المتصدر للنتائج، وبالتالي فإن تكليف شخص آخر سيعتبر انقلابا على نتائج اقتراع 7 أكتوبر. الاتجاه الثاني يدعو إلى تكليف شخص آخر من الحزب نفسه؛ حزب العدالة والتنمية. الاتجاه الثالث يدعو إلى تكليف شخص من الحزب الثاني؛ حزب الاصالة والمعاصرة. الاتجاه الرابع يدعو إلى تكليف أي مسؤول حزبي آخر دون مراعاة للترتيب. الاتجاه الخامس يدعو إلى تنظيم انتخابات تشريعية جديدة. إن هذا التباين على مستوى السيناريوهات المقترحة في حالة فشل بنكيران في تشكيل الحكومة، يدفع إلى ابداء ملاحظتين أساسيتين: تتعلق الملاحظة الأولى بطبيعة الفصل 47 من دستور 2011؛ فمنذ البداية نجيب بأنه فصل دستوري أٌريد له أن يكون ناقصا، وهو أمر يبدو عاديا بالمقارنة مع الكثير من الدساتير ولا يحتاج إلى تعديل لإكمال النقص الموجود؛ ذلك أن الفقه الدستوري درس بإسهاب حالات النقص التي تشوب بعض النصوص الدستورية المكتوبة التي لا تستكمل باللجوء إلى تعديلات وإنما بتشكل أعراف دستورية على هامش تلك النصوص. لقد قسم الفقه الدستوري الأعراف الدستورية التي تنشأ على هامش النص الدستوري المكتوب إلى ثلاثة أصناف: عرف دستوري "مفسر" في حالة وجود نص دستوري "غامض"، وعرف دستوري "مكمل" في حالة وجود نص دستوري "ناقص"، وعرف دستوري "معدل" سواء بالحذف أو بالإضافة. في حالة الفصل 47 من دستور 2011، نجد أنفسنا أمام نص دستوري "ناقص" قد يستكمل بتشكل عرف دستوري مكمل في حالة اعتذار بنكيران وقبول الملك لاعتذاره. إن طبيعة الفصل 47 من الدستور لا تستقيم مع ما ذهب إليه الاتجاه الأول الذي يشدد على أنه فصل جد واضح، وبالتالي فتكليف أي شخص آخر يعتبر انقلابا على الدستور. نعم إن الفصل 47 يشير بشكل واضح إلى الحالة العادية التي يتصدر فيها حزب سياسي نتائج الاقتراع، ومقتضيات الدستور قد احترمت؛ فالملك لم يتردد في تكليف بنكيران بتشكيل الحكومة يوم 10 أكتوبر 2016، لكن الفصل 47 لم ينظم الحالة التي يفشل فيها الشخص المكلف في تكوين أغلبيته، وهنا يجوز الانتقال من مقتضيات الفصل 47 إلى مقتضيات الفصل 42 من الدستور. وبالتالي يجوز للملك في هذه الحالة اللجوء إلى جميع الخيارات شريطة أن يكون الشخص المكلف متحزبا وقادرا على تشكيل الحكومة، وسيغدو الخيار الذي يلجأ إليه الملك مدخلا لتشكيل عرف دستوري يكمل النقص الذي يعتري الفصل 47 من الدستور. ترتبط الملاحظة الثانية بالخيارات المطروحة في حالة فشل بنكيران وحدود هذه الخيارات. يتمثل الخيار الأول في تكليف شخص آخر من داخل حزب العدالة والتنمية بتشكيل الحكومة، وهو خيار قد يساهم في إحداث شرخ داخل الحزب وإرجاع الفشل إلى شخص بنكيران وطريقته في تدبير المشاورات. يتجلى الخيار الثاني في تكليف شخص من الحزب الذي احتل المرتبة الثانية، وهو حزب الاصالة والمعاصرة، باعتبار أن التقاليد الديمقراطية تقضي بتكليف الحزب الثاني في حالة فشل الحزب الأول، وهذا الخيار وإن كان ممكنا من الناحية القانونية، غير أن كلفته السياسية ستكون باهظة، سواء على صعيد تحرك الشارع أو تأكيد أطروحة "حزب الملك". يتجسد الخيار الثالث في تكليف أي مسؤول حزبي يكون قادرا على تكوين أغلبية وتشكيل حكومة كفاءات وفق رؤية وبرنامج واضحين يأخذان بعين الاعتبار المصلحة العليا للوطن وليس المصالح الحزبية الضيقة المرتكزة على منطق "الغنيمة الانتخابية"، وهذا الخيار قد يستمد مرجعيته من خطاب "دكار" بتاريخ 6 نونبر 2016. يكمن الخيار الرابع في تنظيم انتخابات تشريعية جديدة، ويبدو أن بعض قيادات حزب العدالة والتنمية وحزب الاستقلال تدعو إلى ذلك، غير أن اللجوء إلى هذا الخيار هو بيد الملك وحده، لكون بنكيران لا يجوز له دستوريا حل مجلس النواب والدعوة إلى انتخابات جديدة؛ لأن ولايته الحكومية قد انتهت وهو حاليا مجرد مكلف بتشكيل الحكومة وليس رئيسا للحكومة. وهنا نتساءل: ما هي الفائدة من تنظيم انتخابات تشريعية جديدة؟ هنا لا نشير إلى الكلفة المالية أو قدرة الإدارة الترابية على التنظيم، فالأمر ممكن، وإنما نشير إلى جدوى تنظيم انتخابات تشريعية جديدة غايتها فرز الأغلبية الجديدة، وهو الأمر الذي لن يتحقق، فمهما كانت النتائج وحتى وإن تصدر حزب العدالة والتنمية المشهد الانتخابي، فلا يمكنه أن يشكل أغلبية بدون الاستعانة بخدمات بعض الأحزاب السياسية التي ترفض حاليا التحالف معه.