لم يحالفها الحظ في تحقيق الحلم الذي كان يراودها في طفولتها بأن تصبح ربانة طائرة، لكن القدر شاء أن يكون عالم التجارة والأعمال المسار الذي استطاعت كنزة عكاشة أن تشقه بنجاح في بلاد المهجر وتحديدا بالأردن. بعد حصولها على شهادة الباكالوريا (تخصص علوم رياضية) سنة 1997، التحقت كنزة عكاشة، ابنة مدينة الدارالبيضاء من مواليد 1979، بالمدرسة متعددة التكنولوجيا (بوليتيكنك)، وهي مدرسة للمهندسين خاصة بالبنات في منطقة (سو) بضواحي العاصمة الفرنسية باريس، حيث درست فيها تخصص هندسة الأعمال لمدة خمس سنوات توجت بحصولها على دبلوم مهندسة دولة. وبدأت كنزة عكاشة مشوارها المهني مباشرة بعد التخرج سنة 2002، التي التحقت فيها بالعمل كإطار مكلف بإدارة المشتريات في مجموعة بنكية فرنسية عالمية ثم انتقلت بعد ذلك، وبالتحديد في سنة 2003، إلى مدينة ميلانو الإيطالية، حيث اشتغلت لمدة أربع سنوات كمديرة مشاريع في أحد البنوك. وبعد هذه السنوات التي قضتها في القطاع البنكي، اضطرت عكاشة الى التخلي عن عملها في ميلانو لمرافقة زوجها الأردني الفلسطيني الأصل إلى عمان، وهي الفرصة السانحة التي وجدتها أمامها للتفكير بجدية في مشاريع ذاتية تندرج في مجال اهتمامها الذي هو الاقتصاد وهندسة الأعمال. وبالفعل، وبعد تفكير عميق ودقيق، تمكنت كنزة عكاشة سنة 2008، تاريخ قدومها إلى عمان، من إحداث شركة تضم وكالتين تجاريتين، تهم الأولى استيراد وبيع الشوكولاتة (هدايا الشكولاتة)، فيما تنشط الثانية في مجال الاتصالات، وهو المسار المهني الواعد الذي استطاعت أن تشقه بثبات ليشكل بالنسبة لها انطلاقة حقيقية نحو تحقيق النجاح وإبراز كفاءتها في قطاع اقتصادي مهم. لقد ساهم تخصصها في مجال هندسة الأعمال (كمهندسة دولة)، تقول عكاشة، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، وكذا خبرتها وتجربتها الغنية التي اكتسبتها وراكمتها طيلة مدة اشتغالها في البنك الفرنسي العالمي والتي تعاملت خلالها مع عدة شركات في مجال إدارة المشاريع الكبرى، مكنتها من النجاح والتفوق في هذا المسار خاصة مشروعها لاستيراد وبيع "الشكولاتة" المختص أساسا بتصميم "هدايا الشكولاتة" الفاخرة. ولم تخف عكاشة، التي تتقن أربع لغات أجنبية، سر نجاحها في هذا القطاع والذي تقول إنه مرتبط أساسا بطبيعة المنتوج الذي تتولى تسويقه والمتسم بالجودة العالية والتميز دون أن تنسى عنصر الثقة وطريقة التعامل والمواظبة مع الزبناء الذين تتعامل معهم خاصة وأنها تستهدف زبناء متميزين من شركات كبرى وعائلات ميسورة في عمان. وتعتبر عكاشة، في هذا الصدد، أن أهم ميزة ينبغي أن تتوفر في المرأة المغربية التي تلج عالم الأعمال بدول المهجر، حتى تتذوق طعم النجاح، هو ثقتها في نفسها، وكفاءتها وقدرتها على بلوغ طموحاتها، مهما كانت الصعوبات والإكراهات. وبخصوص إمكانية توسيع نشاطها التجاري، تقول عكاشة إنها كانت تعتزم إحداث مشاريع أخرى لكن الركود الاقتصادي حال دون تحقيق هذا الهدف واختارت التريث ولم تكترث لهذا الاكراه إدراكا منها أن الإنسان ينبغي أن يكون إيجابيا ومتفائلا وأمله دائما في التفكير في المستقبل. ورغم انشغالها بالحياة العملية، يبقى العمل الجمعوي إحدى السمات البارزة في مسار عكاشة، حيث انخرطت منذ 2009 في جمعية خيرية (الشمس المشرقة)، وأصبحت حاليا عضوا في مجلس إدارتها. وأكدت عكاشة أن هذه الجمعية، التي تضم نخبة من السيدات، هدفها هو جمع الأموال من المانحين (أفراد، شركات..)، بهدف مساعدة النساء الأقل حظا وفي وضعية صعبة في تحقيق مشاريعهن (الخياطة، الحلاقة...)، بإمدادهن بالدعم المادي والفني عن طريق نصائح أو دورات تأهيلية. ولم يقف دور الجمعية عند هذا الحد بل امتد أيضا إلى فئات أخرى، حيث تساهم في العناية بالأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة (الإعاقة الذهنية)، من خلال دعم مراكز الإعاقة في مختلف محافظاتالأردن سواء من خلال الدعم المادي (الإيجار، التجهيز، الأجور...)، أو المعنوي من قبيل تنظيم أنشطة ترفيهية وفنية وثقافية لفائدة هذه الشريحة. ولم تخف عكاشة حماسها واهتمامها الكبير بالعمل الجمعوي ودعمها للفئات الضعيفة في المجتمع خاصة وأن إحدى بناتها الثلاث من ذوي الاعاقة الذهنية، حيث تقول في هذا الصدد إن تكاليف تمدرس هذه الفئة باهضة جدا، وبالتالي فإنها تؤمن بضرورة التضامن والانخراط في دعم هذه الفئة وأسرهم التي هي في حاجة ماسة لمثل هذه الالتفاتة. وعن اندماجها وتأقلمها مع المحيط الجديد، تقول عكاشة إن المرأة المغربية في المهجر سهلة التأقلم في بيتها وفي البلد المضيف، وأشارت إلى أنه رغم قلة تواجد النساء المغربيات في الأردن فإنها تحس دائما كأنها في بلدها الأم وتظل متشبثة بعادات وتقاليد الوطن من مطبخ ولباس وغيرها. واعتبرت أن أي مواطن أو مواطنة مغربية في المهجر يعد سفيرا للمملكة في هذا البلد، وبالتالي يجب أن يكون هاجسه تمثيل بلده أحسن تمثيل في مختلف ميادين سوق العمل، واحترام البلد المحتضن ومعاملة مواطنيه معاملة طيبة والتأقلم معهم كأي واحد منهم. ووجهت عكاشة الدعوة للمرأة المغربية التي تعيش في الخارج قبل أن تغادر بلدها أن تعرف حقوقها، وعندما تكون في بلد المهجر ألا تقطع صلتها بأهلها وببلدها الأم، من خلال مواكبة كافة المستجدات وما يشهده من تطور وتنمية خاصة أمام انتشار وسائل التكنولوجيا الحديثة والمتاحة لتسهيل التواصل. وتقول عكاشة، التي تتواجد عائلتها الكبيرة في المغرب، إن الارتباط الوثيق بالوطن مسألة حتمية ليس فقط في السفر في العطل والمناسبات، بل أكثر من ذلك أن لها مشاريع أخرى في المغرب مع عائلتها وتتولى متابعتها. وبذلك، تبقى كنزة عكاشة، بتجربتها وكفاءتها ومسارها المهني، نموذجا للمرأة المغربية المكافحة والمناضلة، التي أثبتت قدرتها على تحقيق التميز والعطاء والمساهمة في تطوير المجتمع ولو في بلاد المهجر، خاصة أنها تؤمن بأن النجاح المهني رهين بالمثابرة والكد والاجتهاد حتى بلوغ المراد. *و.م.ع