دشن المغرب من خلال دستور 2011، الذي شغل ضمنه ورش الجهوية المتقدمة نطاقا واسعا عبر فصوله ومواده، لعهد جديد في البناء المؤسساتي للمملكة، ووطد أسس النظام الديمقراطي الداعم للمنهج التشاركي في تحديد الاختيارات التنموية الكبرى، التي يصاغ جزء كبير منها داخل المؤسسات المنتخبة. وقد يكون النموذج الجهوي من خلال المبادئ العامة المؤسسة لركائزه واحدا من الرهانات الحقيقية والإستراتيجية لتعزيز الديمقراطية التشاركية، وربط المسؤولية بالمحاسبة، والقطع النهائي مع مختلف أساليب الإقصاء والتهميش باعتبارها آليات تعطل هياكل مجلس الجهة، وتقبر النخب الجهوية، مقابل توطيد التدبير الانفرادي، وسيادة القرارات الأحادية . وغدت تجربة مجلس جهة درعة - تافيلالت تجربة صالحة للنقاش والدراسة والمقارنة، فمن خلال رغبة رئيس المجلس، وعكس الطموح الذي يراود عددا كبيرا من مستشاريه في الرقي به إلى مستوى برلمان جهوي قادر على احتضان التنوع وتشجيع الأفكار والاقتراحات، التي لا يمكن أن تنضج إلا في مناخ سليم، وجو ديمقراطي محصن للتوازنات، (رغبته) في ضرب كل هذه القيم والمبادئ، مخولا لنفسه صلاحيات وسلطات تفوق بكثير ما منحه له القانون، ولعل تعامله مع اللجان وتقاريرها لخير مرجع في هذا الباب: فكيف يسمح الرئيس لنفسه بالتدخل في تغيير تقارير اللجان، إذا علمنا أن القانون (المواد 30-31 و32 من المرجع المذكور أعلاه) قد أناط بها مسؤولية دراسة كل القضايا المعروضة عليها، ورفع تقاريرها في الموضوع قصد عرضها على المجلس المخول له قانونا عبر التداول والنقاش تغيير معالمها؟ وأي تدخل خارجه يكون من باب الغلو والشطط؟ وهي الغاية ذاتها (خلق نوع من التوازن) التي جعلت المشرع يرخص لمكتب الجهة بحضور اجتماعات اللجان، ولم يسمح بها لأعضاء اللجان أو مندوبيها (أي حضور اجتماعات المكتب)، لكن رئيس مجلس جهة درعة - تافيلالت يصر على تغيير معالم تقارير اللجان، ويستدعي مندوبيها لعرض التقرير أمام المجلس، فأي تقرير سيعرضه مندوب اللجنة على المجلس، التقرير الأول الذي سهر على إعداده أم التقرير الثاني الذي عدله الرئيس، وغير معالمه وفق أهدافه؟ وهي الملاحظة ذاتها بخصوص مشاريع اتفاقيات الشراكة التي تلقى المآل نفسه، فبعد أن تحظى بنقاش مستفيض بين أعضاء المجلس داخل اللجان، تخضع للتعديل والتغيير، ويجد العضو نفسه مجبرا خلال الدورة على الدفاع عما اقترحه سابقا خلال اجتماع اللجنة، لكن هذه المرة تحت إكراه الزمان، أي الدقائق المعدودة التي يضمنها له النظام الداخلي، فكيف يمكن للعضو الرجوع ليدافع عن أفكاره ومقترحاته، التي شارك في مناقشتها ودراستها في ساعات من الزمن في بضع دقائق بعد أن تم تغييرها؟ وهنا نقف لطرح أسئلة جوهرية: هل بالرجوع بالمجلس إلى مستوى جماعات ما قبل 30 شتنبر 1976 سنبرز نخبا شابة وكفأة؟. ونتساءل جمعيا مع جل ديمقراطيي العالم هل مكاتب البرلمانات تقوم بمراجعة ما درسته وما ناقشته اللجان؟. ويبقى من الضروري التأكيد وبعد مرور سنة ونصف على انتخاب مجلس الجهة، أن منهجية العمل تعتريها الكثير من مكامن الخلل والقصور، حتى لا نقول خلفيات أخرى، خاصة في ما يتعلق بالدفاع وضمان الحقوق التنموية لكافة المجالات الترابية المشكلة لتراب الجهة، فالتجربة أكدت فشل المنهجية العمودية، والبديل المقترح هو العمل الأفقي الذي يضمن الالتقائية بين كل الفاعلين في برمجة المشاريع، وتحديد الاختيارات، ويضمن حقوق المستشارات والمستشارين في المساهمة والمشاركة في اقتراح الحاجيات والأولويات في إطار رؤية تنموية وإستراتيجية واضحة، عوض العمل القائم حاليا بعزم وإرادة رئيس مجلس الجهة وتواطؤ مكشوف من لدن بعض أعضاء المكتب الذين انحازوا لأطروحة الرئيس ضدا على مصلحة تمثلييتهم الحزبية، من خلال دعم العمل العمودي الذي يمكن أن يحتكم لمصالح شخصية وحزبية ضيقة لا تخدم التنمية في مدلولها الشمولي. وكل الممارسين يعرفون جيدا أنه لا يمكن تحقيق الالتقائية إلا على مستوى الأقاليم، ولهذا قرر المشرع إجراء الاقتراع الجهوي المباشر على مستوى الأقاليم. والكل يعي كذلك أنه في آخر الولاية سيحاسب المستشارون سياسيا على مستوى الأقاليم. وفي هذه الحالة يجوز للمستشارين الجهويين محاسبة رئيس جهة درعة تافيلالت على هذه الممارسات التي تقصيهم من القيام بمهامهم لتفادي الحسابات السياسية السلبية. وبما أن الرئيس كان يدافع عن الديمقراطية التشاركية حينما كان وزيرا، وهذا يعني أنه يؤمن باستكمال أشواط تحقيق الديمقراطية التمثيلية التي تبنى أساسا على المجالس المنتخبة، فالمطلوب منه حاليا تنزيل الديمقراطية التشاركية على مستوى هياكل المجلس كأداة لتحقيق الديمقراطية التمثيلية، وأن يبتعد عن المنهجية العمودية السياسوية التي تمارس من الخلية إلى مكتب الجهة. وختاما نؤكد لرئيس مجلس جهة درعة – تافيلالت أن فلسفة تنزيل مشروع الجهوية المتقدمة كانت ولازالت تحتكم في جزء كبير منها، للرغبة الملحة في إنتاج النخب وإبرازها وتمتعيها بكافة شروط المشاركة والمساهمة للقيام بأدوارها المصونة بالدستور والقانون. ولعل هذا الركن كان لبنة أساسية نذكر من خلالها الرئيس بمغزى إطلاق فعاليات الحوار الوطني حول المجتمع المدني؟. وفي السياق نفسه من الممكن أن يطلب مستشارو جهة درعة تافيلالت من المشاركين في الحوار الوطني حول المجتمع المدني مساعدتهم على تحقيق الديمقراطية داخل مجلس جهة درعة تافيلالت.