بعد الاستياء الكبير الذي خلّفته المنهجية التي سلكها عبد الإله بنكيران، رئيسُ الحكومة المنتهية ولايتها ورئيسُ الحكومة المكلّف بتشكيل الحكومة المقبلة، في التشاور مع مكوّنات الحركة الأمازيغية إبّان التحضير لمشروعي القانونين التنظيميّين المتعلقين بتفعيل طابعها الرسمي، ومطالبته لها بإرسال مذكراتها إلى اللجنة المكلفة بإعداد المشروعين عبر البريد الإلكتروني؛ أعلن حزب الأصالة والمعاصرة عن "عرْض بديل" يروم فتح مسارٍ حواري مفتوح أمام جميع مكوّنات المجتمعين المدني والسياسي، حوْل مشروع القانون التنظيمي لترسيم الأمازيغية. انتكاسة حقوقية ودستورية أجمعت العروض التي ألقيتْ خلال اليوم الدراسي الذي نظمه فريقا حزب الأصالة والمعاصرة، بكل من مجلس النواب ومجلس المستشارين، حول مشروع القانون التنظيمي 26.16 المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، على أنَّ مشروع القانون الذي أعدّته الحكومة "يشكّل انتكاسة وردّة عن الحقوق والمكتسبات". أحمد أرحموش، منسق الفيدرالية الوطنية للجمعيات الأمازيغية، قال، في مستهلّ مداخلته، إنّ مشروع القانون التنظيمي سالف الذكر "أُعِدَّ بشكل سري وبشكل مغلق داخل مكاتب رئاسة الحكومة، بدون أي تشاور أو احترام للديمقراطية التشاركية". وانتقد الناشط الأمازيغي تخصيص مادة واحدة للأمازيغية في مجال التقاضي، واختصارها في التواصل بين هيئة المحكمة والمتقاضين. وأردف أرحموش أنَّ من حقّ أيّ مواطن مغربي أمازيغي أن يتحدث باللغة الأمازيغية داخل المحاكم، وأن تتحدّث معه هيئة المحكمة بلغته الأم، دونما حاجة إلى أن توفّر له المحكمة ترجمانا، انطلاقا من مبدأ المساواة بيْن اللغتين الرسميتين للدولة، المنصوص عليهما في دستور 2011، وهما العربية والأمازيغية، مضيفا "الأمازيغية ثابت من ثوابت الدولة ويجب التعامل معها بشكل شمولي". وذهب المتحدث ذاته إلى القول إنَّ ما جاء به المشروع القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية غير قابل للتطبيق؛ "بل يعطّل مسار تفعيل الأمازيغية في مجال القضاء، لأنّ نص مشروع القانون يتعامل مع الأمازيغ باعتبارهم أجانبَ أو لاجئين في أوطانهم، وكأنّ الحكومة تضع قانونا لأقلية في المغرب"، على حدّ تعبيره. إرادة سياسية من جهته، شدّد الحسن أيت باحسين، عضو الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي، على ضرورة أن تكون الأمازيغية لغة مؤسسات قصد إدراجها في مشروع الديناميات المواطنة، الساعية إلى تعزيز التعدد اللغوي والتنوع الثقافي، تفعيلا لمقتضيات دستور 2011، واستجابة لمضامين المواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي صادق عليها المغرب. وأضاف آيت باحسين أن تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية ليس مسألة تقنية؛ بل مسألة إرادة سياسية ومقاربة قانونية منصفة وعادلة، موضحا أنَّ الإرادة السياسية ليست هي النوايا الحسنة، "بل أن تطرح العلاقة بين اللغتين الرسميتين للدولة طرحا شموليا، يوفره لهما التعايش التام مع تفادي السياجات الدوغمائية؛ وذلك ببلورة الطابع الرسمي للأمازيغية، وبالشرعية القانونية لها من قوانين تنظيمية ومراسيم". الحسين مجاهد، الكاتب العام للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، استهلّ عرضه بالإشارة إلى ضرورة اتخاذ السلطة التنفيذية وذوي القرار كل التدابير والإجراءات المُلزمة والكفيلة بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، مشيرا إلى أنَّ ثمّة ضرورة إلى بناء سياسة لغوية بعد دستور 2011، وترصيد المكتسبات المحققة في مجال النهوض بالأمازيغية خلال العُشرية الأخيرة. وإذا كانت الحكومة تقول إنّ مشروعي القانونين التنظيميين المتعلقين بتفعيل الطابع الرسمية للأمازيغية وإحداث المجلس الوطني للغات والثقافة الأمازيغية قد جرى إعدادُهما وفق مقاربة تشاركية، وأخذت بعين الاعتبار مذكرات وآراء الفاعلين والمهتمين؛ فإنّ ممثل المجلس الوطني لحقوق الإنسان قال إنّ المجلس يعتبر أنّ المقاربة التي اعتمدتها الحكومة في إعداد مشروعي القانونين التنظيميين "لم تكن مقاربة شمولية، عكس ما قامت به الحكومة في إعداد مشاريع القوانين التنظيمية الأخرى". وقدّم فريقا الأصالة والمعاصرة بالبرلمان جُملة من التوصيات؛ فقد طالبا، في ما يخصّ حضور الأمازيغية في مجال العدالة، بإدماج الأمازيغية طيلة مراحل المُحاكمة، منذ الاعتقال. كما طالبا برفع ساعات البثّ التلفزيوني المخصصة لها، وأن تشمل مختلف وسائل الإعلام، وإدراج الأمازيغية ضمن برامج محاربة الأمية، وإلغاء عدد من العبارات الواردة في مشروع القانون التنظيمي 26.16، والتي تجعل مضمون المشروع غيرَ إلزامي. كما طالبا بخلق آلية مستقلة لمتابعة الإنجازات المكتسبات المُحقّقة للأمازيغية، تكون مستقلة عن رئيس الحكومة.