"بكل بساطة، جريمة غسيل الأموال هي: جريمة صناعة الأكاذيب الصادقة، ومهارة افتعال الحقائق الكاذبة، وحرفة اختلاق الواقع المزيف ليبدو حقيقة". بهذا التعريف استهل الدكتور هشام العيساوي، مقدم شرطة بالمجموعة الرابعة للمحافظة على النظام بولاية أمن مدينة فاس، بحثه الذي بموجبه حصل على شهادة الدكتوراه بتقدير "مشرف جدا"، في موضوع: "أثر جريمة غسيل الأموال في النظام المصرفي وسوق الأوراق المالية". واعتبر أن جريمة غسيل الأموال تتمثل بالدرجة الأولى في الأرباح غير المشروعة؛ أي عائدات تجارة المخدرات المعروفة بالأموال القذرة، التي تقوم بعض البنوك الرئيسة في العالم بإعادة ضخها في الاقتصاد العالمي، بعد غسلها عبر سلسلة من العمليات بالغة التعقيد، لتعود بعد ذلك إلى أصحابها في جو من الأمان والثقة بعيداً عن أعين الرقابة. وبالإضافة إلى جريمة الاتجار بالمخدرات، هناك جرائم أخرى ترتبط ارتباطاً وثيقاً بعملية غسيل الأموال، مثل الإرهاب الدولي، والاتجار بالأسلحة، والاتجار بالأعضاء البشرية، والرقيق الأبيض...إلخ. وكل هذه الجرائم هي جرائم عابرة للحدود الدولية، تقوم بها مؤسسات دولية وعصابات منظمة. وأضاف "الدكتور الشرطي" أن المؤسسات المالية، لاسيما البنوك، لعبت دور الريادة في إنجاح هذه الجريمة، لما توفره من قنوات شرعية وغير شرعية تمكّن المتورطين من الوصول إلى أهدافهم غير المشروعة، من خلال اعتماد سياسة السرية المصرفية، أو الإفصاح عن معلومات خاصة، أو فتح حسابات مصرفية في غير الأحوال المصرح بها قانوناً، أو الامتناع عن الإخطار عن العمليات المشبوهة، أو الامتناع عن إمساك وحفظ السجلات والمستندات الخاصة بالعمليات المالية. وبالإضافة إلى ذلك، أورد الباحث استغلال ضعف الأجهزة الرقابية، وقلة البرامج التدريبية للعاملين في القطاع المالي، وكذا عدم تطور النظم المعلوماتية، وضعف النصوص القانونية المعاقبة لهذه الجريمة، ناهيك عن دور الأبناك في الوقوف كحاجز منيع أمام انتشار هذه الآفة؛ وذلك عن طريق رفع السرية المصرفية، وتطبيق قاعدة "اعرف عميلك"، المتمثلة في التثبت من شخص العميل بين العالم الحقيقي والعالم الافتراضي، وكذا اعتماد سياسة التقارير الدورية حول النشاط المصرفي وتحليل مخرجاتها. وأضاف الباحث أن الأسواق المالية أو البورصة، باعتبارها الوعاء الذي يتم عن طريقه تصريف موارد البلاد التي تمثل الجزء الأكبر من الثروات، إذا لم تكن خاضعة لنظم وضوابط شرعية وقانونية، فإنها تتحول إلى مسرح للعبث والكسب الحرام. لذلك انصب اهتمام غاسلي الأموال على استغلال هذه السوق، لما توفره من إمكانيات تساعد في إخفاء أموالهم المشبوهة، أو كسبهم لأموال بطرق التلاعب والتزييف، مستغلين في ذلك ذوي النفوس الضعيفة، من القائمين على هذا المرفق الحيوي، من خلال تشجيعهم على إفشاء السر المهني، أو الإدلاء ببيانات كاذبة عن الوقائع الجوهرية، أو إغفال إظهار هذه البيانات، بالإضافة إلى اعتماد الوساطة غير القانونية، وكذا الاستغلال الشخصي للمعلومات، مما يؤدي إلى عرقلة السير العادي للسوق المالي. ولا ينكر العيساوي أن المجتمع الدولي قد تحرك في هذا الشأن بدء من سنوات الثمانينات، في شكل اتفاقيات ومعاهدات صادرة عن الأممالمتحدة، أو الاتحاد الأوروبي، أو منظمات ذات طابع إقليمي دولي، كان القاسم المشترك بينها هو مكافحة غسيل الأموال، الناتجة عن جرائم المتاجرة بالمخدرات والمؤثرات العقلية، وجرائم أخرى مهما كان حجمها، خاصة مع التطور الذي عرفته الأسواق المالية، وانعكاس ذلك على تفاقم الظاهرة وتوسعها. غير أن هذه الجهود المبذولة لمكافحة عمليات غسيل الأموال تقابلها جهود مضادة؛ حيث تشهد عمليات غسيل الأموال دخول مجموعات من المتخصصين في مختلف المهن، يتم توظيفهم من قبل غاسلي الأموال لمساعدتهم في تنظيف الأموال وتحويلها إلى أموال قانونية. كما أكد العيساوي غياب ترسانة قانونية وطنية كافية لتجريم هذه الجريمة؛ فالبرغم من وجود القانون رقم 05-43 التمعلق بمكافحة جريمة غسيل الأموال، الصادر في 17 أبريل 2007، فهو لايزال محتشما ولا يلامس الجوانب المتعددة لهذه الجريمة، يوضح العيساوي، الذي دعا إلى العمل على المساهمة في الحد من تفشي هذه الجريمة مستعيناً بالقوانين والاتفاقيات المكافحة لها، محاولة منه إسقاطها على القانون المغربي والاستفادة من التجارب السابقة في هذا الشأن.