التوقيع بين المغرب وفرنسا على 21 اتفاقية بقيمة تناهز 10 مليارات دولار    صورة الملك محمد السادس مستعينًا بعكاز طبي تُثير اهتمامًا وتعاطفًا واسعًا لدى المغاربة        في سن السابعة عشرة.. لامين يامال يدخل التاريخ بجائزة كوبا كأفضل لاعب شاب        الملك محمد السادس يجري مباحثات مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون    وهبي يطالب بتعويض مليار سنتيم وب "أقصى العقوبات" للصحفي المهداوي    منصة "إكس" تعلق حسابا ينشر باسم المرشد الإيراني الأعلى    نقابة عمالية تجدد رفض "تكبيل الإضراب"    البواري: مخطط "المغرب الأخضر" يضمن تموين الأسواق.. وأسعار اللحوم مستقرة    وزيرة الاقتصاد: الحكومة لا تُنكِر غلاء الأسعار.. والالتزام قائمٌ بإصلاح التقاعد    نشرة انذارية جديدة تهم عدد من المناطق من بينها الحسيمة والدريوش    خطاب الكراهية يحيل المالكي على القضاء    إطلاق حملة لاستدراك تلقيح الأطفال    مركب صيد ينتشل جثة بشرية بساحل الحسيمة    الداخلة.. اكتمال عدد المؤهلين إلى المسابقة الوطنية والدولية للصيد السياحي الرياضي    "لوموند": الجزائر مستاءة من التقارب المغربي الفرنسي.. والرباط نجحت في اختبار القوة الذي فرضته على باريس    بوادر انفراج الأزمة .. تفاصيل أول لقاء لميداوي والتهراوي مع طلبة الطب    "مانشستر يونايتد" يقيل مدربه الهولندي    الناظورية كوثر بعراب تفوز بالميدالية الذهبية في البطولة الوطنية للكيك بوكسينغ    مقتل إيراني مدني في ضربات إسرائيل    الكوليرا تودي بحياة أكثر من 100 شخص في تنزانيا خلال 10 أشهر    الفنان زكرياء الغافولي يصدر أحدث أعماله الغنائية المصورة    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الارتفاع    أخبار الساحة    مطارات المغرب تسجل رقما قياسيا بأزيد من 24 مليون مسافر خلال 9 أشهر    إحالة إلياس المالكي على وكيل الملك بتهمة "تسويق خطاب الكراهية"    تقرير: جهة طنجة تسجل إحداث أكثر من ألف مقاولة كل شهر    مقاييس التساقطات المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية        تقرير: ارتفاع المخزون المائي إلى 918 مليون متر مكعب بشمال المغرب    سعيدة فكري ترد على إتهامات رفضها الغناء أمام جمهور أكادير    الملك يشيد بالصداقة والتعاون مع التشيك    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    وفاة طالب بكلية الطب بمراكش تثير قلقا حول الأوضاع النفسية والخدمات الصحية    الاحتفاء بالأديب محمد برادة في 24 مدينة تكريم لستة عقود من العطاء الأدبي والفعل الثقافي    آخر اختيار يواصل التألق والفاسي تظفر بجائزة أحسن ممثلة بمهرجان دولي في الكاميرون    يونايتد إيرلاينز تطلق أول خدمة مباشرة على الإطلاق بين مراكش ونيويورك/نيوارك    تازة: دار الطالب والطالبة أمسيلة تجسيد بارز لانخراط المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في النهوض بخدمات مؤسسات الرعاية الاجتماعية    جنوب إفريقيا تقدم اليوم ملفا ل"العدل الدولية" لإثبات اتهام إسرائيل بالإبادة الجماعية في غزة    أسعار الصرف .. الأورو والدولار تحت المجهر أمام الدرهم    المغربي يونس الخمليشي يفوز بجائزة قطر العالمية لحوار الحضارات    العراق يحتج على استخدام إسرائيل أجواءه لمهاجمة إيران    "سبيس إكس" الأمريكية تطلق 22 قمرا صناعيا جديدا إلى الفضاء    ترامب يسعى ليكون الرئيس الأمريكي الثاني الذي يعود إلى البيت الأبيض بدورتين غير متتاليتين    هناك أرضية خصبة لإنضاج مشاريع سينمائية مشتركة بين المغرب وموريتانيا (سينمائيون)        في مواجهة عرفت طرد أمين حارث.. باريس سان جيرمان يكتسح مارسيليا بثلاثية    مقترح مصري لوقف موقت لإطلاق النار في غزة ومفاوضات بالدوحة أملا في إنهاء الحرب    حظوظ وزير الصحة والحماية الاجتماعية لبلوغ الغايات والأهداف المنشودة    عضة بسيطة من كلب أليف "كانيش" تتسبب في وفاة شاب    الصحة العالمية تحذر: أعراض ارتجاج المخ قد تتأخر في الظهور        مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    وهي جنازة رجل ...    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    الملك محمد السادس: المغرب ينتقل من رد الفعل إلى أخذ المبادرة والتحلي بالحزم والاستباقية في ملف الصحراء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بنيس: التزمّت الديني والاستهلاك الإعلامي يغتالان ألق العربية
نشر في هسبريس يوم 12 - 02 - 2017

في ليلة باردة، تدفأ مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث بمدينة المحرق التاريخية، شمال البحرين، بباقة من قصائد الشاعر المغربي محمد بنيس. لمعت شمس الكلمات وأينعت شجرة الحلم في قصائد "فاس الدهشة"، و"تحت سماء الخطوط"، و"سكر"، و"لم أعد أذكر متى جاءني الأزرق"..
القصيدة الباذخة، معنى ومبنى، سبرت أغوار المجهول واللانهائي. شعر فرض بهاءه على الفضاء وحفر عميقا في الذوات وهي تنصت لارتطاماتها الداخلية. كانت ذبذباته لذيذة وموجعة في آن. ذبذبات كان وقعها ممتدا لا آنيا.
إنها صنعة الشعر البارعة: الصور تولد وتلاحق بعضها البعض واللغة شفيفة وكأنها تتدفق صافية من نبعها الأول. حركات اليد تؤثث المشهد وكأنها يد مايسترو يبدع تقاسيم سمفونية فريدة، والصوت ينخفض حد الهمس ثم يعلو كموج هادر قبل أن يخيم الصمت على المشهد.
إنه الشاعر الحداثي يغدق الجمال مدرارا، ويفتح نوافذ الحلم السالك نحو طهرانية الذات والعالم، نحو المرتع الخصب الشاسع للحياة والحب.. هي صرخة الحرية مدوية في وجه التحجر والانغلاق، البشاعة والقبح.. من غير الشاعر يفك طلاسم وجودنا الغامض والغرائبي ويكنس الرواسب المتحرجة في دواخلنا؟. من غيره يدثرنا بورقة البهاء لنستدفئ من برد وعراء الوقت.. ؟ "إنما سمي الشاعر شاعرا لأنه يشعر بما لا يشعر به غيره"، يؤكد ابن رشيق القيرواني في كتاب "العمدة".
وطأ بنيس لقراءته الشعرية برسم صورة قاتمة للزمن الراهن المضاد للشعر، حيث نجتاز في زمن الأدب التجاري الإعلامي مرحلة العولمة وهجران اللغة التي لم يبق لها بعد، وهذا الهجران هو للشعر أيضا. لقد سجل بمرارة أن الشعر العربي انطلق من فكرة العروبة وأساسها اللغة والآداب، "وهذه الفكرة ستغيب عنا غيابا شبه طويل".
فكرة العروبة هي التي أعطت اللغة العربية مكانها، وكان الشعر في مقدمة الأدب الذي قام بثورة في الثقافة العربية، وكل من يعرف الشعر العربي يدرك أن الشعراء قاموا بعمل مدهش في اللغة العربية وفي العقلية والخيال والتصور. وهذا كله يتعرض اليوم للهجران إما إلى الرواية وإما إلى خطاب ديني متزمت، أو إلى خطاب إعلامي استهلاكي.
هجران اللغة هذا يتطلب، من منظور الشاعر، مقاومة من خلال اعتبار الشعر لغة أولا. إن حب الشعر والدفاع عنه هو أولا تمسك باللغة والاشتغال عليها لأن ما يجب أن يبقى هو اللغة، وما يبقى يؤسسه الشعراء وحدهم.
الشعر سيد المجهول لا المعلوم، وثمة حاجة للعودة إلى المجهول، إلى الأساس في الإنسان. الإنسان أساسه ليس المعلوم ولكن المجهول، إنما هو ليس هذا المجهول الذي يلتبس علينا ولكنه المجهول الذي يقودنا نحو اللانهائي فينا، وهذا لا يكون إلا من خلال هذا الشعر الذي يفجر كل الحدود الممكنة من أجل بلوغ الأفق اللانهائي.
إن كل الشعراء الذين يقاومون من أجل الشعر، يؤكد صاحب ديوان "هناك تبقى"، هم واعون أكثر بدور الشاعر في هذا الزمان. إنه ليس شاعر الخطابة أو البلاغة، وليس شاعر الفتنة.. هو شاعر يشتغل في المناطق السلمية التي نكاد لا نراها.
الشاعر المغربي شدد على أن الشعر كان دائما ضروريا لأنه هو العنصر الذي يصل بالإنسان من خلال اللغة إلى أصفى حالات الأحاسيس والعلاقة بالأشياء وبالآخرين وبالكون. إلا أن هذه الضرورة تأخذ أشكالا متعددة حسب مراحل من التاريخ أو أوضاع حضارية وعلمية مختلفة.
نحن اليوم نعيش مرحلة صعبة في العالم العربي مطبوعة بالتطرف الديني وفكر الانغلاق الذي لا يرى في الحياة سوى ما بعد الموت، يردف بنيس، مبرزا أن الشعر هو لغة الحياة، والتشبث بالحياة هو تشبث بالشعر في الوقت نفسه لأنه هو الذي يعلمنا في كل لحظة كيف يمكن أن نتعامل مع تفاصيل حياتنا ولكن في نفس الوقت مع الأسئلة الكبرى التي نحس أنها تعترضنا في حياتنا أو أنها تفتح لنا أفقا لكي نتعلم كيف نعيش.
لذلك يجزم الشاعر بأن ضرورة الشعر اليوم هي ضرورة مضاعفة، وهذا ليس مجرد كلام بلاغي أو دعائي ولكنه صادر عن تصور للشعر وأهميته عبر المجتمعات والتاريخ، وهذه هي الضرورة المضاعفة التي لا بد أن ننتبه إليها اليوم في العالم العربي إذا كنا فعلا نفكر في تجاوز ما نعيشه بأفق مفتوح على المستقبل، ولا نكون في تفكيرنا منحصرين فقط في تفكير إما أمني أو وقائي محدود الفاعلية والأثر.
وعن الشعرية، يوضح بنيس أنه في القديم كان الإلمام بالتقنية الشعرية محدودا في مجموعة من القواعد الأولية وكان على الشاعر أن ينمي في ما بعد شخصيته الشعرية، أما اليوم فلم تعد هذه الضوابط بالصرامة التي كانت عليها من قبل. هناك ضوابط أخرى منها ما يمكن أن نلمسه بسهولة وهناك ما لا يمكن أن نعرفه إلا من خلال شاعر معين.
إن الشعرية اليوم، وكما في كل الأزمنة، شعرية فردية ولكن كان هناك غطاء إما للشعرية العربية أو الشعرية اليونانية أو الفارسية وغيرها وهذا شيء طبيعي، إلا أننا اليوم، يبرز الشاعر، أمام شعريات فردية أوضح، وهي شعريات تتطلب مجهودا مضاعفا في استيعاب هذا الجانب الذي كان أساس بناء القصيدة العربية أولا، ثم الانفتاح على التجربة الشعرية الحديثة في كل مكان، لأن هذا هو مصيرنا، وفي الوقت نفسه لابد من أن يستطيع الشاعر أن يصل إلى تكوين لغته الخاصة وعالمه الشعري الخاص، وهو ما يبرر كتابة الشعر، وبهذا نصل إلى النقطة الأساسية وهي الصوت الشخصي للشاعر وشاعريته.
* و.م.ع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.