لعل المتابع للشأن المغربي، مثل حالتي من الأقليات الدينية، لا يخفى عليه أن هناك شيئا جديدا يحصل في المغرب، أن هناك تغييرا في الاتجاه، بدءا من تغيير المناهج الدراسية الدينية، مرورا بإعلان مراكش عن حقوق الأقليات الدينية في العالم الإسلامي، وصولا إلى حوار الملك محمد السادس الذي تحدث فيه بصفته أمير كل المؤمنين من كل الأديان والاتجاهات وليس المسلمين فقط...، بل حتى الصحافة التي كانت تحاصر المسيحيين وأحيانا تنشر عنهم الأكاذيب وتهاجمهم تغيرت. كل هذه المؤشرات مفرحة وتدل على أن المغرب اختار خيارا صحيحا على الأقل في البداية؛ لأن الطريق صعب ومليء بالعقبات؛ ولذلك يتطلب تظافر جهود الجميع، أفرادا وجمعيات ومؤسسات، والتشاور مع كل الفاعلين الحقوقيين والصحافيين والمفكرين، بل والاستفادة من تجارب البلدان المتقدمة في هذه المجال. لا شك أن هذا الانفتاح سينعكس إيجابا على المغرب في الأيام القادمة؛ فالتقارير التي ترصد الحريات الدينية ستضع المغرب في مرتبة أحسن بكثير من قبل، والتقارير الحقوقية ستأخذ هذه التحولات بعين الاعتبار. سمعة المغرب مهمة جدا في علاقات المغرب الاستراتيجية ومهمة للاستثمارات ومهمة في مساعدة المغرب على ربح قضاياه المصيرية، مثل قضية الصحراء. هذا الانفتاح سيساعد المغاربة المسيحيين داخل الوطن وخارجه في الانخراط في مساعدة المغرب من كل النواحي، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، واستخدام علاقاتهم وإمكانياتهم أيضا لخدمة الوطن. لمن لا يعرف ماذا كان يحصل للمسيحيين المغاربة إلى حد قريب، كانوا يعتقلون ويتم استجوابهم واستنطاقهم بشكل شبه مستمر، يوضعون تحت المراقبة، تراقب مكالماتهم ومراسلاتهم وحتى بيوتهم ومكاتبهم وأسفارهم وتحركاتهم، يتم تهديدهم أحيانا كثيرة من طرف الأمن ومن طرف السلطات المحلية، يتم استخدام التعنيف والضرب، ويتم الشتم والقدح فيهم وفي زوجاتهم أحيانا أمام أعين الجميع بكلمات نابية لإذلالهم. مرات كثيرة تم إجبار الشباب على إمضاء التزامات بالعودة إلى الإسلام وترك المسيحية، وبعدم تنظيم الاجتماعات أو المشاركة فيها، أحيانا تم الهجوم على اجتماعات الصلاة والعبادة واعتقال كل من فيها ومصادرة كل ما لديهم من كتب أو حواسيب أو هواتف نقالة أو أي شيء يستخدمونه، وطبعا حين يصادر فهو في عداد المفقودات. الكثير منهم تمت عرقلة أوراقهم الثبوتية، مثل جواز السفر، والبعض منهم تم منعه من السفر لمدة طويلة. بعض المغاربة فضلوا الخروج خارج المغرب هروبا بحريتهم وحرية أولادهم، وبعضهم فضل النضال من الداخل، وبعضهم لم يكن لديه خيار، مجبر لا بطل، وهنا لا أنسى أن أذكّر السلطات المغربية بأن الأخ جامع أيت باكريم لازال يقبع في سجونها بسبب مسيحيته، يقبع منذ 2005 إلى الآن، أتمنى أن يتم إطلاق سراحه في القريب العاجل. هل سيمضي المغرب في مساره هذا أم سيتوقف عند هذا الحد؟ هل سيأتي اليوم الذي أستطيع فيه (أنا وغيري) أن أدخل المغرب دون أن أخشى التوقيف أو المساءلة؟ هل سيأتي اليوم الذي نستطيع أن نجتمع فيه علانية تحت حماية السلطات نمارس شعائرنا وصلواتنا دون أن يعتدي علينا أحد؟ هل سيأتي اليوم الذي يستطيع فيه المغربي المسيحي أن يسمي ابنه بطرس دون أن تمنعه السلطات من ذلك؟ هل سيأتي اليوم الذي يستطيع فيه المغربي المسيحي أن يحصل على كتابه المقدس باللغة العربية من المكتبة دون أن يضطر لتهريبه من الخارج؟ هل سيأتي اليوم الذي تستطيع فيه المغربية المسيحية أن تتزوج المسيحي اللبناني أو الفلسطيني أو المصري أو الفرنسي أو الأمريكي دون أن تحتاج إلى التحايل على القانون أو الإسلام الشكلي في الأوراق حتى يتسنى لها الزواج قانونيا والحصول على عقد الزواج الذي يمنع زواج المغربية (أي مغربية) من شخص غير مسلم باعتبارها مسلمة (حتى لو كانت مسيحية)؟ أسئلة كثيرة تدور في ذهني، وهي الآن مجرد أحلام بسيطة يحلم بها الكثير من المغاربة المسيحيين ويتمنون أن يأتي اليوم الذي تصير فيه هذه الأحلام واقعا معاشا. *إعلامي مغربي مسيحي