أثار قرار المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينت)، القاضي بفرض الاعتقال الإداري على كل شخص يُشتبه بدعمه أو انتمائه لتنظيم "داعش" الإرهابي، عقب عملية الدهس التي وقعت بمدينة القدس يوم الأحد الماضي، وأسفرت عن مقتل وجرح إسرائيليين، التساؤلات حول حقيقة محاولات التنظيم المتطرف إيجاد موطئ في الأراضي الفلسطينية. وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مساء الأحد، إن منفذ عملية الدهس في مدينة القدس معروف لدى أجهزة الأمن، ووفقا لكل المؤشرات، فهو من أنصار تنظيم "داعش" الإرهابي. وأضاف، بحسب نص تصريحه، "نعلم أنه تم ارتكاب سلسلة من العمليات الإرهابية ويمكن بالتأكيد أن تكون هناك صلة بين هذه العملية الإرهابية بأورشليم والعمليات الإرهابية التي ارتكبت في فرنسا وفي برلين، إننا نحارب هذا الوباء وسنتغلب عليه". غير أن محللين فلسطينيين وإسرائيليين استبعدوا وقوف تنظيم "داعش" وراء العملية، مؤكدين أن نتنياهو يسعى إلى وسم المقاومة الفلسطينية بالإرهاب، من خلال ربطها بتنظيم الدولة، لتحقيق مكاسب سياسية وجلب تعاطف دولي، إلا أنهم، في الوقت ذاته، لم يستبعدوا شن هجمات مماثلة ينفذها محسوبون على التنظيم. ولم يتبنَّ "داعش" العملية كما لم تتبناها أي من الفصائل الفلسطينية، حتى اللحظة، واكتفت بمباركتها والإشادة بها. ونقلت وسائل إعلام، ليل الثلاثاء، تبني جهة مجهولة تدعى كتائب الشهيد بهاء عليان للعملية. وكان الهجوم الذي وقع يوم الأحد الماضي قد أدى إلى مقتل 4 جنود وإصابة 15 آخرين، بينهم واحد في حال الخطر. ولم يسبق لتنظيم "داعش" أن نفذ عمليات ضد أهداف إسرائيلية أو يهودية في إسرائيل أو العالم، ولا ينظر الأمن الإسرائيلي إلى هذا التنظيم على أنه خطر. ونفت الشرطة الإسرائيلية، مساء الأحد، وجود خلايا نشطة لتنظيم "داعش" الإرهابي في البلاد. وقال المتحدث باسم الشرطة الإسرائيلية، ميكي روزنفيلد، في تصريحات لقناة "سي إن إن" الأمريكية، إنه "ليس هناك احتمالات بوجود خلايا نشطة لتنظيم (داعش) في إسرائيل". وقال آفي لساخروف، الخبير الإسرائيلي في الشؤون الفلسطينية والعربية والمحلل في موقع "واللا" الإخباري الإسرائيلي المستقل، "طبقا للمعلومات التي حصلت عليها من المستوى الأمني الإسرائيلي، فإن داعش لا يشكل خطرا على أمن إسرائيل". وأضاف: "في نهاية الأمر، فإن عدد الناس المحسوبين على التنظيم في الضفة والقدس وحتى عرب إسرائيل محدود جدا جدا"، معتبرا أن "المشكلة التي تواجه الأمن الإسرائيلي هي أنه حتى لو كان العدد محدودا، فإن ذلك قد ينتهي بعملية هجومية كتلك التي شهدناها في القدس على نمط ما جرى في نيس الفرنسية وبرلين الألمانية، ولكن هذا التنظيم لا يشكل خطرا وجوديا على إسرائيل. وكما قلت، فنحن نتحدث عن العشرات لا أكثر". وتابع لسخاروف: "العمل الذي جرى هو على الأرجح فردي، فلا نتحدث عن عمليات يتلقى منفذوها التوجيهات من الرّقة (سوريا) أو الموصل (العراق)، وإنما عمل متأثر بمشاهد عمليات جرت في الخارج". في المقابل، اعتبر لساخروف أن التنظيمات الفلسطينية، مثل حماس والجهاد الإسلامي، تشكل خطرا حقيقيا على إسرائيل، وليس تنظيم "داعش". من جهته، رأى مهدي عبد الهادي، رئيس الجمعية الفلسطينية الأكاديمية للشؤون الدولية في القدس "باسيا" (خاصة)، أنّ عملية القدس، "فردية"، بدون توجيه أو مرجعية تنظيمية. وأضاف: "دافع العملية هو الانتقام من السياسات الإسرائيلية في القدس". وتابع: "ما يحدث في جبل المكبر هو تعبير عن المأساة الإنسانية والغضب المكبوت في القدس نتيجة الممارسات الإسرائيلية، وبخاصة هدم المنازل؛ حيث سجل العام 2016 ارتفاعا كبيرا في عدد عمليات الهدم، بما في ذلك في جبل المكبر". ورأى عبد الهادي في اتهامات نتنياهو وسيلة من أجل كسب تأييد الرأي العام الدولي، لكنه استدرك قائلا: "من أجل إخراج إسرائيل من عزلتها والانتقادات الدولية للاستيطان، فإنه يرى (نتنياهو) أن من مصلحته ربط أي حدث بما يجري في الغرب، فهذا مريح له ليقول للعالم الغربي أنا ضحية مثلكم". وفي قطاع غزة، يرى عدنان أبو عامر، مدرس العلوم السياسية بجامعة الأمة (خاصة) بمدينة غزة باحث في الشؤون الإسرائيلية، أن نتنياهو يحاول "مساواة المقاومة الفلسطينية بتنظيم داعش، من أجل كسب التعاطف الدولي". وقال أبو عامر: "الاتهامات عبارة عن تصريحات دعائية، وجزء من الحرب الإعلامية، التي تتساوق اليوم مع محاربة العالم وإجماعه على تنظيم داعش وهويته الإرهابية، (...)، وبالتالي الحكومة الإسرائيلية تريد أن تظهر كما لو أنها ضحية تعاني من الإرهاب العالمي". واستبعد أبو عامر وجود خشية إسرائيلية من تغلغل تنظيم "داعش" وانتشاره في الأراضي الفلسطينية وتنفيذه لعمليات ضد أهداف تابعة لها. وتابع: "نتنياهو يحاول وضع إسرائيل ضمن التحالف الدولي ضد الإرهاب، ومنع أي تعاطف دولي مع الفلسطينيين، ولكن أمنيا الحكومة الإسرائيلية تدرك جيداً أنه لا وجود لخلايا التنظيم وانتشارها بشكل منظم أو بالشكل الذي يشكل خطرا عليها". لكن أبو عامر يرى أن التنظيم في ظل ما يتعرض له من ضربات في سورياوالعراق، وفي أماكن تواجده، قد يلجأ إلى تنفيذ هجمات ضد أهداف إسرائيلية. وأضاف: "التنظيم قد يبحث عن التعاطف الشعبي، خاصة أن أي عملية ضد أهداف إسرائيلية داخل الأراضي الفلسطينيةالمحتلة تقابل بترحيب شعبي واسع". غير أن أبو عامر عاد للتأكيد أن التنظيم لا يملك أي تواجد تنظيمي في فلسطين، وأن هناك أعدادا محدودة فقط تعلن تأييدها وانتماءها ل"داعش". وفي الضفة الغربية، تنفي الأجهزة الأمنية الفلسطينية أي وجود لتنظيم الدولة، كما لا تتوفر معلومات دقيقة حول حجم التأييد له في قطاع غزة. ودأبت وزارة الداخلية بغزة، التي تشرف عليها حركة حماس، على نفي أي وجود للتنظيم، لكنها تقول إنه "من الوارد والطبيعي، كما في كل المجتمعات، أن يعتنق بعض الشباب الأفكار المتطرفة". وفي التاسع عشر من يناير 2014، قام مناصرو "داعش"، (نحو مائتين من الشبان) بالخروج في مسيرة علنية جابت شوارع مدينة غزة الرئيسية، في ظهور علني لأول مرة. وبين الفينة والأخرى، تعلن مصادر أمنية فلسطينية، ومواقع محلية، عن مقتل أحد الشبان الفلسطينيين أثناء قتاله في صفوف تنظيم "داعش" في سوريا، والعراق. ولا تتوفر معلومات دقيقة حول أعداد الفلسطينيين الذين يقاتلون في صفوف التنظيمات الجهادية في سورياوالعراق. بدوره استبعد الصحافي محمد دراغمة، المختص بشؤون الحركات الإسلامية، محاولة تنظيم "داعش" تأسيس قاعدة له في فلسطين أو القدس. وقال إن القدس ليست من أولويات "داعش"، وكما هو معروف في نقاشاتهم الداخلية يقولون إن الأولوية إقامة "الدولة" في الدول المحيطة في فلسطين ويعتبرونها الطريق نحو القدس. ولفت إلى أن "نتنياهو" يحاول إقناع العالم الغربي بأن إسرائيل مستهدفة، كفرنسا وألمانيا، من الإرهاب الإسلامي، وأن الصراع الدائر مع الفلسطينيين هو بين دولة ديمقراطية (إسرائيل) وتطرف إسلامي، وليس صراعا سياسيا على أرض محتلة. وقال "دراغمة" إن ظاهرة السلفية هي الأقل في فلسطين. وبرهن على ما ذهب إليه بالقول: "في السجون الإسرائيلية هناك نحو 15 معتقلا فلسطينيا فقط محسوبون على التيارات السلفية، من أصل نحو سبعة آلاف معتقل". وأضاف: "لدينا في فلسطين حركات إسلامية ذات تجربة وتستقطب أي شخص لديه ميول إسلامية". بدوره أكد الدكتور نشأت الأقطش، أستاذ الإعلام والعلاقات الدولية في جامعة بيرزيت، عدم وجود أي حضور حقيقي لتنظيم "داعش" في فلسطين. وقال لوكالة الأناضول: "ما جرى في مدينة القدس من هجوم أمس يدل على حالة المقاومة المستمرة ضد الاحتلال، والاضطهاد الذي تمارسه إسرائيل في القدس خاصة". وأضاف: "نتنياهو يسعى إلى وسم المقاومة الفلسطينية بالإرهاب، من خلال ربطها بتنظيم داعش، لتحقيق مكاسب سياسية، واستجداء الإدارة الأمريكيةالجديدة لدعمه في محاربة الفلسطينيين".