ابن كيران صمد أمام الكثير من الضغوطات والإكراهات، بل وحتى المناورات، من أجل المصلحة العامة. وساهم بقوة في التوجه في بالحياة السياسية نحو السمو، من خلال التمكين لأسس معقولة ومعيارية، تهم تقاسم المعلومة مع المواطنين، والالتزام بقيم المسؤولية والوضوح والصراحة، مع الحرص الشديد على الالتزام بمنهج التوافق والتدافع الديمقراطي الذي يعلي كلمة الناخب ويحترم قراراته واختياراته، من خلال تشبته المستميت بالمنهجية الديمقراطية، ودعم الخيار الديمقراطي. وكل ذلك في إطار المساحة المخولة له دستوريا وحزبيا. وهذا المنهج البنكيراني ساهم في إغناء المشهد السياسي والإعلامي بنقاشات عمومية كبيرة ومهمة شدت إليها اهتمام المواطنين بالداخل والخارج كما شدته إلى الشأن العام، مما يعتبر مساهمة فعالة في الإدماج السياسي للمواطنين وخاصة الشباب. إن عدم خضوع رئيس الحكومة لمختلف الضغوط الإعلامية والسياسية في تدبير تشكيل الأغلبية الحكومية بعد تعيينه من طرف جلالة الملك، أتاح الفرصة مرة أخرى ليحضر النقاش الدستوري بقوة في النقاشات العمومية الجارية، كما أعاد إلى الواجهة قضايا حساسة مثل الخيار الديمقراطي وشروط النجاح فيه، ومكانة الناخب والعملية الانتخابية في ذلك الخيار، ودور حرية الأحزاب واستقلاليتها في دعم ذلك الخيار وتقويته. كما كان ذلك التدبير فرصة ذهبية للمغرب والمغاربة للوقوف على حقيقة المشهد الحزبي في مواجهة الاستحقاقات المختلفة، سواء فيما يتعلق باستقلالية القرار الحزبي، أو فيما يتعلق بتغليب المصلحة العامة على المصالح الحزبية الضيقة، أو فيما يتعلق بمحاربة منطق الغنيمة في التعاطي مع تشكيل الأغلبية الحكومية، أو فيما يتعلق بقيم الوفاء بالعهود وبقيم المعقول. إن الذي تحاول عدة أطراف التغطية عليه في طريقة تدبير الأستاذ ابن كيران لتشكيل الأغلبية الحكومية هو القيمة الحقيقية التي أعطاها لصوت الناخب، وحاولت تلك الأطراف الالتفاف على ذلك واعتبار الانتخابات محطة تنتهي بإعلان النتائج واكتساب الأحزاب لرصيد من المقاعد البرلمانية للتفاوض بها حول اقتسام كعكة المناصب الحكومية. فمند تعيينه رئيسا مكلفا بتشكيل الأغلبية الحكومية أعلن ابن كيران وكرر لعدة مرات تشبته باحترام المنهجية الديمقراطية ونتائج الاقتراع. وكان ثمن محاولته تثمين صوت الناخب سياسيا هو كل هذه المدة التي استغرقتها المشاورات بين الأحزاب لتشكيل تلك الأغلبية. إن مقاومة ابن كيران لانتزاع انجاز سياسي يعطي القيمة لنتائج الانتخابات، ويعطي فرصة ولو متواضعة للمغاربة كي يجدوا معنى لانخراطهم في المسلسل الانتخابي ضد محاولات تحقير مواطنتهم السياسية، كل ذلك حاول البعض إغراقه في كوب إعلام اختار التموقع في أجندات تستخف بالمواطن والمواطنة الحقة. ولم تنته تلك المقاومة كما شاء لها المستخفون بالممارسة الديموقراطية والانتخابات، إذ لم يستسلم ابن كيران لمحاولات وضعه في "طنجرة الضغط المرتفع"، ولم يسع إلى تشكيل الأغلبية الحكومية وفق الأهواء والضغوطات المختلفة، وبقي وفيا للمنهجية الديموقراطية ومصلحة الوطن. إن ذلك الصمود المقاوم لمحاولات إفراغ العملية السياسية من مضمونها الديموقراطي هو ما لمسه حزب الاستقلال بشكل قوي وواضح، وشهد بذلك للتاريخ وللرأي العام الوطني والدولي، وخطه في بلاغ مجلسه الوطني، وهو ما أكده بلاغ الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية بدورها. إن المطلوب اليوم أن يصمد شباب ونساء ورجال العدالة والتنمية ومن صوت له أمام تسونامي التبخيس الممنهج المراد منه استهداف شخص بنكيران بالأساس، بتصوير صموده الأسطوري وذكاءه السياسي الثاقب بصورة المهزم والفاشل، وتقديم الوقت الضروري للبحث عن المعقول وعن الأعمال التي لها معى في قيم الديموقراطية بكونه هدر للزمان المغربي. إن زعيم العدالة والتنمية لم يفشل أبدا ولم ينهزم أبدا، ولكنه استطاع أن يمارس صلاحياته الدستورية، وأخلاقيات رجل الدولة الذي يومن باللحظة التاريخية وما تعنيه في مستقبل الخيار الديموقراطي الفتي في المغرب. *عضو الامانة العامة لحزب العدالة والتنمية