لقد خصّت كل الدساتير السابقة للمغرب، بما فيها دستور فاتح يوليوز 2011، الملك بصلاحيات التعيين في مختلف المناصب السامية، بما فيها الإشراف على تشكيل الحكومات سواء التقنوقراطية أو تلك المنبثقة عن صناديق الاقتراع. وبهذا الصدد، يؤدي المستشار دورا أساسيا في وضع الملامح الرئيسية للحكومة والحسم في بروفايل الشخصيات المقترحة للتعيين الملكي. وقد ظهر ذلك من خلال ملابسات تشكيل حكومة عباس الفاسي، ومن خلال حكومة عبد الإله بنكيران. أولا- تشكيل حكومة عباس الفاسي كلف السيد عباس الفاسي من لدن الملك بتشكيل الحكومة على ألا يتعدى عددها 30 وزيرا، ومن أعضاء لم يرسبوا في الانتخابات التشريعية. وهكذا، بدأ الأمين العام لحزب الاستقلال مشاوراته مع أمناء أحزاب الأغلبية لتشكيل هذه الحكومة، حيث ظهرت صعوبات كبرى في الاتفاق على هيكلة حكومية تحظى برضا جميع الأطراف: فالقصر كان يرغب في الحفاظ على وزارات (السيادة)، في حين أن كل مكون من مكونات الأغلبية كانت تزايد في الحصول على أهم القطاعات داخل الحكومة الجديدة. فقد كان على (عباس الفاسي، حسب ما كتبه الصحافي الفرنسي تيكوا في يومية لومند بتاريخ 17 أكتوبر 2007، أن يرضي من جهة شهية الأحزاب الخمسة التي تتكون منها الأغلبية وأن يرضي من جهة أخرى القصر الذي سيختار وزارات السيادة التي تعتبر في نظره وزارات إستراتيجية). وهكذا، طالبت الحركة الشعبية، متسلحة بالتحالف الذي عقدته مع مكونات حركية أخرى وبعدد المقاعد النيابية التي حصلت عليها خلال الانتخابات، بعدد أكبر من الوزارات إضافة إلى مطالبتها بترؤسها لمجلس النواب. في حين طالب الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بقطاعات وزارية تتناسب مع وزنه السياسي. أما حزب التقدم والاشتراكية، فقد طالب هو الآخر بثلاث حقائب تتساوى مع المقاعد النيابية التي حصل عليها. وأمام ضغوطات القصر، ومزايدات أحزاب الأغلبية، اضطر عباس الفاسي لإعادة الهيكلة الحكومية عدة مرات؛ وهو ما أدى إلى تأخير الإعلان عن الصيغة النهائية لهذه الحكومة، وجعل الرأي العام يتداول كل مرة أسماء جديدة، ويخمن في تشكيلات حكومية مختلفة. وبهذا الصدد، صرح الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، في استجواب صحافي نشر بجريدة الحزب في 18 أكتوبر 2007، بما يلي: (... في نسختها الأولى، كانت الهيكلة الحكومية تتضمن وزارة للنقل والتجهيز والماء. ولقد اعترض عليها الاتحاد الاشتراكي نظرا لكونها قطبا سيتحكم في 40 % من ميزانية الدولة، كما أننا نعتقد أن ملف الماء ليس شأنا مرتبطا بالتجهيز، خاصة أن المغرب بدأ يسلك خلال السنوات الأخيرة سياسة مائية مندمجة. وفي النهاية، آل ملف الماء والبيئة إلى وزارة الطاقة والمعادن. والأمر نفسه ينطبق على وزارة السكنى والتعمير التي كانت التنمية المجالية ضمن اختصاصاتها في النسخة الأولى للهيكلة الحكومية. وقد لاحظنا، حينها، أن التنمية المجالية لا يمكن أن تدمج كليا في قطاع السكنى...). ولعل هذا التصريح يعكس إلى حد بعيد التنافس الحاد الذي طبع مشاورات عباس الفاسي مع اليازغي الذي كان يدافع عن ضرورة أن تمنح لحزبه قطاعات تتساوق مع وزنه السياسي محاولا ألا يستفرد غريمه بكل القطاعات الوزارية الإستراتيجية التي تتمتع بإشعاع سياسي لدخولها ضمن الأولويات الاقتصادية للملك كالسكنى، والتجهيز.... كما عانى عباس الفاسي الضغوط التي مورست عليه من لدن الحركة الشعبية التي كانت ترغب في اقتطاع وزارات ذات أهمية مثل الفلاحة وغيرها مهددة، في حالة عدم الاستجابة لمطالبها، بدخولها إلى المعارضة. كما واجه عباس الفاسي أيضا محاولة فرض أمناء الأحزاب لأسماء لا تتوفر فيها الشروط والمواصفات التي تتطلبها نوعية الحقيبة الوزارية. ولعل هذا الوضع هو الذي دفع بالملك محمد السادس إلى تكليف المستشار عبد العزيز مزيان بلفقيه إلى الحسم في الصيغة النهائية لهذه الحكومة، بعدما ظهر بأن مستشار الملك محمدا معتصم لم ينجح في تقريب وجهات نظر الأحزاب المشاركة في الحكومة، خاصة بعدما تشبثت الحركة الشعبية بمطالبها فيما يتعلق بترؤس المجلس النيابي وعدم القبول بإقحام شخصيتين وزاريتين ضمن صفوفها. ولعل هذا ما استغله المستشار مزيان بلفقيه، حيث انتهز فرصة تهديد الحركة الشعبية في رسالتها الموجهة إلى الديوان الملكي بدخولها المعارضة البرلمانية في حالة عدم الاستجابة لمطالبها، ونشرها لبيانها بهذا الشأن ليقوم بإعداد الصيغة النهائية لحكومة عباس الفاسي، حيث تم إقحام كل من السيد عزيز أخنوش والسيدة أمينة بنخضرا ضمن صفوف التجمع الوطني للأحرار، حيث أسندت إلى الأول وزارة الفلاحة والصيد البحري، ومنح إلى الثانية القطب الوزاري المتعلق بالطاقة والمعادن والماء والبيئة. في حين تم توزيع باقي الحقائب الوزارية على شخصيات مستقلة: وهكذا، تم إسناد وزارة التربية الوطنية التي رغبت الأحزاب عن تحمل حقيبتها نظرا للمشاكل التي تحيط بها إلى السيد أحمد أخشيشن، في حين أسندت وزارة الشبيبة والرياضة إلى العداءة الأولمبية السابقة نوال المتوكل، ووزارة الثقافة إلى الممثلة المسرحية ثريا جبران. بينما كلفت السيدة لطيفة لعبيدة بكتابة الدولة للتعليم المدرسي بوزارة التربية الوطنية، والسيدة لطيفة أخرباش بكتابة الدولة المكلفة بالشؤون الخارجية. أما وزارات السيادة فلم يطرأ عليها أي تغيير باستثناء ذهاب السيد محمد بنعيسى وتعويضه بالطيب الفاسي الفهري على رأس وزارة الشؤون الخارجية والتعاون. وهكذا، تم استقبال هذه التشكيلة الحكومية الجديدة من لدن الملك عشية يوم الاثنين 17 أكتوبر 2007، حيث فوجئ الرأي العام بوجود بعض العناصر النسوية الجديدة ضمن هذه الحكومة، كالممثلة ثريا جبران الذي تعوّد المغاربة، منذ أكثر من ثلاثة عقود على مشاهدتها إما في وصلات إشهارية أو في بعض العروض المسرحي؛ وهو ما أثار أكثر من سؤال حول المنطق السياسي الذي تحكم في تشكيل هذه الحكومة. وهكذا، عكست تشكيلة حكومة عباس الفاسي بجلاء انفراد مستشاري الملك بتعيين شخصيات تكنوقراطية ومستقلة، بل وحتى نكرات سياسية في وزارات ذات طابع تقني كانت في حكومات سابقة من نصيب الأطر الحزبية أو محسوبة على أحزاب سياسية، وأصبحت تجسد بامتياز ما أصبح ما يسمى في العهد الجديد بالملكية التنفيذية. ولعل هذا الوضع هو الذي أدى إلى ارتفاع مجموعة من التساؤلات والانتقادات بشأن دور مستشاري الملك عبد العزيز مزيان بلفقيه (1)، ومحمد معتصم في وضع هذه التشكيلة الحكومية؛ وهو ما دفعهما، في خرق لواجب التحفظ المفروض على المستشار (2)، إلى عقد ندوة صحافية حاولا من خلالها تفنيد مختلف الاتهامات التي أحاطت بشخصيهما: "- بماذا تفسرون ارتفاع العديد من الأصوات خلال مسلسل تشكيل الحكومة وبعده، يتهم بعض المستشارين بالتدخل لفائدة هذا الطرف أو ذاك؟ مزيان بلفقيه: كما هو معلوم، فقد تولى جلالة الملك تعيين الوزير الأول وتشكيل الحكومة تتويجا لمسلسل انتخابي شفاف وحر ونزيه. وفي احترام تام للتقاليد الديمقراطية المرعية. هل هذا يعني أن الوزير الأول لم يكن ملزما بأية توجيهات حتى ولو كانت ملكية؟ مزيان بلفقيه: إن التوجيهات الملكية السامية قد اتسمت بالوضوح والشفافية وإخبار الرأي العام من خلال بلاغات الديوان الملكي. وفي هذا الصدد، فإن جلالة الملك قد زوّد الوزير الأول إبان تعيينه بتوجيهات سديدة، تتوخى مزج التمثيلية الديمقراطية بالكفاءة العالية المنبثقة منها والمعززة للنهوض بالتنمية الشاملة. ومن ثمة، كان التأكيد الملكي العلني على تشكيل حكومة منفتحة، منسجمة، وذات فعالية، مرتبطة من حيث هيكلتها بالملفات الكبرى للأمة. حكومة عملية بأقطاب محددة، تضم نسبة ملائمة من الشباب والنساء، حكومة كفاءات في مستوى التحديات المطروحة. هل هذا يعني لكم، السيد محمد معتصم، بصفتكم أستاذا جامعيا للقانون الدستوري، أن جلالة الملك مارس اختصاصاته الدستورية في رفض أو قبول الأسماء التي اقترحها الوزير الأول. محمد معتصم: لا يمكن، لا من الناحية القانونية ولا من الناحية العملية اختزال هاته الاختصاصات في مجرد إجراء شكلي يتم الاكتفاء فيه بوضع الطابع الشريف على ظهير تعيين الحكومة، أو ترتيبات بروتوكولية تنحصر في استقبال جلالة الملك لأعضاء الحكومة وأخذ صورة تذكارية. فالملك، فوق هذا وذاك، مسؤول في الجوهر عن سير المؤسسات وتوازنها وفعاليتها. ومن هذا المنطلق، فإن جلالته حريص على مصداقية مسلسل تشكيل الحكومة في احترام تام للدستور وإرادة الناخبين. كما أن جلالة الملك، بصفته أمير المؤمنين والممثل الأسمى للأمة، مؤتمن بمقتضى عقد البيعة المقدسة وأحكام الدستور على ضمان دوام الدولة واستمرارها والسهر على احترام وصون مقدساتها وكفالة حقوق وحريات المواطنين، أفرادا وجماعات؛ وذلك في نطاق مشروع مجتمعي ديمقراطي وحداثي، تنخرط فيه كل مكونات الأمة، ومختلف مشاربها في احترام للتعدية التي هي مصدر غناه. من المؤاخذات على مسلسل تشكيل الحكومة أنه كان بطيئا ومعقدا. ما هي أسباب ذلك؟ محمد معتصم: من الطبيعي أن تأخذ الاستشارات بعض الوقت، ويمكن أن يطالها بعض التعقيد العادي. وهذا قد يحدث في كل الديمقراطيات. ما يجب أن لا يغيب عن البال هو كون اقتراع سابع شتنبر 2007 لم يسفر عن حصول أي حزب واحد على أغلبية البرلمان، مما قد يمكن من تشكيل الحكومة في أيام معدودة من أعضاء منتمين للمؤسسة القائمة في بعض الأنظمة العريقة والمعروفة بحكومة الظل ( SHADOW CABINET (، تلك المؤسسة الموجودة في الفضاء الحزبي والبرلماني. وهو ما يجب تأهيل العمل السياسي والحزبي له في بلادنا، لإيجاد مثل هذه الآليات الديمقراطية. هذا بدل تخيل حكومة ظل وهمية في البلاط والتي لا وجود لها كهيئة ولا حاجة للملك بها؛ لأن هناك حكومة صاحب الجلالة الدستورية التي يشتغل جلالته معها في واضحة النهار، وفي نطاق احترام القانون الأسمى للأمة. ما هو تفسيركم لما يتردد في الأوساط السياسية وعموم الرأي العام عن تدخل المستشارين في تشكيل هذه الحكومة؟. مزيان بلفقيه: لا بد من التأكيد في البداية أن المستشار ليس ممرا ملزما في أي تواصل بين جلالة الملك وبين وزيره الأول. ولقد اقتصر دور المستشارين خلال مسلسل تشكيل الحكومة، كلما تم تكليفهم بذلك من لدن جلالة الملك، على دور المبلغ الأمين، بعيدا كل البعد عن أية محاولة للتأثير أو التوجيه، أو التقرير بشأن المرشحين أو الأحزاب. وهنا يجب أن تكون الأمور واضحة . لكن الوزير الأول المعين صرح في اجتماع للجنة التنفيذية لحزب الاستقلال: (هذه هي لائحة الوزراء التي سلمت لي ولا تسألوني عن التفاصيل) مزيان بلفقيه: لا علم لي بما يقال أو يتداول في الاجتماعات الداخلية للأحزاب أو ما ينسب لها. لكنني أؤكد أن كل طرف قام بدوره في حدود صلاحياته. كما أن اتصالات ولقاءات بعض المستشارين بالوزير الأول المعين، جرت في جو من الاحترام المتبادل وبروح المسؤولية وحسن النية. وفي البداية والنهاية، فإن صلاحية رفع الاقتراح النهائي إلى صاحب الجلالة بتشكيل الحكومة قد مارسه الوزير الأول المعين بروح المسؤولية. هل هذا يعني أن المستشارين لم يتدخلوا في اقتراح بعض الأسماء؟ مزيان بلفقيه: طبقا للتعليمات الملكية السامية في هذا المجال، فإن دور المستشار ينحصر فقط في رفع تقارير حول سير الاستشارات، وكذا المذكرات الخطية والرسائل الشفوية أو المقترحات التي يرغب الوزير الأول المعين في عرضها على النظر الملكي السامي. محمد معتصم: بصفة عامة، فقد جرت العادة أن يطلب فاعلون سياسيون أو اقتصاديون أو اجتماعيون وثقافيون، وحتى أجانب من مستشاري جلالة الملك رفع ملتمساتهم العاجلة والمعقولة والتي تعود للاختصاص أو التحكيم الملكي، للعناية السامية لجلالته. صحيح أن لدينا قناعاتنا الخاصة، لكن مهمتنا وواجب التحفظ والتجرد يفرض علينا عدم التدخل في الأسماء. في هذا السياق، ينبغي أن نميز بين أربع حالات: أولا، مجال ملكي دستوري يتمثل في اختيار وتعيين وزير أول مكلف بتشكيل الحكومة. ثانيا، مجال خاص بالوزير الأول المعين ومشاوراته مع الأحزاب التي يريد أن يشكل منها أغلبيته من جهة، والمفاوضات داخل كل حزب على حدة من جهة ثانية. ثالثا، مجال اقتراح الوزراء. فالوزير الأول المعين يتوصل بترشيحات الأحزاب وله أن يحسم في أمر رفعها في شكل اقتراحات للتعيين كأعضاء في الحكومة بناء على التكليف الملكي ومعايير الصالح العام. رابعا، مجال التعيين، وهو سلطة ملكية خالصة. وفي هذا الإطار، يجب التأكيد على أن هيكلة الحكومة يجب أن تعكس أولويات البلاد، سواء التي حددها جلالة الملك أو التي تضمنتها برامج الأحزاب، لا أن ترضي مطامح شخصية أو فئوية. لكنكم السيد مزيان بلفقيه، ينسب إليكم، عن حق أو باطل، التدخل من أجل استوزار عدد من أعضاء الحكومة؟ مزيان بلفقيه: كريم غلاب وزير التجهيز والنقل، ومحمد بوسعيد. مزيان بلفقيه: أفضّل عدم الخوض في الأمور التي تخص الشخصيات العمومية احتراما لها وكذا الأشخاص صونا لكرامتهم، والتركيز في المقابل على الأسئلة التي تسمو فوق ذلك. وليس هناك من فائدة في تصنيف الأشخاص حسب انتمائهم الجهوي أو مسارهم التكويني أو ماضيهم المهني إلى غير ذلك من التصنيفات العقيمة التي يتم توظيفها، مع الأسف في إصدار أحكام جاهزة. وعلى كل حال، فهؤلاء وغيرهم لهم مساراتهم الشخصية السياسية والمهنية التي أهلتهم لتحمل المسؤولية، ووحده ما سيقومون به وما سينجزونه سيحكم في نهاية المطاف في أدائهم. فبعد تخرج كريم غلاب وعودته إلى المغرب، تم تعيينه مديرا إقليميا لوزارة التجهيز بالحسيمة ُثم بابن سليمان، ثم مديرا مركزيا بالإدارة المركزية، وبعد ذلك وزيرا. لقد قطع كل هذه المراحل اعتمادا على نفسه وكفاءته، وليس خطئي أنه درس في (بون إي شوسي). أما محمد بوسعيد، فقد تخلى عن وظيفته بالقطاع البنكي، لأنه كان يرغب في أن يكتسب تجربة العمل بالقطاع العمومي، ثم بعد ذلك عينه وزير المالية مديرا بهذه الوزارة ثم اقترحه بعد ذلك عصمان للاستوزار. فأين أنا في كل هذا المسار؟ وما أريد أن أؤكده، بالمناسبة، هو أنني إذا رأيت شخصا حريصا على خدمة الصالح العام وجعله فوق كل اعتبار، سأساعده، لكن لن أمنحه أي امتياز. -محمد معتصم: كيفما كانت الحكومة، يجب مساعدتها كل من موقعه: بالمساندة أو المشاركة أو بقوة اقتراحية أو حتى بمعارضة بناءة من أجل أن تنجح في مهامها، لأنها في نهاية المطاف حكومة المملكة المغربية، ونحن بصفتنا مستشارين نتعامل معها بصدق وجدية وأمانة، وفي نطاق مهامنا الاستشارية المحددة من قبل جلالة الملك. وقد يحدث أن يطلب وزير من أحد مستشاري جلالة الملك رأيه في ملف معين، فهل سيكون جوابه بالرفض؟ إنه إذا أدلى برأيه فذلك دوره. (3). من خلال هذا الاستجواب الذي أدلى به مستشارا العاهل المغربي لأول مرة على العلن، يظهر أن دور المستشار في تحديد تشكيلة الحكومة يقتصر على الاقتراح والتوجيه بينما سلطة التعيين تبقى من اختصاص الملك وباقتراح الوزير الأول. لكن هذا لا يمنع من أن الهامش الذي يتمتع به المستشار بهذا الشأن يبقى كبيرا ومرتبطا بالسياق السياسي من جهة وبشخصية الوزير الأول من جهة ثانية. ولعل ما يسمح بهذا الهامش هو صعوبة حصول أي حزب على الأغلبية؛ وهو ما يسمح باللعب على الخلافات التي تبرز بين مكونات أحزاب المشكلة للائتلاف الحكومي. وهذا ما أكده المستشار محمد معتصم خلال إشارته إلى أنه (ما يجب أن لا يغيب عن البال هو كون اقتراع سابع شتنبر 2007 لم يسفر عن حصول أي حزب واحد على أغلبية البرلمان، مما قد يمكن من تشكيل الحكومة في أيام معدودة من أعضاء منتمين للمؤسسة القائمة في بعض الأنظمة العريقة والمعروفة بحكومة الظل ( SHADOW CABINET (، تلك المؤسسة الموجودة في الفضاء الحزبي والبرلماني). كما أن التوجيهات الملكية بشأن تشكيل الحكومة التي (تتوخى، حسب ما أشار إليه معتصم، مزج التمثيلية الديمقراطية بالكفاءة العالية)، وافتقاد الأحزاب في معظم الأحيان لهذه الكفاءات عادة ما يسمح بتدخل المستشار في اقتراح مجموعة من الأسماء؛ وذلك على غرار ما قام به مزيان بلفقيه بالنسبة إلى اقتراح وزيري التجهيز والنقل وقطاع الوظيفة العمومية ضمن حكومة عباس الفاسي. ولعل هذا ما صرح به المستشار الراحل مزيان بلفقيه ضمنيا من خلال قوله (فهؤلاء وغيرهم لهم مساراتهم الشخصية السياسية والمهنية التي أهلتهم لتحمل المسؤولية، ووحده ما سيقومون به وما سينجزونه سيحكم في نهاية المطاف في أدائهم. فبعد تخرج كريم غلاب وعودته إلى المغرب، تم تعيينه مديرا إقليميا لوزارة التجهيز بالحسيمة ُثم بابن سليمان، ثم مديرا مركزيا بالإدارة المركزية، وبعد ذلك وزيرا. لقد قطع كل هذه المراحل اعتمادا على نفسه وكفاءته، وليس خطئي أنه درس في (بون إي شوسي). أما محمد بوسعيد، فقد تخلى عن وظيفته بالقطاع البنكي، لأنه كان يرغب في أن يكتسب تجربة العمل بالقطاع العمومي، ثم بعد ذلك عينه وزير المالية مديرا بهذه الوزارة ثم اقترحه بعد ذلك عصمان للاستوزار. فأين أنا في كل هذا المسار؟ وما أريد أن أؤكده، بالمناسبة، هو أنني إذا رأيت شخصا حريصا على خدمة الصالح العام وجعله فوق كل اعتبار، سأساعده، لكن لن أمنحه أي امتياز) بالإضافة إلى ذلك فكون المشاورات حول تشكيلة الحكومة تتم بين الوزير الأول والملك عبر بوابة المستشار، فإن هذا سيسمح بتدخل المستشار في تحديد معالم التركيبة الحكومية من خلال قناعاته الشخصية، وآرائه في هذا الأمر الشيء الذي عبر عنه مزيان بلفقيه (بأن اتصالات ولقاءات بعض المستشارين بالوزير الأول المعين، جرت في جو من الاحترام المتبادل وبروح المسؤولية وحسن النية. وفي البداية والنهاية فإن صلاحية رفع الاقتراح النهائي إلى صاحب الجلالة بتشكيل الحكومة قد مارسه الوزير الأول المعين بروح المسؤولية). ولعل هذه الأبعاد التي يتحرك فيها المستشار هي التي بقيت متحكمة أيضا في تشكيل حكومة انكيران التي أتت في سياق سياسي انطبع بإصدار دستور فاتح يوليوز 2011، والذي أعاد منصب الوزير الأول إلى منصب رئيس الحكومة كما كان عليه الشأن في نهاية خمسينيات القرن ال20 مع حكومة عبد الله ابراهيم وما سبقها من حكومات. شكيل حكومة عبد الإله بنكيران في عز الحملة الانتخابية التي سبقت الانتخابات التشريعية في 25 نونبر 2011، قام عبد الإله بنكيران بتوجيه عدة اتهامات إلى محيط الملك ومستشاريه، مؤكدا أنه في (حال فوز حزبه في الانتخابات ورئاسته للحكومة، فإنه سيتحاور مع الملك مباشرة ولن يقبل بوسطاء)، في إشارة مبطنة إلى صديق الملك فؤاد عالي الهمة الذي دخل حزبه كمنافس قوي ضده. ويبدو أن هذه الرسائل المبطنة قد التقطت من لدن القصر، حيث تم بُعيد الإعلان الرسمي عن النتائج النهائية بفوز كبير لحزب العدالة والتنمية في هذه الانتخابات بفارق 47 مقعدا عن حزب الاستقلال الذي أتى في المرتبة الثانية بعدما حاز على المرتبة الأولى في الانتخابات السابقة، جعل الوساطة بينه وبين رئيس الحكومة الجديدة مختلفة تماما عما سبق، حيث أبعدت الكثير من الوجوه القديمة التي دبرت في مرحلة سابقة تشكيل الحكومات، ليتم إسناد مهمة الوساطة بين القصر وبين الإسلاميين المقبلين على تشكيل أول حكومة لهم إلى امرأة من البلاط، لها من القوة ما يكفي لتدبير أزمات وملفات ومشاورات هي زليخة نصري. المعلومات المتوفرة تؤكد أن مستشارة الملك والوجه المألوف هي الوسيط الذي اختاره الملك محمد السادس بينه وبين حزب العدالة والتنمية، قائد الائتلاف الحكومي... فمستشارة الملك هي من كان يتصل برئيس الحكومة الجديد، وهي من دبر لقاءاته المعدودة مع الملك) (4). وقد واجه رئيس الحكومة المعين عبد الإله بنكيران (5)، مع انطلاق جولة مشاوراته لتشكيل الحكومة، صعوبات كبرى بسبب طموحات الاستوزار التي طفت على السطح بمجرد إعلان الأحزاب المشكلة للأغلبية موافقتها الرسمية لدخول حكومة بنكيران. وبالتالي، فقد دخل بنكيران في مشاورات مكثفة مع حلفائه حول توزيع الحقائب الوزارية، حيث حاول كل حزب أن يقتطع أكبر عدد من هذه الحقائب لترضية قيادييه. فخلال اجتماع بنكيران بزعماء الأحزاب المشاركة في حكومته لتوزيع الحقائب والتداول في أسماء الوزراء، عبّر حزب العدالة والتنمية عن تشبثه ببعض الوزارات الوازنة؛ من بينها وزارة المالية والعدل. وبينما أبدى حزب الاستقلال عن رغبته في الحصول على وزارات تقنية كوزارة التجهيز والنقل، عبرت الحركة الشعبية عن طموحها في الحصول على عدد من الوزارات يتناسب وعدد المقاعد النيابية التي فازت بها والتي من بينها وزارة الداخلية، وأبدى حزب التقدم والاشتراكية رغبته في تولي بعض الوزارات وعلى رأسها وزارة الخارجية مقابل مشاركته في الحكومة. ولترضية طموحات حزب الاستقلال، تم الاتفاق خلال بداية هذه المشاورات على التنازل للاستقلاليين على رئاسة الغرفة الأولى للبرلمان، حيث صرح بنكيران بهذا الصدد بأنه "تم الحسم في رئاسة الغرفة الأولى التي ستؤول لحزب الاستقلال"، مشيرا من جهة أخرى إلى أن حزب العدالة والتنمية يتشبث في المقابل بتولي حقيبة وزارة المالية مجددا تأكيده على أن المشاورات حول تشكيل الحكومة المقبلة تجري في ظل مناخ جد إيجابي وفي جو يطبعه التفاهم من كافة الأطراف؛ وذلك وفق مقاربة تشاركية تتيح التوصل إلى تشكيل حكومة قوية ومنسجمة. لكن يبدو أنه على الرغم من أجواء التفاهم التي سادت هذه المشاورات، فقد احتدم التنافس بين مكونات الائتلاف الحكومي، خاصة خلال المراحل النهائية من تشكيل الحكومة، حول بعض الوزارات كالداخلية، والخارجية والتجهيز والنقل. فخلال اجتماع حزب الاستقلال برئيس الحكومة يوم الأحد 25 دجنبر 2011، أظهر ممثلو هذا الحزب تمسكهم بحقيبة التجهيز والنقل رافضين كل العروض التي قدمها رئيس الحكومة لتعويض حقيبة التجهيز والنقل. وقد برر امحمد الخليفة، عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، سبب هذا الموقف بأن حزبه يجب أن يأخذ حقائب توازي حجمه وعدد نوابه وموقعه في الحقل السياسي المغربي وتجربته الحكومية وتاريخه النضالي، مشددا في تصريح خص به "هسبريس" على أن من حق حزب الاستقلال أن تكون له حصته في كل القطاعات والوزارات حتى التي كانت تسمى وزارات سيادية باستثناء الدفاع الوطني، ومن حقه أن تكون له وزارات كبرى مثل الأشغال العمومية والفلاحة والتعليم والإسكان والتعمير ووزارات متوسطة كالسياحة والصناعة التقليدية وكتابات الدولة الأخرى كذلك. ويبدو أن قيادة حزب الاستقلال قد استغلت ضمان رئاسة لمجلس النواب من خلال انتخاب عبد الكريم غلاب للرفع من سقف طموحاته السياسية والمطالبة بأكبر وأهم القطاعات الوزارية، حيث لجأ في ذلك إلى المساومة والابتزاز، ملمحا خلال هذه المشاورات بإمكانية استخدام ورقة الانسحاب من تشكيلة بنكيران. وهذا ما ألمح إليه امحمد الخليفة بشكل ضمني من خلال إشارته (بأن اللجنة التنفيذية للحزب في لقائها الاستثنائي المنعقد اليوم الأحد 26 دجنبر 2011 ناقشت موضوع الحقائب في التشكيلة الحكومية التي يعمل عليها بنكيران، فاتجه النقاش فيها إلى أخذ كل الاعتبارات السابقة في الحسبان، مبرزا في الوقت نفسه أن "الاستقلال" لن يهدد بالانسحاب من التحالف مع بنكيران؛ لأن ذلك ليس من طبع الحزب، ولا من أخلاقه، وليس من شيم الوطنيين أو السياسيين يقول الخليفة، مجددا التأكيد على أن المهم عند الحزب هو أن يظهر أمام الرأي العام أنه حزب وازن وأن رجالاته "الأكفاء" يسيرون القطاعات المهمة في البلاد). كما واجه بنكيران أيضا مطالب الحركة الشعبية بالحصول على وزارتي الداخلية والفلاحة، حيث طالب هذا الحزب بتحمل مسؤولية وزارة الداخلية التي ظلت ضمن وزارات السيادة، إلى جانب الفلاحة مبررا ذلك بتجربته التاريخية ومعرفته بالإدارة الترابية والعالم القروي. من جانبه، أصر محمد نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، على الحصول على حقيبتي السياحة والصناعة التقليدية تعويضا عن مشاركته في هذا الائتلاف الحكومي. وبالإضافة إلى هذه الضغوط التي مورست على بنكيران من لدن قياديي مكونات ائتلافه الحكومي نتيجة تطاحناتها الداخلية، رفض القصر استوزار استقلاليين وحركيين وقيادية من التقدم والاشتراكية. ويتعلق الأمر بكل من عبد القادر الكيحل الذي كان مرشحا للشبيبة والرياضة، وعبد الصمد قيوح وكنزة الغالي، بالإضافة إلى كجمولة بنت أبي التي كانت مرشحة كوزيرة منتدبة لدى وزير الخارجية مكلفة بالهجرة. وقد أبلغ رئيس الحكومة، في لقاء جمعه بمستشاري الملك، بهذه التحفظات. كما أبدى القصر تحفظاته بشأن بعض أسماء أخرى اقترحت للاستوزار، خاصة اقتراح مصطفى الرميد كوزير للعدل، وعزيز أخنوش كوزير للفلاحة. وقد خلق هذا التحفظ نقاشاً حاداً داخل هياكل حزب العدالة والتنمية، بين فصيل يدعو إلى التشبث بهذا الاستوزار وبين فصيل ثان يقترح أن يتولى الرميد قطاعاً آخر كي لا تتوتر العلاقة بين الحزب والقصر، حيث كانت هناك نقاشات داخل الأمانة العامة للعدالة والتنمية بشأن تحفظ الهمة على مصطفى الرميد، والتي لم تكن كلها تصب في اتجاه مساندة الرميد، حيث دعا محمد يتيم إلى منح مصطفى الرميد حقيبة وزارية أخرى تجنبا لأي توتر مع القصر. أما بخصوص اقتراح عزيز أخنوش وزيرا للفلاحة والصيد البحري، فقد ذكرت بعض المصادر الصحافية والحزبية أن عبد العزيز الرباح، وزير التجهيز والنقل، هو من ربط الاتصالات السرية الأولى مع أخنوش، عارضا عليه المشاركة في الحكومة والبقاء في منصب وزير الفلاحة والصيد البحري؛ لكن هذا الأخير أراد أن يتأكد من أن العرض الذي تلقاه يعد رسميا، فبدا مستعدا للمشاركة بعدما استشار جهات عليا، لكن دخول فؤاد عالي الهمة، مستشار الملك، على الخط أفشل مساعي ضم أخنوش، لأسباب ربما تتعلق بخوفه من إضعاف حليف حزبه السابق التجمع الوطني للأحرار. لذا، تم اقتراح حقيبة الفلاحة والصيد البحري على حزب الاستقلال، إلا أن الاسم الذي تم اقتراحه لم يكن يناسب المنصب، الشيء الذي أدى إلى إعادة النقاش حول هذا المنصب، فأعاد بنكيران اقتراح اسم أخنوش من جديد، والذي وافق على استوزاره الملك شخصيا، مما دفع بمستشاره عالي الهمة إلى رفع تحفظه بهذا الشأن. (6). وهذا بالطبع ما جعل ولادة حكومة بنكيران (7) ولادة عسيرة على غرار المخاض الصعب الذي عرفته ولادة حكومة عبد الرحمان اليوسفي التي تزعمها حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. وهذا ما يؤكد أن مسألة تشكيل الحكومات في المغرب لا ترتهن لطبيعة الظرفية السياسية، أو نوعية القيادات الحزبية المعينة أو كثرة أو تقلص عدد مكونات الائتلاف الحكومي؛ بل هي بالأساس تنبع من رحم مخزني يخضع لتقاليد في الحمل والولادة عريقة في القدم، ومتشبعة بثقافة سلطوية مترسخة. ولعل هذا ما انعكس من خلال الملابسات التي ما زالت ترافق المخاض السياسي المتعثر لتشكيل حكومة بنكيران الثانية. فعلى الرغم من تصدر حزب العدالة والتنمية للانتخابات التشريعية ل7 أكتوبر 2016، وتكليف الملك لأمينه العام بتشكيل الحكومة، فما زال رئيس الحكومة يتخبط في مفاوضات هذا التشكيل التي ما فتئت تتعقد مع مرور الوقت. ولعل هذا ما دفع الملك إلى بعث بمستشاريه عبد اللطيف المنوني وعمر القباج إلى مقر رئاسة الحكومة لحث بنكيران على الإسراع في إخراج توليفته الحكومية إلى الوجود. هوامش: 1- عرف عن عبد العزيز مزيان بلفقيه تواضعه وصمته، وكان يرفض الظهور الإعلامي. وفي هذا الصدد، يقول المحلل السياسي أتركين: "اسم مزيان بلفقيه لم يكن متداولا بشكل كبير، فهو شخص عرف عنه تفضيله الدائم للتواري عن الأنظار والعمل دائما في الظل، واقتصاره على لعب دور المستشار عوض الفاعل". واستدرك أتركين "الخرجة الإعلامية الوحيدة "لمزيان بلفقيه" كانت بمعية المستشار الملكي محمد المعتصم، سنة 2007 على صفحات "الأحداث المغربية"، بعد ورود اسميهما في وسائل الإعلام ومجالس النخبة بصفتهما المهندسين الحقيقين لجزء من حكومة عباس الفاسي، وكانت هذه الخرجة الاستثنائية توضيحا لحدود وظيفة "المستشار الملكي". 2-مع أن مروره من الوزارة لم يتعد منصب كاتب دولة في الشبيبة والرياضة في أول حكومة مغربية، فإن أحمد بن سودة، وقد أصبح واحدا من كبار مستشاري الملك الحسن الثاني، ظل يحتفظ ببطاقة الانتماء إلى عالم الصحافة. وحين زاره أحد عمداء الصحافة العربية يوما، بهدف البحث في إمكانية إجراء مقابلة مع الملك الراحل الحسن الثاني، رد عليه بلغة دبلوماسية تفيد بأن بن سودة كصحافي كان يحلم بإجراء هذه المقابلة، وأن هذا الحلم أصبح مستحيلا؛ لأن دوره كمستشار لا يسمح له بالعودة إلى الكتابة الصحافية. 3-أخبار اليوم بتاريخ 26-27 نونبر 2011- ص 5 4- حنان بكور- زليخة نصري.. هدهد الملك ومبعوثته إلى بنكيران – أخبار اليوم عدد 632 بتاريخ 24-25 دجنبر 2011 5 - ترقب الرأي العام موقف الملك من مسألة تعيين بنكيران كأمين عام للحزب رئيسا للحكومة، خاصة بعدما راجت شائعات بشأن إمكانية الملك استبداله بشخصية أخرى. ولعل هذا ما دفع ببعض قياديي الحزب إلى التصريح بأنه في هذه الحالة، فإنه سيتم الرجوع إلى قيادة الحزب للبت في هذا الأمر. لكن سرعان ما تم وضع حد لهذه الشائعات، حيث أعلن رسميا بالمغرب عن تعيين الملك محمد السادس للسيد عبد الإله بنكيران رئيسا لأول حكومة مغربية بعد الإصلاحات الدستورية التي عرفتها البلاد. وبصدور هذا البلاغ، أظهر الملك تأكيده على ترسيخ عرف دستوري دشنه في الانتخابات التشريعية السابقة بتعيين السيد عباس الفاسي، الأمين العام لحزب الاستقلال، الذي حاز على المرتبة الانتخابية الأولى، بالرغم من كبر سن هذا الأخير ومرضه. كما أظهر الملك، بخلاف والده، من خلال تعيينه لبنكيران، احترامه للقرار الحزبي، وتعاليه عن الحساسيات الشخصية، حيث لم يسبق للملك أن تعامل مع شخصية بنكيران أو التعرف عليه. ولعل هذا ما دفع ببنكيران إلى تصريحه بعد استقباله من لدن الملك: (أن أجواء لقائه مع الملك محمد السادس، والذي دام بضع دقائق، كانت ممتازة ووجد أمامه إنسان لطيف.. وجهني بكلمات لطيف. وأنه لأول مرة أتكلم مع جلالة الملك مباشرة وان كان أجرى معه في أوقات سابقة مكالمات هاتفية). كما أوضح بنكيران انطباعاته الأولى حول هذا اللقاء أني "كنت أمام إنسان عظيم ولطيف رجلا إنسانيا، لطيفا، وعلى تمام الوعي بما يحتاجه الوطن وكلفني بتشكيل الحكومة ونصحني"، أن الملك "بارك لي فوز حزبي بالانتخابات، وكلفني أن أبلغ جميع أعضاء الحزب بتهاني جلالته بهذا الفوز). 6- (يبدو من خلال تصريحات عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة المعين، أن إعلان الحكومة يوجد اليوم بين يدي الملك، فالهندسة الحكومية رفعت إلى القصر، ليستريح أمين عام العدالة والتنمية، بعد أيام الركض وراء الأحزاب لتشكيل التحالف. لم يكن رئيس الحكومة يتوقع أن الأمور ستسير بهذا البطء، وأنه سيجد نفسه مضطرا للتوفيق بين ضغوطات حزبية داخلية وبين تنازلات خارجية حتى يتسنى له التوصل إلى تشكيل الأغلبية التي تدعم الحكومة، وبين مجيء وذهاب بين مقرات الأحزاب التي تشاركه التحالف، تذكر بنكيران المعاناة التي عاشها عبد الرحمان اليوسفي، حين تشكيل حكومة التناوب، وانتظاره لانعقاد مؤتمر حزب الاستقلال، شريكه في الكتلة الديمقراطية، لاستصدار موافقة على المشاركة في التناوب. بالمقابل، تبدو الحلقة الغائبة في مشاورات تشكيل الحكومة، إلى حدود الآن، هي هيئة مستشاري الملك، فقد كانت أسماء هؤلاء المستشارين تطفو كلما تعلق الأمر بلحظة انتخابية تخص تشكيل الحكومة. واتضح اليوم، وسط التأخير الحاصل، أنهم كانوا على اطلاع بكل كبيرة وصغيرة ويبحثون وراء التفاصيل لمنع عرقلة الانتقال السلس للسلطة التنفيذية بين حكومة وأخرى (...). لقد تأكد أن لمستشاري الملك دورا محوريا في رأب الخلافات وفرض التنازلات وتسريع وتيرة تشكيل الحكومات، ولا يمكن تصنيف هذا العمل المركزي في خانة التدخل في أعمال رئيس الحكومة المعين، لأن الاستشارة ضرورة سياسية وواجب شرعي، بالنسبة إلى الحزب الإسلامي، لا يخيب صاحبها. ومن هنا، يكون على بنكيران أن يأخذ وقته الكافي، ويراجع مواقفه بشأن هذه الفئة من رجال الدولة، حتى يتسنى له أن يخرج من "ابتزاز" رفاقه في التحالف الأغلبي، بأقل الخسائر. إن دور المستشار الملكي لا يقتصر على وقوفه في ظل الحكومة، بل يسعى إلى تذليل الصعاب والحفاظ على التوافقات، وإن كانوا يتجاوزون بين الفينة والأخرى هذه المهام باقتراح أسماء للاستوزار، يلبسونهم لون حزب سياسي، لكنها ممارسات في أعراف المملكة لا تخرج عن التقاليد السياسية للبلاد (...).. إحسان الحافظي - التأخر النسبي في إعلان الحكومة يؤكد دور المستشارين – الصباح 26 ديسمبر 2011. (7) أكدت مصادر مطلعة للموقع أن رئيس الحكومة في إطار مسؤوليته ليست له علاقة إلا مع الملك لوحده وليس مع أحد آخر، في إشارة واضحة إلى فؤاد عالي الهمة مستشار الملك المعين أخيرا والذي تم تداول أنه تدخل في سير مشاورات تشكيل الحكومة الجديدة. حسن حمورو- هسبريس 2011-12-30.