مثل هدية من السماء، تلقى عزيز أخنوش، الأمين العام لحزب التجمع الوطني للأحرار، بلا نصَبٍ ولا وصَبٍ تصريحات حميد شباط، زعيم حزب الاستقلال بشأن موريتانيا، والبلاغ حاد اللهجة لوزارة الخارجية ضده، ليجدهما فرصة ذهبية لإظهار أحقية "شرطه" باستبعاد "الاستقلال" من الحكومة المرتقبة. ويبدو أن شباط لم يُلْقِ بالا كبيرا لتصريحاته في لقاء حزبي داخلي، وهو يرسم حدود المغرب ويعتبرها تمتد إلى السنغال، ويضع الجارة الجنوبية ضمن الأراضي المغربية، وفق أدبيات حزب "سي علال"، كما لم يكن يعتقد أنها ستتحول إلى قضية تتدخل فيها "جهات عليا" في البلدين معا. انتفاضة حزب شباط ضد بلاغ الخارجية، التي يسيرها صلاح الدين مزوار، الأمين العام السابق لحزب "التجمعيين"، بدت بالنسبة للبعض مثل "رقصة الديك المذبوح"، خاصة بعد أن تكالب على "الاستقلال" بلاغ كُتب من محبرة الماسكين الحقيقيين بملفات الدبلوماسية، وأيضا تأكيد أخنوش أنه لن يجاور في الحكومة حزبا يثير القلاقل مع الجيران. تصريحات شباط بشأن موريتانيا يراها الدكتور الحسين اعبوشي، أستاذ القانون الدستوري وعلم السياسة بجامعة القاضي عياض، في اتصال مع جريدة هسبريس، بأنها ستكون متبوعة بانعكاسات وتبعات، سواء على حزب الاستقلال وقيادته أو على مفاوضات تشكيل الحكومة. وسجل اعبوشي في هذا السياق ملاحظات عدة؛ الأولى أن تصريحات شباط حول الجمهورية الموريتانية جاءت في سياق إقليمي؛ حيث يعمل المغرب جاهدا على الالتحاق بالأسرة المؤسسية الإفريقية، وهو الجهد الذي تعمل الجزائر وأداتها البوليساريو على مواجهته بكل الوسائل. والملاحظة الثانية، وفق المحلل ذاته، تتجلى في التوتر الأخير الذي تعرفه العلاقات المغربية الموريتانية، والذي تتعامل معه الرباط بذكاء، من منطلق أن المواقف الرسمية والسلوكات المعادية للوحدة الترابية للمملكة لا تعكس إلا بعض التوجهات، ولا تترجم طبيعة العلاقات التاريخية بين الشعبين والدولتين. أما ثالثة الملاحظات، يضيف اعبوشي، فهي سياق تشكيل الحكومة واشتراط حزب التجمع الوطني للأحرار مشاركته فيها بعدم تواجد حزب الاستقلال، مبرزا أن تصريحات شباط تعزز مواقف "الأحرار" ب"عدم المشاركة مع حزب تصدر عن أمينه العام مثل تلك التصريحات". وذهب الخبير في الشأن السياسي إلى أن هذه المعطيات "يمكن أن تدعم وتعزز تغيير رئيس الحكومة المكلف، عبد الإله بنكيران، لتشبثه بحزب الاستقلال"، مردفا أنه "يتعين في هذا السياق أن نستحضر الاتهامات السابقة بالداعشية للأمين العام لحزب الاستقلال التي وجهها إلى رئيس الحكومة". وبخصوص بلاغ وزارة الخارجية والتعاون، قال اعبوشي إنه من البلاغات "غير المسبوقة"، سواء في حدته ولغته القوية أو في توصيفه لتصريحات شباط واعتبارها خطيرة وغير مسؤولة ولا ناضجة، "وتفتقد إلى ضبط النفس، وتضر بالعلاقات مع بلد جار وشقيق". واعتبر البلاغ أن تصريحات شباط تنم عن "جهل عميق بتوجهات الدبلوماسية المغربية التي سطرها الملك محمد السادس، والقائمة على حسن الجوار والتضامن والتعاون مع موريتانيا الشقيقة"، وزاد أن هذه التصريحات "تخدم أجندة البوليساريو التي تناوئ عودة المغرب المشروعة إلى أسرته المؤسساتية الإفريقية".