ألغت محكمة العدل الأوربية، يوم 21 دجنبر الجاري، قرارا لمحكمة الاتحاد الأوربي بتاريخ 10 دجنبر 2015 والذي خلص إلى الإلغاء الجزئي للاتفاق الفلاحي بين المغرب وبين الاتحاد الأوربي. وقد كانت المحكمة قد طالبت باستبعاد الأقاليم الصحراوية من الاتفاق الزراعي التجاري بين المملكة وبين الاتحاد الأوربي على أساس أن المغرب لم يقدم أية ضمانات كافية تفيد استفادة السكان المحليين من عائدات هذا الاتفاق. وبناء على هذا القرار، طالب المجلس الأوربي محكمة العدل الأوربية بإلغاء ذلك الإلغاء السابق للمحكمة، وهو ما ذهبت إليه توصيات المدعي العام لمحكمة العدل الأوربية، الذي طالب المحكمة برفض طعن جبهة البوليساريو التي نصبت نفسها وصيا على الأقاليم الجنوبية مطالبة بعدم سريان هذا الاتفاق على هذه المناطق. وقد جاء في حيثيات طلب المدعي العام بأنه يجب اعتبار طعن البوليساريو غير مقبول؛ لأن هذا الأخير "ليس معنيا لا بشكل مباشر ولا بشكل فردي بالقرار المطعون فيه"، بل طالب بأن "تتحمل جبهة البوليساريو مصاريف الدعوى، لأنها غير معترف بها من قبل المنتظم الدولي كممثل للصحراويين في مسلسل التسوية السياسية لقضية تقرير المصير، ولا بكونها تتوفر على اهلية الدفاع عن المصالح التجارية الخاصة بهم". وقد قضت محكمة العدل الأوربية برفض طعن البوليساريو لكونه غير مقبول، كما جاء في طلب المدعي العام. كما حكمت المحكمة سالفة الذكر على جبهة البوليساريو بتحمل مصاريف الدعوى، وكذا تلك التي تقدم بها مجلس الاتحاد الأوربي. كما قضت المحكمة بأن الاتفاقية السياسية واتفاقية التبادل التجاري الزراعي والبحري بين المغرب وبين الاتحاد الأوروبي لا تنطبقان على الصحراء، وبالتالي فهي لا تزال سارية المفعول. وإذا كان هذا الحكم قد شكّل في جزء منه انتصارا للمغرب على اعتبار أنه يستبعد فكرة استغلال المغرب للثروات الطبيعية للمنطقة المتنازع عليها ما دام أن "رافعي الدعوى لم يقدموا أي دليل على وجود استغلال للثروات"، ويجعل من البوليساريو كيانا وهميا فاقدا للشرعية، ولا علاقة له بتمثيلية الصحراويين سياسيا والدفاع عن مصالحهم اقتصاديا، وإنه غير معني بالاتفاقيات المبرمة بين المغرب وبين الاتحاد الأوربي؛ فإنه بالرغم من ذلك يكتنفه الغموض حول مدى سريان تطبيق الاتفاقية الفلاحية على الأقاليم الصحراوية، كما ورد في البيان الصادر عن محكمة العدل الأوربية، إذ نص القرار على أن المناطق الجنوبية للمملكة لا يجب أن تكون مجالا لتطبيق الاتفاقيات التجارية بين المغرب وبين الاتحاد الأوربي ما دام أن وضعها القانوني لم يتم تحديده من قبل المنتظم الدولي الذي يعتبرها منطقة متنازعا عليها، أي اعتبار أن هذه المنطقة "خارجة عن الحيز الترابي لتطبيق الاتفاقية الفلاحية"، وهو ما يشكل اجتهادا خطيرا يمس سيادة المغرب، ويضرب عرض الحائط كل التفاهمات السابقة بين المغرب وبين الاتحاد الأوربي. بمعنى أنه إذا كانت المحكمة الأوربية قد رفضت إلغاء اتفاق الشراكة الأوربي المغربي فإنها رفضت أيضا وبطريقة آلية أن يشمل هذا الاتفاق الأقاليم الجنوبية كجزء من التراب المغربي؛ بل إن الاتفاقيات المقبلة يمكن أن يتم إبرامها، لكن شريطة أن يكون وضع الصحراء مضافا بطريقة مختلفة ما دام وضعها وفق القانون الدولي غير واضح، وبأن يقبل ساكنو هذه المناطق تطبيق هاته الاتفاقيات، وهو ما سيرفضه المغرب لأن الصحراء جزء لا يتجزأ من سيادته، ومن ثمة البحث مستقبلا عن آليات بالضرورة سياسية لحل الإشكالات التي نبش فيها حكم المحكمة الأوربية. إذن، فإن القرار الأوربي هو عبارة عن هدية ملغومة من المحكمة، لأنه في ظاهره انتصار للمغرب؛ لكن في حقيقته يقلص من سيادة المغرب على أراضيه الصحراوية ويعطي البوليساريو هدية غير متوقعة للطعن في كل اتفاقية مستقبلية قد تشمل الأقاليم الجنوبية. *أستاذ بكلية الحقوق بمراكش