من المؤكد اليوم أن المغرب دخل مرحلة جديدة في تطوره الديموقراطي والسياسي مع خروج مشروع الدستور الجديد، وذلك في سياق حركة تحول ديموقراطي في المنطقة العربية، جعلت من الحالة المغربية نموذجا لاختبار القدرة على التفاعل الإيجابي والاستباقي والإرادي مع استحقاقات هذا المد الديموقراطي لا ينبغي التردد في القول بأن المغرب نجح في هذا الاختبار بنسبة معتبرة لكن دون أن يعني ذلك خروجه من عنق الزجاجة وتجاوزه للمخاض السياسي القائم، فمن جهة شكل مشروع الدستور الجديد نقلة جديدة في التطور الديموقراطي للمغرب، وعكس مقدمات تحول ملموس على مستوى الانتقال من ملكية تنفيذية إلى ملكية ديموقراطية بصلاحيات يؤطرها فضاء مؤسساتي دستوري واضح، كما حمل إرهاصات تحول عميق في بنية الدولة، وتقدم بنسبة معتبرة لا يمكن إنكارها على مستوى ربط المسؤولية بالمحاسبة في المستويات المرتبطة بالسلط التنفيذية والتشريعية والقضائية، وبموازاة ذلك النجاح في تحقيق قدر وزان من الدمج الإيجابي بين المرجعية الإسلامية والمعايير الديموقراطية، مما يجعل من المشروع الدستوري بمثابة انتصار حقيقي لجميع قوى البلاد على اختلاف مكوناتها الثقافية والسياسية والاجتماعية وذلك من أجل مستقبل ديموقراطي لا يصادم هوية المجتمع والدولة. نعم ثمة ملاحظات نقذية وثغرات ديموقراطية على المشروع المقدم فضلا عن ارتهانه لسلسلة من القوانين التنظيمية ثم مدى التزام التأويل الدستوري المستقبلي لأحكام مشروع الدستور الجديد بالمنطق الديموقراطي وليس السلطوي، إلا أن الموقف المطلوب يتجاوز الملاحظات التفصيلية أو الثغرات المسجلة ويرتكز عوضا عن ذلك على بعدين، الأول بعد سياسي يعتبر أن الموقف من الدستور هو موقف لأجل الانخراط في كسب معادلة الإصلاح والاستقرار وإنجاح مسيرة الانتقال الديموقراطي بهذه الخطوة الدستورية بما يمكن من إخراج بلادنا من مرحلة المخاض السياسي الحالية ويتيح انخراط عموم قوى البلاد في المسار المؤسساتي وينهي بشكل كلي عهد السلطوية في ظل الإرادة الملكية الواضحة في دعم مسار الإصلاح، والثاني ذي بعد ديموقراطي ينطلق من التقدم الكبير المسجل مقارنة مع دستور 1996 والأهم من ذلك استجابته لغالبية المطالب الديموقراطية المطروحة من قبل القوى السياسية والمدنية التي تمت بلورتها في المذكرات المرفوعة للجنة، أما قضية الملاحظات النقذية والانتظارات غير المحققة ومعها التوجسات المشروعة فتجعل المعركة من أجل الديموقراطية والإرتقاء الدستوري معركة مفتوحة ومستمرة لكن في ظل مكتسبات مشروع الدستور الجديد باعتباره يؤسس لمرحلة انتقال ديموقراطي. لقد نتج هذا المشروع عن تدافع اجتماعي حاد ومخاض ديموقراطي عميق، كان فيه لمجموع مكونات نداء الإصلاح اليموقراطي سواء منها حركة التوحيد والإصلاح، أو حزب العدالة والتنمية أو الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، أو باقي الهيئات النسائية والشبابية والطلابية والمدنية دور مفصلي في تبلور هذا المشروع لمصلحة بناء نموذج مغربي في التطور الديموقراطي، وفي الوقت نفسه صيانة مكتسبات الهوية المغربية والمرجعية الإسلامية بعد أن تسربت معطيات أثارت توجسا كبيرا من احتمال حصول انقلاب دستوري على هوية ومرجعية المغرب. إن المغرب في حاجة لحملة استفتاء حقيقية لبناء ثقافة سياسية مسؤولة مستوعبة لتحديات المرحلة، ونعتبر أن الحركة الإسلامية المشاركة في الحياة المؤسساتية مدعوة إلى الانخراط المسؤول والإيجابي في هذه الحملة باعتبارها محطة في إنجاح الانتقال الديموقراطي، تستجيب من خلالها لدورها الحيوي في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ بلادنا، باعتبارها فاعلا في عملية الإصلاح وقوة استقرار وصمام أمان. بكلمة إن معركة الديموقراطية معركة مفتوحة، ونجاح المشروع الدستوري الجديد في إخراج البلاد من مخاض التوتر رهين بتصفية إرث السلطوية والقطع مع نهج التحكم والإقصاء والاستعداد لإنجاح الاستحقاقات الانتخابية القادمة والمفصلية في المسار الجديد لبلادنا.