من المفروض أن يكون مهرجان مراكش الدولي للفيلم قاطرة حقيقية للفيلم المغربي. قال المسؤول المباشر عن الإدارة الفنية مُجيبا « بمنطق الكم » فيما أعتقد عن الأكثر مساسا بانفعالاته من بين ما نُشر عن الدورة السادسة عشرة لمهرجان مراكش الدولي للسينما وعنه شخصيا كمسؤول فني عن مهرجان مراكش الدولي للسينما: « هاتوا لي مغربيا واحدا يشاهد أكثر من 800 فيلم في السنة وأترك له مكاني. » مئات السينمائيين والممثلين والنقاد والمنتجين والباحثين والدارسين والخبراء والمنظمين المغاربة لا يعادلون السيد 800 فيلم في السنة. هاتوا لمدير فني مغربي، مؤهل ومسؤول طبعا، إمكانيات السيد المدير الفني الحالي للمهرجان (الذي يرد على الكتابات التَّجْزِيئية بتصريحات أو تعاليق أو ردود « كمية » أساسا، وذلك عبر شبكات التواصل الاجتماعي) سنوِيًّا للسفر بحرية عبر العالم وكبريات مهرجاناته، وسترون بأننا قد نُشاهِدُ أقل ونختار أفضل، سنحقق ذلك من باب الاختلاف ومن بوابة القلب، أما عُمق الذاتيات المعيارية والجماليات البصرية وشغف السينما المُعتمِدة على « الوزن الكمي للذاكرة البصرية » في البرمجة والتصميم وانتقاء الأفلام ولجان التحكيم والأفلام الموازية و »معلمي » الماستر كلاص من جهة، والقدرة على قراءة الرهانات السياحية والسياسية والدبلوماسية، وتحديات تسويق صورتنا عالميا بتواز مع تقوية صناعات السينما بفضاءاتنا الجميلة وما تُدِرُّه من حرَكِيّة تشغيلية وتجارية ومردودياتها على الصناعة السينمائية الوطنية، أقول وكل ما سبق مصاغ ومنسق في إطار وعيٍ كامل وُمتكامل من قلب أصالتنا المحلية المتنوعة، فذلك شأننا بالفؤاد وبالخبرة وبالعقل وبالمعرفة وبالحب وبالنزاهة وبالشفافية والانفتاح على الكوني. بكل هذا سيكون المغربي - كما هو الأمر في بلدك ومهرجاناته الكبرى التي لا تفضل غير خُبرائها - أكثر مِما تدَّعي دون أن تُحِسّ عندما تنظر، فيما يبدو، من فوق ولا تَتسَوَّق لنا إلا من « هناك »، التي لابد منها على كل حال، لكن عليك أن تعي بأنك تقوم بذلك وأنت لست مُسلحا إلا بِنا ولنا ومعنا ومن أجْلنا ونحن مغرابة كوْنِيُّون مُتعددون ومُتعايشون. "قل رأيك مُبرَّرا باحترام وبصدق وانصرف." "Les réalisateurs ont besoin d'argent, mais on peut faire un film avec très peu d'argent. Quand j'enseignais à Sarajevo, nous n'avions pas beaucoup d'argent. Parfois, nous filmions avec des iPads. Et ça marchait. Moins on a d'argent, plus on a d'énergie." لا تعليق على قول السينمائي الكبير فهو أصفى من نقطة ماء. قال هذا الكلام السيد "بيلا تار" رئيس لجنة التحكيم الدولية للدورة الحالية (2016) لمهرجان مراكش الدولي للفيلم/ لنهدأ من تعب الصخب وما يُسبِّبه من قِصَرِ النظر، كما قال العزيز ياسين عدنان في مقالته الجميلة، ولنُفكِّر بروِيَّة انطلاقا من نقطة ماء السيد بيلا تار الصافية. لا يمكن إنتاج رأي تحليلي نقدي جيِّد عن مهرجان "كبير" ( ولا عن فيلم أكبر) مباشرة بعد أول مشاركة أو مشاهدة. نعم إنها المرة الأولى التي أحضر مهرجان مراكش الدولي (دون البساط الذي أحتفظ بلونه الأزرق وليس الأحمر كما سبق وكتبت وفسَّرتُ)، لكنني تابعت محطاته السابقة منذ الولادة وبالتفاصيل عن بُعد. المهم الآن هو المساهمة العلنية في نقاش دائر عن المهرجان المغربي الأول والأكبر لكن لنضع النقاط على الحروف قبل مواصلة المعالجة: فالواقع أن الأهم هو السينما المغربية وبالتالي الفيلم المغربي أساسا، فهل رأيتم مهرجانا عالميا كبيرا دون وجود سينما وطنية تشده إلى الأرض وتمنحه معنى يتفاعل بها ومعها مع العالم ؟ آه هناك مهرجانات « جاهزة تُصمَّمُ تحت الطلب نعم ولها تقديرها ونجاعتها بحسابات ما… إنما أتحدث، في هذا السياق، عن المهرجانات الغير مفصولة عن تربة ميلادها السينمائية وهي تربةُ سِيَّاق ثقافةٍ وطنيةٍ وازِنة الحُضور وخصبة المُلائمة. بقليل من المال يمكن أن نصنع الكثير من السينما الجيدة الواعدة والمهرجانات المُتقنة المنتجة لكن، لندقق الأسئلة فالجميع، الجميع، يتحدثون عن الإبداع والإتقان والوطن والحرية. هل يتعلق الأمر بعُلوِّ الكعب لدى الجميع أم أنها سيادة الخلط واللغو والميوعة وبؤس عيون الضباب مما يبرر خلط الغث بالسمين لدى المسؤولين الذين نفترض فيهم دائما حسن النية والرغبة في تشريف بلدنا ؟ فما المتقن وما الجيِّد؟ ما العالمي وما مُحدداته المحلية أولا والقارية ثانيا ودوليا ثالثا ؟ ما المعايير المؤسسة ليس على الأهداف الإجرائية فقط بل الغايات الفلسفية والتصورات المسايرة لمشروع بناء مجتمع الإنسان وليس السلعة فقط ؟ ما المعايير في كل ما ينجز في مهرجان مراكش الدولي للفيلمكتجمع حضاري وثقافي وإبداعي وطني سينمائيا ؟ ألا يتعلق الأمر بالفن السابع يعني فن تركيبي للفنون والتكنولوجيا والتواصل الجماهيري درع هو لدعم وتقوية وتبريز الثقافي الوطني في صيغته المقاومة لغزو العولمة وسحق ثاقفتنا المحلية في بهائها وأصالتها ورفعتها؟ ما حصة السياحي والسياسي والدبلوماسي والتنموي في هذا المهرجان هل هي مجرد أخذ منتجين كبار في رحلة لاستديوهات ورزازات وخصم بعض النسب من الضرائب لتشجيعهم على التصوير هنا؟ لكن ما حصة الثقافي والإبداعي والحضاري أقول بين هذه الأبعاد ووراء هذه التشجيعات وما حصة استفادة الإنتاج الوطني وبناء القاعات الضرورية لتحرير الإنتاج الوطني من رضاعة الدولة ومن ابتزاز البعض باسم ميكانيكا الانتاج والتقنية للإبداع ؟ أخيرا ما العنصر الاستراتيجي أكثر من بين الأبعاد السابقة الذكر في مهرجان مراكش الدولي للفيلم باعتباره قاطرة السينما الوطنية ؟ بل كيف « تُرَصِّصُ" هذه الأبعاد جميعها بشكل استراتيجي ومُتكامل لتحقيق "مُنعطف" ضد ما يبدو وكأنه استنفاذ المهرجان لصيغة انطلاقه وعدم قدرته (فكريا) على مسايرة إيقاع تطور الالسياسات العمومية الداخلية والخارجية في صيغتها الجديدة التي لا سابق لها تحت قيادة ملك البلاد ؟ وبعد؟ ليست مسؤوليتي ولا شأني هذا الما بعد، فقد علمنا الإقصاء والتجاهل الالتزام بالحدود الحافظة للكرامة وللحرية: « قل رأيك وانصرف. » ليس غرضنا في مقالة الرأي هاته الإجابة على هذه الأسئلة العميقة: أسئلة المعايير والمعياريات. كنا نتمنى لو عملت الدولة الوصية على الاستراتيجيات الكبرى لتنشئة المواطن العقلاني المشارك والملتزم حضاريا، على دمج السينما في نبل هذه المهمة بعدم ترك معايير التدبير والتصرف في المال العام والخاص، وفي البنيات الفضائية العمومية منها والخاصة الأجمل ببلدنا، تركها تحت رحمة اجتهادات تشوبها الأمزجة والحسابات الخاصة، والميولات الإيديولوجية والتماهيات الشخصية، والأهواء والحزازات. بذلك تحدثنا دائما عن المعايير لنقول بأن ما تستلهمه من قيم كونية كبرى ومن مباديء عالمية متعارف عليها أساسي: كأن تكون، فيما أرى، خاضعة لمبدأ أن كل موظف مهما علا شأنه إنما هو مُفوضٌ وليس مالك للمكتب وللكرسي الذي يجلس عليه. ستراه عندها متمسك بأداء المهمة واع بأنه عابرٌ وبأن قيمته مما سيترك من إنتاج وما سيقضيه للناس من حوائج وفقا للباديء السامية التي استلهمها وأنارت طريقه وعن ذلك فقد نال ماديا ومعنويا ما هو متعاقد عليه. الحرية والمسؤولية والواجب والحق والنزاهة والعقلانية والنجاعة والموضوعية والمحاسبة والغيرية وتحقيق المصلحة العامة قيم لا تتجزأ. ماذا نريد أن قول في نهاية المطاف من التركيبية التي قد تبدو مستعصية على الفهم للبعض؟ نقول بوضوح: لا نرى طريقا لاستمرارية قوية المُلائمة والأصالة لمهرجان مراكش الدولي للفيلم، مهرجان المغرب الأول تحت الرعاية السامية والرئاسة الأميرية في غير أن يكون قاطرة حقيقية للفيلم المغربي بالمعنى الذي ركَّبْناه أعلاه. إن المُتقَنُ الدّقيق، والُمنسجِمُ الصّادِق، والمُتناغم الاحْتِرافي، والمُتكامل الأصِيل، والمُبْتكر الكوني النَّابِع من الجُذُور … يصنع بنيات: الجميل.