في شهر أبريل من سنة 2007، أعلنَ رئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، سابقا، الراحل إدريس بنزكري، مِنْ منصّة المؤتمر العالمي الثالث لمناهضة عقوبة الإعدام بباريس، أنَّ المغربَ سيُلغي هذه العقوبة من قانونه الجنائي، تنفيذا لتوصيّة بهذا الشأن صدرت عن هيئة الإنصاف والمصالحة. هذا الإعلان جعَل الحقوقيين المغاربة المدافعين عن إلغاء عقوبة الإعدام، التي يعتبرونها "عقوبة لا إنسانية"، يستبشرونَ بقرب نهايتها، لكنَّ ذلك لمْ يحصل إلى حدّ الآن؛ إذ إنَّ المحاكمَ المغربية ما زالتْ تُصدر أحكاما بالإعدام، وإنْ كان تنفيذ العقوبة توقّف منذ سنة 1993. النقاش حوْلَ إلغاء عقوبة الإعدام، طفَا مجددا على السطح، بعد امتناع المغرب عن التصويت، شهر نونبر الماضي، على مشروع القرار المتعلق بإلغاء عقوبة الإعدام، أمام اللجنة الثالثة للجمعية العامة للأمم المتحدة المتخصصة في قضايا حقوق الإنسان. بالمُوازاة، كثّف النشطاء الحقوقيون المدافعون عن إلغاء هذه العقوبة مسَاعيهم الرامية إلى حشْد مواقفَ داعمةٍ من طرف الهيئات السياسية؛ حيث التقى ممثلون عن الائتلاف المغربي لمناهضة عقوبة الإعدام مع زعماء أحزاب سياسية، وقدّموا لهم مذكرة مطلبية بالترافع لإلغاء عقوبة الإعدام. وفيما ضمَّتْ أحزاب التقدم والاشتراكية، والأصالة والمعاصرة، والاتحاد الاشتراكي، أصواتها إلى صوْت الائتلاف، في انتظار معرفة توجّه باقي الأحزاب الأخرى، قال الناشط الحقوقي عبد الإله بنعبد السلام: "نحنَ نستغربُ لماذا يرفض المغرب إلغاء عقوبة الإعدام من القانون الجنائي". بنعبد السلام، العضو في الائتلاف المغربي لمناهضة عقوبة الإعدام، أشار إلى أنَّ هيئة الإنصاف والمصالحة أوصتْ في تقريرها الختامي بإلغاء عقوبة الإعدام، "لكنَّ المحاكمَ ما زالتْ تُصدر أحكاما بالإعدام"، يقول المتحدث، مضيفا: "هذا يتناقض حتّى مع الدستور، الذي ينصّ في المادة 20 على أنَّ الحق في الحياة هو أسْمى حقوق الإنسان". ويَعتبرُ بنعبد السلام التحفظ الرسمي على إلغاء عقوبة الإعدام من القانون الجنائي المغربي، بعْد مُضيّ 23 سنة على تجميد تنفيذها، "غيْرَ مفهوم"، متسائلا: "لا أعرفُ لماذا يصرُّ المغرب على إضاعة فُرصةٍ كهذه ستمكّنه من كسْب نقاط على مستوى حقوق الإنسان؟". في المقابل، يُبْدي وزيرُ العدل والحريات، مصطفى الرميد، تحفظا واضحا على إلغاء عقوبة الإعدام، وقالَ في ردٍّ على برلمانيين بمجلس النواب إنَّ الأدبيات الدولية "لا يوجدُ فيها ما يُوجب إلغاء هذه العقوبة، إلا ما يخص البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وهو غير ملزم للدول". التعليلُ الثاني الذي برّرَ به وزير العدل والحريات موقفه هو أنَّ مسألة إلغاء عقوبة الإعدام "غير محسومة مجتمعيّا". وفي هذا الإطار، كشف البحث الوطني حول تصوّر الأسَر لتدابير التنمية المستدامة، الذي قامت به المندوبية السامية للتخطيط، وقدّمته الأسبوعَ الماضي، أنَّ نصف المغاربة يؤيّدون إلغاء عقوبة الإعدام من القانون الجنائي المغربي. وبحسب مُعطيات البحث، فقد أجاب 50% من المستجوَبين عن سؤال: "هل أنتَ مع إلغاء عقوبة الإعدام؟" ب"نعم". وتعليقا على هذا الرقم، قال عبد الإله بنعبد السلام: "هذا رقمٌ مشجّع"، لكنّه استدرك: "ليس ضروريا أن نستفتي المجتمع دائما في كلّ القضايا المطروحة". وأوْضح: "كثير من المبرّرات التي يطرحها المدافعون عن الإبقاء على عقوبة الإعدام مُبرّرات غيرُ موضوعية. يقولون، مثلا، إنَّ هذه العقوبة رادعة، ولكنَّ الأبحاث بيّنت العكس، ففي الدول الأوروبية التي ألغت الإعدام تقلُّ نسبة الجريمة مُقارنة مع الولاياتالمتحدةالأمريكية التي ما زالت تنفّذه". من المسوّغات التي يُعزز بها مناهضو عقوبة الإعدام في المغرب مَطلبهم بإلغائها، أنَّ أحكامَ الإعدامَ التي نُفذتْ في المغرب قبلَ تعليق العمل بها، استهدفتْ، بالأساس، تصفية الخصوم السياسيين. وقال بنعبد السلام في هذا الإطار: "من مجموع 57 حُكما بالإعدام المُنفذة، 13 حُكما فقط تتعلق بالحقّ العام، في حين إنَّ باقي أحكام الإعدام نُفّذتْ في حقّ عسكريين وسياسيين". مُسوّغ آخر يسوّقه مناهضو عقوبة الإعدام يتعلّق باستحالة استدراك الأخطاء التي قدْ يقع فيها القضاء، "فحينَ يُصدر القاضي حُكما بإعدام شخص ويُنفّذ هذا الإعدام، ويتبيّن لاحقا أنه بريء، لا يُمكن أن نُعيد للمُعدم حياته"، يقول بنعبد السلام، مضيفا: "لو كانَ هناك نقاش موسّع لتمكنّا من إقناع مؤيّدي هذه العقوبة بجدوى إلغائها".