تزاول عملها بالمغرب.. محامية متورطة في الاستفادة من المساعدات الاجتماعية ببلجيكا    الصيادلة يرفضون مرسوم سعر الأدوية.. وإضراب مرتقب يشمل صيدليات الناظور    "كان" السيدات: المنتخب المغربي يحجز مقعدا في المربع الذهبي بانتصاره على مالي    حادث سير إثر انقلاب سيارة تقودها سيدة مقيمة بهولندا في منحدر بالحسيمة    القسام: جاهزون لمعركة استنزاف طويلة والاحتلال قتل جنودا حاولنا أسرهم    توقيف شخصين وحجز كميات من مخدر الشيرا        أخنوش: تنظيم مونديال 2030 سيساهم في تحول استراتيجي بالمغرب    بعد 14 سنة من الغياب.. يوسف العربي يعود رسميا إلى "الليغ 1"    رياض مزور يكشف التحول الصناعي نحو الحياد الكربوني    وليد كبير: بيان خارجية الجزائر ضد الاتحاد الأوروبي ليس أزمة عابرة.. بل تعرية لنظام يحتقر المؤسسات ويخرق القانون الدولي    مجلس المستشارين يعقد جلسة عامة سنوية يوم الثلاثاء المقبل    جمعية أبناء العرائش بالمجهر تتضامن و تنتقد تغييب المنهج التشاركي في تنفيذ مشروع الشرفة الأطلسية والمنحدر الساحلي بمدينة العرائش    إشارة هاتف تقود الأمن إلى جثة الطبيبة هدى أوعنان بتازة    انطلاق الموسم الصيفي لصيد الأخطبوط عقب فترة راحة بيولوجية    أخنوش: التنظيم المشترك لمونديال 2030 عامل تسريع لتحول استراتيجي للمغرب    ميناء الحسيمة : انخفاض طفيف في كمية مفرغات الصيد البحري خلال النصف الأول من العام الجاري    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    390 محكوما ب"الإرهاب" بالمغرب يستفيدون من برنامج "مصالحة"    البيت الأبيض يكشف: ترامب مصاب بمرض مزمن في الأوردة الدموية    بأمر من المحكمة الجنائية الدولية.. ألمانيا تعتقل ليبيا متهما بارتكاب جرائم حرب وتعذيب جنسي    حرارة الصيف تشعل أسعار الدجاج وتحذيرات من الأسوأ    إحداث أزيد من 6200 مقاولة مع متم ماي الماضي بجهة الشمال    اتحاديو فرنسا يرفضون إعادة إنتاج "الأزمة" داخل الاتحاد الاشتراكي    نادي الهلال السعودي يجدد عقد ياسين بونو حتى 2028    سقوط من أعلى طابق ينهي حياة شاب في طنجة    كيف يمكن للذكاء الاصطناعي مساعدة الكتاب والأدباء والإعلاميين وصناع المحتوى..    اشتباكات بين عشائر ومقاتلين "دروز"    ترامب يهدد صحيفة أمريكية بالقضاء    حزمة عقوبات أوروبية تستهدف روسيا    حرب خفية على المنتجات المغربية داخل أوروبا.. والطماطم في قلب العاصفة    قاضي التحقيق يودع ثلاثة موظفين سجن عكاشة بملف سمسرة قضائية        "أنا غني".. سجال هاشم يستعد لإشعال صيف 2025 بأغنية جديدة    مدينة تيفلت تفتتح سهرات المهرجان الثقافي الخامس بباقة موسيقية متنوعة    دراسة: الذكاء الاصطناعي يحول تخطيط القلب العادي إلى أداة فعالة لاكتشاف عيوب القلب الهيكلية        رحيل أحمد فرس.. رئيس "فيفا" يحتفي بالمسيرة الاستثنائية لأسطورة كرة القدم الإفريقية    لوفيغارو الفرنسية: المغرب وجهة مثالية لقضاء عطلة صيفية جيدة    افتتاح بهيج للمهرجان الوطني للعيطة في دورته ال23 بأسفي تحت الرعاية الملكية السامية            جيش الاحتلال الصهيوني يواصل مجازره ضد الفلسطينيين الأبرياء    بعد تشخيص إصابة ترامب بالمرض.. ماذا نعرف عن القصور الوريدي المزمن    "مهرجان الراي للشرق" بوجدة يعود بثوب متجدد وأصوات لامعة    بطولة إيطاليا: انتر يسعى لضم النيجيري لوكمان من أتالانتا    فرحات مهني يُتوَّج في حفل دولي مرموق بباريس    سانشيز: "الهجرة تساهم بشكل إيجابي في الاقتصاد الإسباني"    البيت الأبيض يعلن إصابة ترامب بمرض مزمن    "حزب الكتاب" يدافع عن آيت بوكماز    وزير الثقافة يعزي في وفاة الفنانين الأمازيغيين صالح الباشا وبناصر أوخويا    وداعا أحمد فرس    دراسة تكشف العلاقة العصبية بين النوم وطنين الأذن    زمن النص القرآني والخطاب النبوي    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخصائص الست لمحمد خاتم الأنبياء والمرسلين
نشر في هسبريس يوم 12 - 12 - 2016

إن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق من أجل أن يعبدوه ويتبعوا سننه في كونه علما وعملا، محققين بذلك لنظام الاستخلاف في الأرض على أتم وجه، ومبلغين عن الله ولو آية من وحيه، فاقتضى الأمر إرسال الرسل صادعين بالحق، ومنيرين درب الناس إلى طريق الصدق، تحقيقا لمقاصد خلقه.
وخص الله سبحانه كل نبي في ذلك بميزات وخصائص كل منهم حسب وقته وزمانه،﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ﴾ [البقرة، 253]، وجعل محمدا صلى الله عليه وسلم آخرهم وخاتمهم،﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ [الأحزاب، 40] فاقتضى المقام أن يتميز بخصائص لم تعط لغيره سلفا، إتماما للرسالات السماوية، وتحقيقا للتنبآت السابقة.
وفُضِّل النبي محمد صلى الله عليه وسلم بما فضل به على الأنبياء قبله بست خصال كبرى حيث ورد في صحيح البخاري: حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلاَةُ فَلْيُصَلِّ، وَأُحِلَّتْ لِي الغَنَائِمُ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ "1.
فذكر في هذا الحديث خمس خصال، وأضاف الإمام مسلم في حديث رواه في صحيحه خصلة سادسة، وهذا نص الحديث: «عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " فُضِّلْتُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ: أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ، وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا، وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً، وَخُتِمَ بِيَ النَّبِيُّونَ "2.
تلك الخصلة مرتبطة بكونه صلى الله عليه وسلم أعطي جوامع الكلم.
هذا على سبيل الإجمال، أما التفصيل والبيان فهو ما سيكون على المنوال التالي:
أولا: أعطي جوامع الكلم:
لقد بعث النبي في جزيرة كان أناسها يتكلمون الفصاحة والبيان في أرقى صورهما ومستوياتهما، وكان القوم آنئذ لا يحتاجون إلى قواعد النحو والبلاغة والأصول، فكان من الضروري بإزاء كله هذا أن يكون هذا النبي التي يجيء برسالته الخاتمة إليهم أقوى منهم بيانا وأفصح منهم لسانا.
ولا يعني هذا أن يتكلم بلغة غير لغتهم، وإنما يتكلم بما يتكلمون به من حيث المفردات والاستعمالات، لكنه يفوقهم اختصارا وتركيبا وبيانا في جمل قصيرة وحروف محصورة مع تضمينها قوة دلالية تتسع أنظار العلماء في فهمها وتفكيكها وتسيل فيها أقلامهم في تحليلها.
ذلك أنه كان صلى الله عليه وسلم يقصد في اللفظ مع إيفائه بحق المعنى، يقول الهروي وهو يتحدث عن دلالات القرآن والسنة« جمع الله تعالى في الألفاظ اليسيرة منه المعاني الكثيرة، وكلامه صلى الله عليه وسلم كان بالجوامع قليل اللفظ كثير المعاني»3.
ذلك أننا نحن البشر العاديين لم نعط هذه الخَصِيصَة، فإذا جئنا للتعبير عن أمر استعملنا المفردات الكثيرة في التعبير عن المراد، وربما أحيانا نعبر كثيرا وعندما نعصر القضية نجدها تتحمل فائدة أو اثنين على الأكثر.
وما يزيد هذه القضية بيانا ما نجده في كتب شراح أحاديثه صلى الله عليه وسلم فهم يؤلفون صفحات كثيرة في التعبير عن مراد النبي صلى الله عليه وسلم من الحديث وهذا طبيعي في كل من لم يؤته الله تلك القوة في البيان والجمع للمعاني في في الكلمات القلائل.
وهذا هو أسلوب القرآن الكريم في تناوله لجميع القضايا؛ يقول عبد الله دراز« فأبلغ البلغاء إذا حفل باللفظ أضر بالمعنى، وإذا حفل بالمعنى أضر باللفظ. نهايتان مَن حاول أن يجمع بينهما وقف منهما موقف الزوج بين ضرتين، لا يستطيع أن يعدل بينهما دون ميل إلى إحداهما.»
ويقول أيضا:« فى النفس قوتان، قوة تفكير وقوة وجدان. وحاجة كل واحدة منهما غير حاجة الأخرى. ولا تجد بليغاً يفى لك بحاجة القوتين في عبارة واحدة. ولكنك تجد ذلك في القرآن الحكيم. في أجمل صورة وأوضح بيان»4.
فالجمع بين هاتين الخَصِيصَتين لا يتأتى إلا لرجل مؤيد بالوحي الذي حط القرآن في قلبه وتربع عليه ليستفيد منه تركيبا وبناء.
ثانيا: نصر بالرعب مسيرة شهر:
هذا النبي العربي العظيم في أخلاقه وقوته وسلوكه؛ كانت العرب تهابه مسيرة شهر، وهذا أمر طبيعي في من أيده الذي خلق السماوات والأرض وما بينها، وهو سبحانه كان المعين له في كل أموره التي مر بها في الدعوة إلى الله سرا وجهارا، والأنبياء من طبائعهم أن يهابوا، حتى لا يتسلط عليهم رجل ولا يعتدي عليهم عدو.
ورعب العدو مسيرة شهر أمر لا يجعله الله لكل مخلوق عادي إلا لرجل أراد الله أن يظهر على يديه الدين الحق،«والنكتة فِي جعل الْغَايَة شهرا لِأَنَّهُ لم يكن بَين الْمَدِينَة وَبَين أحد من أعدائه أَكثر من شهر»5.
حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم يلتقي بالعدو في المعارف فيزرع الله في قلب العدو رعبا وخوفا شديدين، رغم قلة المسلمين وكثرة العدو إلا أنه يصبح مع هذا حذرا وخائفا، وهذا صفات إظهار الحق سبحانه الحق على يد أنبيائه ورسله، فالله غالب على الناس، وأمره هو العلي القوي إذا أراد شيئا أن يقول له كم فيكون؛ لأنه سبحانه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
وهذه الخصوصية «التي يقتضيها لفظ الحديث: مقيدة بهذا القدر من الزمان، ويفهم منه أمران:
أحدهما: أنه لا ينفي وجود الرعب من غيره في أقل من هذه المسافة. والثاني: أنه لم يوجد لغيره في أكثر منها، فإنه مذكور في سياق الفضائل والخصائص، ويناسبه: أن تذكر الغاية فيه، وأيضا، فإنه لو وجد لغيره في أكثر من هذه المسافة لحصل الاشتراك في الرعب في هذه المسافة، وذلك ينفي الخصوصية بها.»6.
هذا لا يعني أن النبي يرتعب منه الفقراء والمساكين، بل كانوا يحدثونه ويقتربون منه بل يجدونه الملجأ الوحيد لرد حقهم لهم، فكيف لا يتحقق هذا المبدأ وهو أحسن الناس خَلقا وخُلقا، يقول الحق سبحانه: ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ [آل عمران، 159]، لكنه كان صلى الله عليه وسلم شديدا على الأعداء رحيما ورءوفا بالمومنين، حيث كانت ملوك كسرى تهابه لقوته المعنوية إلى جانب القوة المادية، فكيف لا يحدث هذا والملائكة نزلت في بعض العزوات نصرة للحق وإعلاء لكلمة الله كمثل الذي حدث في بدر، كما يحكي ذلك الحق في سورة آلأ عمران.
ثالثا: جعلت له الأرض مسجدا وطهورا
هذه الخصيصة مرتبط بشساعة الأرض وامتدادها من حيث كونها مستقرا لهذا المخلوق الإنساني، فأصله منها ويستفيد من خيراتها وثرواتها، هذا مع أنها تحمله وتهيأت له نقاوة وجمالا ليؤدي عليها عبادته، وهذا لا ينفي أن لا تكون جميع الأماكن صالحة لأداء الصلاة.
فالأرض كلها طاهرة نقية؛ فحيثما أدركت الإنسان الصلاة فليصل، إلا بعض الأماكن المستثناة من القاعدة كأمكنة الأزبال، أو معاطن الحيوانات وجميع الأماكن غير الطاهرة بشكل عام.
وأحسن ما يمكن ذكره في هذا المقام هو ما قاله ابن حجر رحمه الله وهو يتحدث عن طهارة الأرض: «وقد تبين بهذا أن معنى اختصاصه عن الأنبياء بان الأرض كلها جعلت مسجدا له ولأمته أن صلاتهم لا تختص بمساجدهم المعدة لصلاتهم كما كان من قبلهم، بل يصلون حيث أدركتهم الصلاة من الأرض وهذا لا ينافي أن ينهي عن الصلاة في مواضع مخصوصة من الأرض لمعنى يختص بها، كما نهى عن الصلاة في أعطان الإبل، وفي المقبرة والحمام»7.
وهذه الخصيصة تشير إلى أمر آخر في غاية الدقة، ذلك أن القبلة التي يتوجه إليها المسلمون واحدة، فجميع الأرض طهارة للتوجه نحوها، وهذا يستدعي بالضرورة أن الأرض بعد محمد طهارة للناس كلهم لمن يريد أن يتوجه نحو باب الله والإعراض عن الشرك وتبعاته المجحفة الظالمة، هذا من جهة؛
ومن جهة ثانية أن خصوصية طهارة الأرض كلها لهذا النبي العظيم ترتبط أيضا بكونه خاتم الأنبياء والمرسلين، وهذه الأرض بعدها لن يبعث إليها نبي بعده.
رابعا: أحلت له الغنائم:
لم يعط الله لنبي قبل محمد صلى الله عليه وسلم أخذ حقه من الغنائم في الحروب وفي غيرها، لكن هذا النبي المبارك حباه الله بهذه الخصلة الكريمة؛
يقول الحق سبحانه: «وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ » [الأنفال، 41]
«والغنائم: جمع غنيمة، وَهِي مَال حصل من الْكفَّار بِإِيجَاف خيل وركاب»8.
ولعل هذه الخصيصة اليوم قليلة الحدوث أو منعدمة نظرا لتغير الأحوال وقلة وقوعها.
خامسا: بعث إلى الناس كافة:
لقد بعث النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى خلق الله كلهم عربا وعجما، إنسا وجنا ... إذ رسالته عمت كل الخلائق منذ بعثته إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، والآيات كثيرة تؤكد هذا المعنى، يقول الحق سبحانه:﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾[الأنبياء، 107]، وقوله سبحانه:﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾[سبأ،28]،
ولا يفهم من هذا أن الرسالة المحمدية للإنس فقط بل طالت حتى الجن: ﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [الأحقاف، 29-32].
وقوله سبحانه:﴿ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا﴾[الجن، 1-2].
فرسالة محمد رسالة شاملة للعالمَيْن معا عالم الإنس وعالم الجن، وكونه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيئين يستلزم عن طريق دلالة اللزوم أن تكون رسالته عامة وشاملة لجميع الخليقة، لأنه لا يمكن أن تختم الرسالات السماوية بعيدة عن الشمولية والاستيعاب لجميع حوادث الناس التي تظهر مع مرور الناس.
ذلك أنه وبكل بساطة؛ لن يعذب الله قوما إلا إذا أرسل إليهم الرسل مبشرين ومنذرين ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾[الإسراء، 15]
سادسا: أعطيت له الشفاعة العظمى:
هذه الميزة امتاز بها محمد صلى الله عليه وسلم وخص بها باعتباره خاتم الرسل ورسالته خاتمة الرسالات، إذ الشفاعة الكبرى لا تعطى إلا له غدا يوم القيامة.
والمقصود بالشفاعة في سياق الحديث الشفاعة العظمى: «لفصل القضاء، وإراحة الناس من شدة ذلك الموقف الرهيب»9.
يقول الإمام النووي: «الشفاعة هي الشفاعة العامة التي تكون في المحشر بفزع الخلائق إليه صلى الله عليه وسلم لأن الشفاعة في الخاصة جعلت لغيره أيضا»10.
من خلال هذا نستفيد أن الشفاعة تكون في موطنين: أحدهما عام وهو الذي يختص به النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ومفهوم العمومية يكتسي من توجه جميع الخلائق إليه الراغبين في طلب شفاعته، أو كل من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله ومات على ذلك.
والثاني موطن خاص ويكون لغيره أيضا كمن يحفظ القرآن مثلا ويعمل به يشفع غدا يوم القيامة لأهله، ...
وابن حجر رحمه الله بين أنواع الشفاعة ويحصرها في أربعة مجالات حيث قال:« وأما الشفاعة التي اختص بها النبي – صلى الله عليه وسلم- من بين الأنبياء، فليست هي الشفاعة في خروج العصاة من النار؛ فإن هذه الشفاعة يشارك فيها الأنبياء والمؤمنون - أيضا -، كما تواترت بذلك النصوص، وإنما الشفاعة التي يختص بها من دون الأنبياء أربعة أنواع:
أحدها: شفاعته للخلق في فصل القضاء بينهم.
والثاني: شفاعته لأهل الجنة في دخول الجنة.
والثالث: شفاعته في أهل الكبائر من أهل النار، فقد قيل: أن هذه يختص هو بها.
والرابع: كثرة من يشفع له من أمته؛ فإنه وفر شفاعته وادخرها إلى يوم القيامة»11.
هذا وأصلي وأسلم على النبي المبعوث رحمة للعالمين والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
1 -صحيح الإمام البخاري، كتاب:الصلاة، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، حديث رقم:438، تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر، دار طوق النجاة، الطبعة الأولى، 1422ه.
2- صحيح الإمام مسلم، كتاب:المساجد ومواضع الصلاة، باب: جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، حديث رقم: 523، ج:1، 371.
3- المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج للإمام النووي، دار إحياء التراث العربي – بيروت، الطبعة: الثانية، 1392م، ج:5، ص:5.
4 -للإطلاع على هذه الخصائص إقرأ كتاب: النبأ العظيم نظرات جديدة في القرآن الكريم للدكتور محمد عبد الله دراز، ص:143إلى: 152
5- عمدة القاري شرح صحيح البخاري، لبدر الدين العيني، دار إحياء التراث العربي – بيروت، ص:4، ج:9.
6- إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام، لابن دقيق العيد دار السنة المحمدية، ج:1، 150.
7- فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني، تحقيق: محمود بن شعبان بن عبد المقصود، ومجدي بن عبد الخالق الشافعي، وإبراهيم بن إسماعيل القاضي وآخرون. دار مكتبة الغرباء الأثرية - المدينة النبوية. الطبعة: الأولى، 1417 ه - 1996 م، ج:
8 -عمدة القاري شرح صحيح البخاري، ص:4 ، ج:9
9- منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري لحمزة محمد قاسم، : مكتبة دار البيان، دمشق ، 1410 ه - 1990 م، ج:1، ص:350
10 -المنهاج للنووي، ج:5، ص:4.
11- فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر، ج:2، ص:214.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.