استهل رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أحمد الهايج مداخلته، اليوم بأكادير، بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان، بالتذكير بأشكال التضييق و"العداء" على النشطاء السياسيين والنقابيين والحقوقيين والفاعلين المدنيين، مرجعا ذلك إلى ما وصفه بالسلوك المهيكل والمتجذر في آليات عمل السلطة السياسية في المغرب، ومستدلا بالعدد الهائل من الجمعيات والتنظيمات المركزية والمحلية التي جوبهت بعراقيل إدارية عند تأسيس أو تجديد مكاتبها. وقال الهايج إن هيأته "ما فتئت تتلقى اللوم على طريقة اشتغالها؛ أي الاكتفاء بتناول السلبيات والنواقص وإغفال أوجه التقدّم الذي أحرزه المغرب في مجال حقوق الإنسان"، وفق تعبيره، معتبرا، في هذا الإطار، أن للدولة وسائل وأساليب متعدّدة في مخاطبة المواطنين بمنجزاتها، وفي المقابل، "نحن كحركة حقوقية مفروض علينا حماية حقوق الإنسان، كلّما انتُهِكت لدى الأفراد أو الجماعات، وفي جانب آخر الدفع بتحسين أوضاع حقوق الإنسان، والنهوض بها، على المستوى التشريعي أو المؤسساتي". وقال رئيس ال "AMDH" إن جمعيته أصبحت مرجعا للتقدير الحقيقي لأوضاع حقوق الإنسان في المغرب، ومصدرا موثوقا للمعلومة، يؤخذ بتقاريرها في المنتديات الأممية والدولية والإقليمية، "وبالتالي فما تسعى إليه الدولة، هو دفعنا إلى مراجعة خطنا الحقوقي، ودفعنا إلى لعب الأدوار التي تؤديها بعض الجهات في هذا الصدد؛ أي أن تكون الجمعية بمثابة رسول للدولة، تدافع عنها في المحافل الدولية، وإبراز الوجه المشرق للأوضاع فقط، وترك الوجه الآخر لهذه الأوضاع، والجمعية ترفض رفضا باتّا مثل هذه المساومات". وعن ملف التعذيب، الذي خلق تشنجا بين الدولة والجمعية من جهة، وبين الدولة المغربية والمنتظم الدولي من جهة أخرى، خاصة منظمة العفو الدولية، قال الهايج: "منذ مدة ونحن نعتبر أن التعذيب من الممارسات السائدة والجاري العمل بها داخل مراكز الاحتجاز والاعتقال في بلدنا، بل وحتى في الشارع العام، بمناسبة أشكال احتجاجية عديدة، وحينما يتجاوز الحد المسموح به وفق المعايير الدولية، ويتحول إلى تهجّم على المتظاهرين، فإنه يرقى إلى مستوى التعذيب حسب التكييفات التي وصل إليها خبراء الأممالمتحدة، ويدخل في نطاق المعاملات الإنسانية القاسية". ورغم الإنكار الذي أبدته الدولة المغربية، يضيف الهايج، بنفي وجود تعذيب بشكله الممنهج، وإنما حالات معزولة، اتخذت ضد الواقفين وراءها عقوبات أو متابعات، "لا زلنا نعتبر أن هذا إجراء انتقائي ولم يتّخذ بعد طابع الشمولية، ولم يترسّخ كفعل مؤسّساتي، من شأنه أن يفضي إلى اعتبار المغرب قد قطع مع هذه الممارسة البغيضة". وانتقد ما وصفه بالاستثناء المغربي، على الأقل في محيطه الإقليمي، وانتقاله من وضعية الانتهاكات إلى وضعية جديدة، مع تجربة الإنصاف والمصالحة والعدالة الانتقالية وصولا إلى محطة سنة 2011، "غير أنه باستثناء جبر الضرر الجماعي أو الفردي، فإن جل التوصيات الختامية الصادرة عن هذه الهيئة لم تلقَ طريقها إلى التنفيذ، ولم يتم تفعيلها أو أجرأتها، سواء على مستوى الإصلاحات المؤسساتية والدستورية، أو إرساء دعائم وأسس الحكامة الأمنية، أو إبراز الحقيقة حول هذه الانتهاكات، أو تفعيل مبدأ المساءلة وعدم الإفلات من العقاب، وهي إحدى النواقص التي شابت عمل هذه الهيأة، مما أدخل المغرب في حالة جمود منذ سنة 2006 إلى حدود ظهور حركة 20 فبراير". أما عن المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، فكان موقف الجمعية أنه لم يستوفِ مبادئ باريس، بحسب رئيس ال "AMDH"، وأهمها الاستقلالية، باعتباره مؤسسة وسيطة في حقوق الإنسان، ولم يتم تغيير نظامه إلا في سنة 2011؛ حيث تحول إلى مؤسسة وطنية، ثم ظهور مؤسسة الوسيط، "ورغم ذلك، نقول إنها لازالت لم تستوف بالشكل المطلوب مبادئ باريس؛ بحيث لا يتم الأخذ بتوصياتها، فأصبح دورها هامشيا، مثلها مثل المجلس الوطني لحقوق الإنسان". وأبرز الهايج أن المشهد الحقوقي يشهد تراجعات في المغرب والمس بالعديد من الحقوق والحريات. فعلى مستوى الحقوق المدنية والسياسية، تُسجل انتهاكات خطيرة بمبدأ جوهري هو سيادة القانون، "فعندما تُخل الدولة بالقوانين ولا تحترمها، فلا يُمكن الحديث عن دولة الحقّ والقانون"، وعلى مستوى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فهي "في مهب الريح"، بتعبير الهايج، لاسيما إذا ما تم تمرير السياسات العمومية في مجال التعليم والصحة والتشغيل والحريات النقابية، نتيجة إملاءات الدوائر المالية الدولية، ونتيجة الإرادة والاختيارات الداخلية، مضيفا أن الحقوق الثقافية واللغوية ليست بأحسن حال؛ حيث "رغم مرور أزيد من خمس سنوات، لم يتم تفعيل، مثلا، الطابع الدستوري للغة الأمازيغية". محليا، تناول رئيس فرع أكادير للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، عبد العزيز السلامي، مختلف أشكال التضييق على عمل الجمعية، موردا، في هذا الصدد، المنع من استغلال قاعات عمومية بكل من غرفة التجارة والصناعة والمدرسة الوطنية للتجارة والتسيير ومقر الشبيبة والرياضة "بداعي التعليمات"، مبرزا جوانب من التعدي على أبسط حقوق الإنسان في مجال التعليم والصحة والتشغيل والإدارة وغيرها. وقال إن فرعه سيظل يواصل نضاله باستمات إلى حين تحقيق العدالة الاجتماعية والنهوض بحقوق الإنسان في كافة الميادين. وشهد اللقاء تقديم درع الجمعية تكريما لأحد مؤسسي ال "AMDH"، الطيب الساسي، الذي عرج ضمن مداخلته على أهم محطات تأسيس الجمعية خلال سبعينيات القرن الماضي، وأبرز أهم اللحظات التاريخية في مسار عمل الجمعية المتسم بالاعتقالات والزج بالمناضلين في السجون والملاحقات القضائية، "ورغم ذلك، بقيت الجمعية وفية، وهي الوردة التي نمت وسط غابة من الأشواك والوحوش، فأينعت وسط ذلك رغم العراقيل والمشاكل".