لم يكن الفكر "الفيميني" حركة نضالية اجتماعية، سياسية وفلسفية فقط؛ بل كان عبارة عن تطلعات حاملة لطموح المساواة الحقوقية بين الرجال وبين النساء منذ القرن الثامن عشر وبدايات طرح أفكار تهم الحقوق والمساواة بين كل البشر. ما فتئت الأديبة الفرنسية أوليمب جوج، منذ أن كتبت عام 1791 عن بيان حقوق المرأة والمواطنة واعتبرتها جزءا لا يتجزأ عن بيان حقوق الرجل والمواطنة الذي أعلن عقب الثورة الفرنسية، تؤكد أن المرأة كائن خلق حرا وسيظل كذلك يتمتع بكامل الحقوق وأن التفاضل بينها وبين الرجل يجب أن يكون على أساس معرفي ومبني على المصلحة العامة. في عام 1792، نشرت الفيلسوفة والكاتبة ماري وولستونيكرافت مقالا يطلب المساواة في التربية وعدم التفرقة بين الجنسين ردا على ما طلبه روسو من تربية جنسية لكل على حدة وبطريقة مختلفة حسب استعداد كل واحد منهما والدور الذي سيلعبه لاحقا في المجتمع. إن نساء القرن الثامن عشر شاركن في أول موجة للتيار "الفيميني" كما يعرف الآن، وإن كن قد عانين من الإقصاء وعدم الحق في ولوج الميدان السياسي ولا في الشغل؛ لكن مجموعة من النساء الأمريكيات أسست، خلال القرن التاسع عشر، حركة "المطالبات بحق الاقتراع للنساء" سنة 1848. بعد جهد طويل، أصبحت يومينغ أول ولاية أمريكية تمنح للنساء حق الاقتراع سنة 1869. لقد كانت المساواة في الشغل ثاني حق طالبت به الجمعيات النسائية. ومن السباقات في هذا المجال كانتا فلورا تريستان وروزا لوكسمبورغو. بدورها، كانت سيمون دي بوفوار من المناضلات الشرسات، حيث كتبت سنة 1950 كتابا فلسفيا عن "الجنس الثاني"، وكان مرجعا مهما للحركة "الفيمينية" لاحقا في كل بلدان العالم. في المرحلة الموالية، تنوعت الكتابات والأبحاث والتفكير ونشرت الكتب والمقالات الدارسة للحركة الفيمينية، أذكر منها كتاب "التصوف النسائي" لبيتي فردان وكتاب "السياسة الجنسية" لكات مليت؛ لكن أفكار وأهداف الفكر الفيميني تشعبت مع بدايات السبعينيات وفتحت مجالات لإيديولوجيات جديدة ك"فيمينيات المساواة"، "فيمينيات الاختلاف"، "الفيمينية البيئة"، " ظرية كويير" التي تتبنى هدم تصور التصنيف الاجتماعي - الجنسي وأخيرا "سيبرفيمينيزم"؛ وهي إيديولوجية تتبنى حركة الفيمينية وعلاقتها بوسائل العلم، التكنولوجيا والاتصال. وفي العالم العربي لم أر من دفع ثمن أفكاره التحررية مثل الطبيبة والكاتبة نوال السعداوي؛ إلا أن النساء العربيات كن من المبدعات في مجال المساواة بين الجنسين، ولكن أعمالهن كانت تتماشى مع قيم مجتمعاتهن، فالعالم يذكر نساء عربيّات غيّرن التاريخ وأذكر فاطمة الفهرية المغربية كمؤسسة لأول جامعة في العالم، طبيبة، عالمة درست الرياضايت، الجغرافيا والكيمياء وحتى اللغات الأجنبية. "راوية عطية" أول امرأة عربية برلمانية من مصر، عنبرة سلام الخالدي الأديبة والكاتبة ومؤسسة أول نادي أدبي نسائي عربي وغيرهن من النساء اللاتي ساهمن في الرقي بالمرأة وعملها دون اللجوء إلى نزع ملابسهن، نساء فهمن معنى دور المرأة في تغيير المجتمع تغييرا يلائم ظروف كل بلد ومعتقداته. ففي الدول العربية ونظرا للعوامل التاريخية والدينية والسياسية والاقتصادية وجد الفكر "الفيميني" نفسه في خانة الممنوع أو غير المرحب به؛ وذلك نظرا لما يدعو إليه من تحرر فكري وسياسي واقتصادي وإبداعي لا يتماشى مع الأعراف المتوارثة ولا مع القيم الدينية الثابتة لهاته الدول، خاصة حين يختزل العمل الفيميني في المطالبة بالتحرر الجنسي أو التعري لمناصرة فكره أو للدعوة إلى مطالب ما. لكن للأسف أصبح هناك خلط بين الفكر الفيميني وبين الحركات النسائية المعتدلة في جميع الدول وخاصة العربية. لكن الطريق إلى المساواة كان وما زال صعبا نظرا للظروف التي تعيشها الإنسانية من حروب وصراعات تكون النساء أول من يدفع ثمنها.