كنت أظن أن القوم "يُقَشِبُونَ "و يُزَعِقُون – بتعبير مدينتي وجدة-مع نيني في مزاح ثقيل لا غير،و أن استضافته ستنقضي ليتابع و هو في حالة سراح بعدما لم تفلح الغرامات المُمَلْينَة في إخراسه! و هو ما جعلني أتلكؤ في الكتابة عن ملف الرجل سيما و أن عددا من المقالات قد كتبت في حق الرجل متضامنة معه و مرثية لحالته و لواقع حرية التعبير و الحريات العامة بالبلد السعيد. بيد أن القوم لا " يُقَشِبُونَ " و لا " يُزَعِقون " و لكنهم مصرون على تغييب الرجل في المرحلة الحالية بسبق الإصرار و الترصد. و مُوتْ أنت و حرية التعبير المهم نيني يَصْهَر علينا!و ما يًبقاش يَصَبَّحْ علينا كل نهار تْشُوفْ تْشُوفْ! من الصعب الكتابة عن المدان الخطير المهدد للاستقرار و لسلامة خيرات البلاد و بعض من العباد، الصحفي المعتقل رشيد نيني من دون أن تصنف ضمن إحدى الدائرتين، إما دائرة القراء المدمنين إلى درجة المريدين، أو دائرة الأعداء و الخصوم اللدودين الذين يعجزهم و يفحمهم الرجل بقلمه السيال و جريدته الواسعة الانتشار، سيما شلة من في بطونهم شيء من العجائن! ثم أصدقاء المهنة سيما المحسادين، طبعا جزء منهم و ليس كلهم، ما أما الفئة الثالثة فقلة قليلة قلة كالكبريت الأحمر. و هي من تخلصت من هاتين الدائرتين لكي يمكنها الحديث عن الرجل من دون إفراط و لا تفريط، او تحميل الرجل ما لا يطيق. رشيد نيني ظاهرة صحفية مغربية بامتياز و طاقة إبداعية صحفية بمداد مهطال، و إذا كانت المواقع الصحفية الإلكترونية تتجدد على مدار اليوم و الساعة فرشيد نيني يكتب ويفكر على مدار اليوم و الساعة حتى أضحى السؤال اليومي هو أولا كيف يكتب الرجل هذا العمود الطويل بشكل يومي و بدون انقطاع إيوا شوف لك للحسد باش يقول تبارك الله و الصلاة على النبي ؟و الصراحة أنه لم يكن عمودا ديال الضو فقط و الإنارة العمومية و لكنه كان خزنة ديال الضو تنير مئات الآلاف من المغاربة حتى لا نقول ملايين مخافة أن تكون تهمة و بذلك نكون مثل "اللي جاي يكحلها ساع عماها".أما الصنف الآخر من الفضوليين فلم لم يكن يهمهم القدرة على الكتابة اليومية بقدر ما كانوا يقفون على من أين أتى الرجل بهذا الغسيل الأسود المسود المسوس للقوم؟ نيني و طاقمه صنعوا من المساء الجريدة الأولى في المغرب، فقد ولدت و لها مخالب قوية و شنبات طويلة لأن القراء وجدوا ضالتهم في الستيل النيني، بعدما ترك عدد معتبر منهم الستيل القلبي، من القلب إلى القلب، لأنهم فضلوا من العقل إلى العقل و من الشعب إلى الشعب.و الله يجعل شي باركا الناس عيات من القلب و زيد أن أصحاب القلوب داروا لاباس و سيشهد عليهم التاريخ بأنهم محنوا القارئ في الوضوء لأنه بعد مطالعة ما كانت تقذف به أقلامهم كان من المستحيل باش يبقى الواحد شاد الوضو! و لكن الحمد أن الله رد كيدهم في نحرهم فيمشي الوضوء و ما يمشيش الإيمان. لقد كانت فكرة إصدار جريدة يومية مغامرة ما بعدها مغامرة! في زمن الإفلاس الورقي و على رأسها الصحافة الحزبية المدعومة أصلا.و هو ما يصطلح عيه بالإفلاس الإعلامي المدعوم، و في ظرف بضعة أسابيع تصدرت المساء المشهد، أي نعم بدا عليها نوع من الزهو بالانتصار و ما تزال تقدم الجريدة نفسها على أنها الأكثر تداولا و مبيعا بالمغرب و هذا من باب الزهو المباح. بيد أن اللافت فعلا و سيظل كذلك هو كاريزمية عمود نيني تْشُوفْ تْشُوفْ حتى جعل الجريدة توصف بأنها الجريدة التي تقرأ من الخلف، و هو الشيء الذي ينسجم مع اسمها المساء أي نهاية النهار، و إن كان هذا لا يمنع من التنويه بالجريدة ككل مضمونا و إخراجا رغم تغول الصفحات الإشهارية في كثير من الأحيان و لكن الإشهار بالنسبة ليومية كالأوكسجين الذي لا بد منه و إلا اختنقت الجريدة ويبدو أن مشكلة نيني تشبه إلى -ما مع الاختلاف في الشخصية و التوجهات -الصحفي علي المرابط الممنوع باسم القانون في عجينة أو عجيبة قانونية من أغرب الأحكام القضائية تاريخيا، فالرجلان يشتركان في ميزة واحدة أنها لا يحسنان صناعة الأصدقاء خاصة من فئة الصحفيين بقدر إتقانهما صناعة الخصوم و الأعداء ربما لأن الرجلين صريحين في زمن تبدو فيه الصراحة و المواجهة عملة قليلة التداول خاصة إذا تعلق الأمر بالمجال الإعلامي. تْشُوفْ تْشُوفْ تحول إلى فوبيا و كابوس مقلق لدى عدد من الدوائر السوداء من حزب العجينة، و حزب أو جبهة العجينة هو أكبر تجمع للعفن في المغرب،يضم كل من في بطنه شيء من العجينة المغربية، و حاليا أصبح المجلس الأعلى للحسابات يصدر دليلا مفصلا عن العجائن و أهلها وأنواعها في تقارير رسمية! فقط السؤال: من يتابع هؤلاء العجانون حتى يردوا الخميرة و العجينة إلى أهلها؟ نيني كان ذكيا لأنه لم يأت من ناحية المقدسات، و لكنه ركز على المدنسات، إلا أن كثرة التركيز على المدنسات سيما تلك التي تنتمي إلى فصيلة المُبَلَّصَات أي لها بْلاَصَة و مركز سياسي و اقتصادي مهم، سيجعل المخزن تكشف سوءته، فإذا كان صديق صديقي هو صديقي، فإن عورة صديقي هي عورتي أيضا! و هكذا كثرت الجهات المدنسة المشتكية و تلاحقت الشكاوى سيما الباطنية منها أي التي على شاكلة "نيني زاد فيها بزاف".و لأن المدنس إذا تكتل في جبهة عريضة قد يصبح بمثابة المقدس في الإعراب. و الحال أن نيني شاف و شاف بزاف ونهار نهار و هو علينا تشوف تشوف،إيوا و منين شافنا معاه ما لقينا ما تشوف! فساد و فضائح بالجملة و على عينك ابن عدي! بيد أن التوقيت يفرض نفسه، فلماذا الاعتقال و المحاكمة الآن و ليس قبل ذلك؟ أكيد أن القضية متعلقة بالحراك الشعبي و السياسي العام، سيما بعد أن عدل نيني من موقفه المبدئي المتحفظ إلى درجة الانتقاد لحركة 20 فبراير، و هذه مسألة قد يتم تفهمها بأنها كانت سوء تقدير سرعان ما تداركها الرجل و لكن حتى هذا التدارك يبدو أنه أربك من أصروا على تحريك الملف و في هذا الوقت بالذات، و المشكلة أن نيني صوت مزعج سواء كان طليقا حيث سيعود ليشوف مرة أخرى و يُشَوِفُنا معه عورات القوم، أو هو معتقل لأن اعتقاله هدية ما بعد ها هدية للشارع الغاضب و للمطالبين بالإصلاح الحقيقي، لأنه كيف يمكن الحديث عن مغرب الحريات و القراء ممنوعين من الشُّوفْ؟ مما يجعلنا نقول لشلة المبشرين بمغرب الغد الأفضل و مغرب الحريات إلى درجة الإسهال الحاد في الديمقراطية و على رأسهم القافز بزاف الطماع في كرسي الوزارة الأولى أودي أسي عَبْدُو السِّيكْتُورْ تْشُوفْ تْشُوفْ! [email protected]