مع حلول كلّ انتخابات رئاسية أمريكية جديدة، تتناسل النقاشات والتحليلات والتوقعات بصدد الانعكاسات المحتملة لصعود هذا المرشح أو ذاك على قضايا وأزمات المنطقة، وتتحول بذلك هذه الانتخابات من استحقاق داخلي إلى رهان خارجي يمكن أن تتغير معه الأوضاع نحو الأفضل بشكل فجائي. إن حضور القضايا العربية والإسلامية ضمن برامج مرشحي الانتخابات الرئاسية الأمريكية يجد أساسه في حجم الجالية العربية المتواجدة في أمريكا التي تصل إلى حوالي مليون ونصف مليون نسمة، والجالية الإسلامية التي يناهز عددها ثلاثة ملايين شخص بالبلاد، وهو ما يجعل منها كتلة انتخابية هامة من شأنها تغيير الموازين. إن الكثير من الآمال والأحلام التي يعلّقها الكثير من المراقبين والمحلّلين والسياسيين على مجيء هذا الرئيس أو ذلك، غالبا ما تتبخر تحت محك واقعية السياسة الأمريكية التي لا تعترف بصديق دائم أو عدو أبدي. وهذا أمر طبيعي إذا ما استحضرنا الثوابت والمحددات الأساسية للسياسة الخارجية الأمريكية التي تعتمد مفهوما واسعا لأمنها القومي يتجاوز حدودها. ولطبيعة المتدخلين في صياغة هذه السياسة بصورة رسمية (رئيس الدولة، ووزير الخارجية، والمؤسسة التشريعية)، أو غير رسمية (لوبيات، ومراكز البحث، ومؤسسات إعلامية، ورأي عام). لا تخلو الرهانات التي يطرحها البعض في المنطقة من مبالغة وسوء التقدير، على اعتبار أنها تطلق بمنطق اتخاذ القرار داخل مجمل الدول العربية؛ حيث القرارات الخارجية غالبا ما تتخذ بشكل فوقي ومركزي يلعب فيها رؤساء الدول دورا أساسيا. في صيف 2007 ألقى الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" خطابا بجامعة القاهرة في العاصمة المصرية، حمل مجموعة من الرسائل إلى الدول العربية والإسلامية، في علاقة ذلك بقضايا الإرهاب والتطرف، ورهان السلام بين العرب وإسرائيل، ومشكلة انتشار السلاح النووي في المنطقة، وقضايا الديمقراطية، وحرية الأديان، وحقوق المرأة، والإصلاح الاقتصادي. فقد أكد على أنه سيسعى إلى تأسيس بداية جديدة بين الولاياتالمتحدةالأمريكية والعالم الإسلامي عبر تعزيز الشراكة والتواصل وتجاوز العوامل المحرّضة على العنف والكراهية، وتعزيز التعاون والتسامح ودعم المصالح المشتركة، معتبرا في هذا السياق أن الإسلام هو جزء من أمريكا. كما أكد على أن "أمريكا تتحمل مسؤولية مزدوجة تتلخص في مساعدة العراق على بناء مستقبل أفضل وترك العراق للعراقيين". ومن جهة أخرى، أعلن عن توجهه نحو إغلاق معتقل "جوانتانامو". أما في ما يتعلق بالصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، فقد أكد أن "وضع الفلسطينيين لا يطاق، ولن تدير أمريكا ظهرها للتطلعات المشروعة للفلسطينيين ألا وهي تطلعات الكرامة ووجود الفرص ودولة خاصة بهم". كما تطرق أيضا إلى حقوق الدول ومسؤولياتها بشأن الأسلحة النووية، إضافة إلى موضوع الديمقراطية، مبديا أهمية تقديم الحكام مصالح الشعب على مصالح الحزب الذي ينتمون إليه. وتحدث عن التنمية الاقتصادية وتنمية الفرص والتوجه نحو إعمال شراكة مع البلدان التي يشكل فيها المسلمون أغلبية السكان. ومع انتهاء الولاية الرئاسية الثانية للرئيس أوباما، ومرور ما يقرب من ثماني سنوات، يطرح السؤال بصدد مآل هذه الشعارات ومدى تحققها على أرض الواقع. تشير الممارسات الميدانية إلى أن هناك بونا شاسعا بين الشعارات الوردية التي أطلقها أوباما في بداية ولايته الأولى، والسياسة الخارجية الأمريكية تجاه المنطقة. فالعلاقات الأمريكية مع العديد من الدول العربية والإسلامية تتسم بالارتباك وعدم الوضوح، خاصة مع الدور السلبي الذي اتخذته الإدارة الأمريكية إزاء عدد من القضايا العربية، كما هو الشأن بالنسبة للأزمة السورية والأوضاع المتدهورة في العراق، وإزاء قضية الصحراء المغربية (محاولة توسيع صلاحيات المينورسو لتطال مراقبة حقوق الإنسان)، والسياسة الجديدة نحو إيران وملفها النووي وما تلاه من دخول إيران إلى نادي الدول النووية في إطار برنامج "سلمي" والتطور المتسارع للعلاقات الأمريكية–الإيرانية على حساب نظيرتها العربية–الأمريكية، والتزام الصمت أمام الجرائم الإسرائيلية المرتكبة في الأراضي الفلسطينية المحتلة. لقد تزايدت حدّة الجرائم الإسرائيلية في الأراضي المحتلة على عهد أوباما، سواء عبر قصف المدنيين بأحدث الأسلحة والطائرات (العدوان على غزة خلال سنوات 2008 و2009 و2012 و2014)، واعتقال الفلسطينيين، وتهويد القدس والاستمرار في بناء المستوطنات، والتنكر لمختلف الاتفاقات المبرمة بإشراف أمريكي. وتبرز الأزمة السورية حجم التواطؤ الأمريكي والسكوت عن الجرائم الخطيرة التي يرتكبها النظام السوري ومختلف الجماعات المتطرفة، والتي كانت سببا في مغادرة أكثر من ثلث الساكنة لمنازلهم ووطنهم بحثا عن الأمن المفقود، فيما لم تنل التجارب الديمقراطية الوليدة بالمنطقة، كما هو الشأن بالنسبة لتونس، أي دعم اقتصادي غربي كفيل بتعزيز مسار التحول نحو الديمقراطية التي طالما ترددت في خطاب أوباما. ومن جهة أخرى وعلى عكس شعارات أوباما، لا يزال معتقل "غوانتانامو" قائما يحتضن أكثر من ستين معتقلا. تردّدت في الآونة الأخيرة الكثير من الوعود على لسان المرشحة الديمقراطية للانتخابات الرئاسية "هيلارى كلينتون" ومنافسها الجمهوري "دونالد ترامب"، تهمّ قضايا داخلية وأخرى خارجية في المنطقة، وما زال الاهتمام الدولي والإقليمي قائما إزاء برامجها، وما زالت الآمال "الواهمة" تعقد على هذا الطرف أو ذاك. لا شك أن قوة الرئيس في النظام السياسي الأمريكي وأسلوب عمله تنعكس بصورة ما على أدائه وتعاطيه مع مختلف القضايا الداخلية والخارجية، غير أن ذلك لا ينفي تأثير قنوات رسمية أخرى، كما الشأن بالنسبة للكونغرس، أو غير رسمية يجسدها الرأي العام ووسائل الإعلام ومراكز الأبحاث واللوبيات. غير أن المراهنة على هذا المرشح الرئاسي أو ذاك، تظلّ في جزء كبير منها مجرد آمال تعكس عجز صناع القرار في المنطقة عن التحكم في قضاياها وملفاتها الاستراتيجية، كما تجسّد محدودية في الرؤية وعدم استيعاب سبل صناعة القرار الخارجي الأمريكي، الذي يخضع لعمليات طويلة ومعقدة تتحكم فيها العديد من الاعتبارات والأطراف. إن كسب القضايا العادلة في المنطقة في علاقة ذلك بتحقيق التنمية وتعزيز الأمن والاستقرار، ومواجهة التحديات التي يطرحها الإرهاب، وإجبار الكيان الإسرائيلي على احترام الشرعية الدولية ومختلف الاتفاقات المبرمة، لا يمكن أن يتأتّى إلا برصّ الصف العربي وإصلاح الجامعة العربية واعتماد سياسة خارجية متّزنة وواضحة، واستثمار مجمل المقوّمات التي تحتضنها دول المنطقة بصورة عقلانية؛ لأن من شأن ذلك دفع الكثير من القوى الدولية إلى مراجعة سياساتها المتقلبة والمستفزة في المنطقة. *أستاذ القانون والعلاقات الدوليين ومدير مختبر الدراسات الدولية حول إدارة الأزمات